fbpx

“نحن السوريون”… ستغمرنا السعادة إن فرّقتم بين الجلاد والضحية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعيش اللاجئون السوريون أوقاتاً أقلّ ما يُقال عنها عصيّة على الفهم، ويهددها المجهول والفراغ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

    في أحد اجتماعات “الزوم” ضمن ورشة تدريبيّة معنونة بـ”تاريخ لبنان الحديث”، أشارت المُحاضِرة إلى أنّ السوريّين الذين احتلّوا لبنان وأكملت… لم أشأ أن أقاطعها آنذاك أو أن أثير ريبة الحاضرين بلهجتي الشاميّة الثقيلة، قفزتُ برشاقةٍ إلى “التشات” وكتبت تعليقاً مفاده: نحن السوريون سنشعر بالكثير من اللطف في حال استبدال كلمة “السوريين” في معرض أحاديثكم عن كرهٍ تاريخي يعج بالويلات والفظائع بـ”الجيش الأسدي” حقاً ستغمرنا السعادة بالتفريق بين جلّاد وضحيّة من باب العدالة على الأقلّ. قدّمت الدكتورة اعتذاراً وشكرتني على الملاحظة، أعرفُ نزاهتها حقّ المعرفة، وأنّ تلك الكلمتين كانتا عن غير قصد، وليس بغرض الإدانة أو الإهانة؛ بل كانتا عاديتين جداً واللبناني يعرف أنّها تقصد السلطة لا الشعب المطحون تحت الرحى، وأعرف أنّ نضال كثر من اللبنانيين/ ات يشبه نضالنا بل يتقاطع معه في أحيان كثيرة، لكن رغماً عنّا نتألّم.

نتعرّضُ منذ تاريخ لجوئنا إلى لبنان في بدايات الثورة السورية وما بعدها إلى الكثير من المواقف المشابهة نبتلعُها كما نبتلعُ شوكة، والاختلاف الكبير عن الموقف أعلاه أنّها في كثير من الأحيان جارحة ومقصودة ومباشرة تنضح بالشوفينيّة والطبقيّة، وأحياناً عبثيّة مجهولة السبب وتتفاوت ردود الأفعال أو آليات المقاومة بدءاً من الصراخ وتراشق الشتائم المتبادَل أو الصمت… الحيرة… التفكير… رغبة عارمة بالبكاء.. التوق للعزلة… انتهاءً بالجنون. في أيّار/ مايو 2019 كنتُ قد تعرّضتُ وقتها لطارئٍ كبير على الصعيد الشخصي اضطررتُ بعدها لتغيير مكان سكني والبحث عن عمل ولا أعلم اللعنة التي حلّت على تفكيري وجعلتني أبحثُ عن شقة صغيرة في جبل لبنان، وهنا أشاء أن أغرق وأغرقكم في تراجيديا اللاجئين وهو مصطلح صغتهُ لأسهب وأحشو المقال بالمعاناة والمأساة كي لا أتهم بأني أندب أو أنّني أبالغ في توصيف الألم، بل هو عن هذا تماماً. بالعودة إلى رحلتي في جبل لبنان للبحث عن شقةِ صغيرة تعرضت للشتيمة والطرد، إمّا على الهاتف فكثيراً ما أغلق الهاتف في وجهي المكلوم.

“الكارت” الخاسر دوماً

      في حزيران/ يونيو 2019 أعلنَ وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان عن خطة “مكافحة العمالة الأجنبيّة غير الشرعيّة في لبنان” سبقت القرار حملات إعلاميّة شعواء شنّها “التيار الوطني الحر”، عبر وضع لافتات على الطرق مناهضة للوجود السوري، ومحرّضة على عدم تشغيله. تمثلّت الحملة بصاحب التغريدات الأكثر سلبية وعنفاً تجاه اللاجئين، النائب جبران باسيل. حملت هذه اللافتات شعارات مختلفة ومنها ت عيدون يدوم … ما تشغل غير لبناني.

تضرّرت إثر هذا القرار آلاف العائلات الهاربة من ويلات الحرب التي كان يستحيل أن تستخرج أوراقاً رسمية وأذونات للعمل وإقامات صالحة وتدهورت أوضاعهم المعيشيّة والنفسيّة.

     عاد هذا السيناريو إلى الواجهة قبيل الانتخابات النيابيّة الأخيرة. وُضع ملف أزمة النزوح السوري في برامج عدد من النواب كعصا سحريّة ستحلّ بشرورها أينما حلّت واستثمر عدد من النواب المحسوبين على تيارات مؤازرة لنظام الأسد هذا الملف لتحشيد أكبر عدد من الأصوات الداعمة. في حين لم يحمل أي منها حلولاً منطقية مبتكرة أو اقتراحات حقيقية وواضحة “لتنظيم اللجوء السوري” دون المساس بأمن وسلامة وكرامة اللاجئ في الأراضي اللبنانية. قال جبران باسيل في مؤتمر صحافي  أن ّ لا تحسّن اقتصادياً دون عودة اللاجئين السوريين مقترحاً إقرار قانون يتم لتغريم أي عامل سوري يحمل بطاقة لاجئ، مشيراً إلى ضرورة التفريق بين العامل واللاجئ حيث لا يحق للاجئ مثلاً العمل بحجة تأمين جميع مستلزماته من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الشريكة.  وفي السياق ذاته، قال وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم في مؤتمر صحافي، “يكفي أن نرى طوابير اللبنانيين أمام المصارف والصراف الآلي، في الوقت الذي يتلقى فيه الآخرون من جنسيات أخرى مساعدات مباشرة بالدولار الفريش، ويتقاسمون معنا الماء والكهرباء والموارد، فيما نحن لا نحصل على شيء. نجد مؤسّسات ومنظمات دولية ودولاً تعقد اتفاقات مع الجمعيات اللبنانية وتدفع لها بالدولار من دون المرور بالدولة اللبنانية، وبصراحة هذا الوضع السائب لم يعد مقبولاً”.

      تلعبُ هذه المعلومات المغلوطة دوراً كبيراً في إثارة الدهشة والغضب والتحريض ضد اللاجئين، لا يعلم وزير العمل أنّ المفوضيّة تقدم المساعدات للفئات الأكثر هشاشة بعد دراسات وإحالات وزيارات للمنازل وبعد التأكد من وجود أمراض وعلل جسدية أو نفسيّة وفقر مدقع وأستغرب حقيقة جهله بمعرفة أنّ المساعدات النقدية أيضاً لا تشمل جميع المسجلين بالمفوضية وهي مساعدات تقدم بالليرة اللبنانيّة حصراً ولا تكفي لأن تكون مصدراً وحيداً لحياة شبه كريمة في ظل الانهيار الاقتصادي وجنون الأسعار.

عبوديّة في العصر الحديث…

 هناك أبحاث وتقارير حقوقية تشير الى أنواع من الرق الحديث، أي ذاك الذي ينمو داخل مجتمعات محلية بمسميات مختلفة. مؤسسة “ووك فري فاونديشن” الأستراليّة التي تُعنى بحقوق الإنسان أعدت تقريراً يفند إحصاءات في هذا المجال وتقول، “العبوديّة المعاصرة غير مفهومة جيّداً حتى الآن لذلك تظل مستترة داخل المنازل والمجتمعات المحلية وأماكن العمل”.

في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أصدرت بلديّة رأس بعلبك قراراً تحدّد فيه أجور العاملين السوريين في البناء  بعشرة آلاف ليرة لبنانية عن كلّ ساعة عمل ومنعت فيه استقبال السوريين ضيوفاً من خارج البلدة أو التجوال بعد السابعة مساءً تحت طائلة المسؤوليّة. وفي 20 أيّار 2022 حدّد مجلس بلديّة دير الأحمر أسعاراً لأجور العمال السوريين متغافلاً عن  وضع الأسعار المتقلب المتعلّق بتقلبات سعر الدولار أو اختلاف  الحاجات والظروف المعيشيّة من عامل إلى آخر أو عن  العدالة الإجتماعيّة في إعطاء كل عامل حقه نظراً لكفاءته واحتياجاتهِ. وفي ملاحظة دونت أدنى القرار كتب: “كل عامل يترك البلدة للعمل في بلدات أخرى خلال فصل الصيف سيُصار إلى طرده من البلدة فوراً”، ألّا تُعتبر هذه القرارات تمظهراً من تمظهرات العبوديّة في القرن الحادي والعشرين التي قال تقرير إنها غير مفهومة. هل لا تزال كذلك؟ 

يعيش اللاجئون السوريون أوقاتاً أقلّ ما يُقال عنها عصيّة على الفهم، ويهددها المجهول والفراغ.

مرّة قالت صديقتي سيُداس علينا بعد الانتخابات ولا نتوقع أي لفتةٍ من القوى التغييريّة التي فرضت نفسها في البرلمان ليس من باب التشاؤم أو عدم الثقة، بل بسبب كثرة الأزمات.

في لحظات عابرة مع أشخاصًا عابرين يكون “الخوف من بكرا” حاضراً معنا ولكن تحوّل “بكرا” إلى الخوف من اليوم ومن الآن ومن كلّ دقيقة وحياتنا تُقذف من طاولة اجتماع إلى أخرى ومن حزب وتيّار إلى آخر من بلديّة إلى أخرى مخترقين بذلك إرادتنا وحياتنا الشخصيّة ورغباتنا. 

حياتنا التي صارت بأيدٍ غير أمينة نخشى عليها كثيراً، وكرامتنا التي تقف كحارسٍ في وجه العنصريين وأصحاب السلطة الفاسدة لم تعد كافيّة لتقف في وجه عنصريّة لم تعد فرديّة أبداً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.