fbpx

ما زلنا نصدق الناجيات على رغم براءة جوني ديب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خرج كثر من مخابئهم يرمون في وجهنا ابتسامات خبيثة. آمبر هيرد “كاذبة”، إذاً، كل النساء اللواتي خرجن للعلن كاذبات ولن “نصدق الناجيات” ولنعد هانئين إلى مقولات قوامة الرجل ونصف عقل المرأة وثقافة الاستخفاف والتمييز المتجذرة من حولنا.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل حقاً يشعر المنتشون من حولنا بحكم البراءة الذي ناله جوني ديب بأن العدالة بمعناها الواسع تحققت؟ ومن هم هؤلاء الذين يملأون الفضاء الافتراضي  بـ”ميمز” ساخرة من النسويات ويرفعون شعار “نصدق الناجين” ويرسلون ابتسامات وتحليلات بأن حركة “مي تو” قد سقطت الآن بالضربة القاضية! 

من حولنا تجري بذريعة الخفة والسخرية حملة تسفيه واسعة لموضوع جاد، هو العنف والتحرش الجنسي. اختُزلت حركة جمعت نساء شجاعات من حول العالم بامرأة واحدة ينظر إليها كثيرون بخوف وكراهية.

من العالم العربي خرج كثر من مخابئهم يرمون في وجهنا ابتسامات خبيثة. آمبر هيرد “كاذبة”، إذاً، كل النساء اللواتي خرجن للعلن كاذبات ولن “نصدق الناجيات” ولنعد هانئين إلى مقولات قوامة الرجل ونصف عقل المرأة وثقافة الاستخفاف والتمييز المتجذرة من حولنا.  

في رسالة نصية كتب جوني ديب أنه يتخيل أنه سيقتل زوجته الممثلة آمبر هيرد. قال ديب في رسالته الى أصدقائه والتي اعترف بها بالمحكمة: “سأضاجع جثتها المحترقة بعد ذلك لأتأكد من أنها ماتت”. لم تكن رسالة وحيدة بل كررت المحكمة رسائل نصية تحمل كراهية ديب لهيرد واعترف في جلسات المحاكمة بها.

أصبحت تلك الرسائل متاحة بوصفها أدلة في صلب دعوى التشهير التي رفعها ديب ضد هيرد. وديب رفع دعوى قضائية ضد مقال نشرته هيرد في صحيفة “واشنطن بوست” عام 2018 كتبت فيه، “منذ عامين، أصبحت شخصية عامة تمثل العنف المنزلي”. المقال لا يذكر ديب بالاسم، لكن الدعوى التي رفعها ديب كانت ضد ما اعتبره تشهيراً به.

الآن بتنا نعرف أن المحكمة وهيئة المحلفين تعتقد أن ديب يستحق البراءة وأن آمبر هيرد كاذبة. وللحقيقة فإن هيرد لم تكن مقنعة في جزء أساسي من شهادتها وتجلى من خلال الاعترافات التي أدلى بها هيرد وديب أن العلاقة بينهما كانت سامة.

صحيح أن هناك أدلة دامغة على أن هيرد تصرفت بعنف تجاه ديب، فمن على منصة المحكمة اعترفت بضربه مرة واحدة على الأقل، وهناك تسجيلات صوتية يمكن سماعها وهي تتحدث عن تعنيفه والاستخفاف به على ما يبدو، لكن هناك أيضاً أدلة دامغة على أن ديب تصرف بعنف إذ سجلت المحكمة صوراً وشهادات لديب وهو يضرب هيرد، وهيرد مغطاة بالكدمات بعد لقاءات معه تعود إلى سنوات. 

من الخبث تجاهل كل هذه الملابسات لتحوير المحاكمة بوصفها محاكمة لشعار رفعته حركة “مي تو” وهو الشعار الأثير “نصدق الناجيات”. 

يجادل أنصار ديب بأن فوزه لا يمثل نهاية “أنا أيضاً”، بل يمثل توسعاً للحركة. وفقاً لديب، فهو، وليس هيرد، الضحية الحقيقية للعنف المنزلي في هذه القصة، وعلى هذا النحو فهو يساعد في كسر وصمة العار ضد الرجال الذين يعتبرون “ضحايا” إساءة المعاملة.

لكن هل حقاً باتت موازين القوى بهذا الوضوح لنعتقد أن مستوى العنف ضد الرجال يوازي ذلك الذي تعانيه النساء؟

طرح قضية هيرد من زاوية أن ضحايا العنف الجنسي هم رجال ونساء، هو قفز فوق عذابات لا حصر لها تدفع ثمنها نساء تم إسكاتهن وفق اختلال هائل في الموقع والقوة.

إقرأوا أيضاً:

مسار التفاعل مع نتيجة المحاكمة يثبت ضيقاً عالمياً بالقوة النسوية التي أثمرتها حركة “مي تو”. لقد صدر الحكم بعد جلسات تم بثها على شاشات العالم وتنافس كثيرون على ترجمتها الى كل اللغات. يكاد يستحيل تصفح “تيك توك” أو “إنستاغرام” دون الاصطدام بعشرات الكليبات التي تظهر آمبر هيرد وهي تتلعثم بإجاباتها فيما ديب يتحاشى النظر إليها بعدما قال لها “لن أنظر في عينيكِ أبداً”. 

شارك كثيرون المواجهة بين محامية جوني ديب وآمبر هيرد. 

هل هناك ما هو أكثر متعة لجمهور من الذكور من امرأتين تتواجهان حول رجل!

التغطية الإعلامية للمحاكمة بدت حالة نادرة للغاية بالنسبة لقضية عنف أسري يتم عادة التعامل معها بشكل أكثر خصوصية. ومع تعميم شهادة هيرد بات اليوم من الممكن تبرير أي قسوة ضد امرأة. تمت إعادة توليف لقطات من وجهها الباكي وجعلوها “ميمز”، وأصبح صوت بكائها وكأنه فاصل صوتي في TikTok. 

تحولت المحاكمة إلى عربدة عامة وظيفتها كراهية النساء. 

صحيح أن معظم النقد اللاذع موجه اسمياً إلى هيرد لكن من الصعب إنكار الشعور بأنه موجه إلى جميع النساء وعلى وجه الخصوص، إلى اللواتي تجرأن وجاهرن بتجاربهن عن الاعتداء والعنف الجنسي. 

سعد المجرد المغني المغربي المعروف لم يحصل على حكم بالبراءة ولا تزال تلاحقه تهم الاغتصاب في فرنسا ودول أخرى، ما زال يلقى احتضاناً هائلاً وضرب كثيرون الصفح عنه بل ربما يعتبرون اعتداءاته وعنفه ضد النساء جزءاً طبيعياً في العلاقة مع النساء. محبوه وداعموه أعلنوا صراحة أنهم لا يصدقون الناجيات وأن المجرد هو الأقوى في هذه المعادلة.

هل ننسى فتيات “التيك توك” اللواتي تم سجنهن في مصر لأنهن تجرأن على الظهور بفيديوهات عن أنفسهن بينما لاقى مغتصبو واقعة عرفت بقضية “الفيرمونت” البراءة!

الأمثلة على الاختلال الهائل لا تحصى، فهذا واقع تكرسه قوانين وثقافة مجحفة لا تزال تطوق النساء العربيات وتخنقهن وتقوض جهود دعم ضحايا التحرش والعنف.

منذ انطلاق حركة “مي تو” عام 2017 بعد فضيحة تحرش متسلسل هزت هوليوود وكان نجمها المنتج هارفي وينستين، انتشر وسم “أنا أيضاً”، وبموازاة قوة الوسم الذي شاركت من خلاله آلاف النساء تجاربهن كان رد الفعل ضد الحركة عنيفاً أيضاً. اتهامات بالمبالغة والإفراط وتجاوز الحد مع تناسي اختلال هائل في موازين القوى اجتماعياً وقانونيا ضد النساء.

تبدو قضية آمبر هيرد نقطة تحول في استجابة ثقافتنا للعنف ضد المرأة، خصوصاً في المنطقة العربية، فربما تكون قوى رد الفعل الكاره للنساء أقوى الآن بعد مجابهتها إعلامياً على الأقل. 

 كان يفترض أن يكون أحد الدروس التي تعلمتها حقبة ما بعد “أنا أيضاً” أن الضحايا لا يجب أن يكونوا كاملين حتى يستحقوا العدالة، وأنه حتى الأشخاص الذين تصرفوا بشكل سيئ لا يستحقون التعرض للعنف والإهانة. 

يبدو أن هذا الدرس قد اختفى هنا.

نحن في لحظة رد فعل عنيف ضد النسوية، ويتم الآن الانقضاض على المكاسب المتواضعة التي تحققت في السنوات الأخيرة مع استنهاض واسع لتقليد لوم الضحية. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!