fbpx

بعد استحواذه على البرلمان والحكومة:
قيس سعيد يُجلس قضاة تونس على “كرسي الحلاقة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قيس سعيد لم يكتف بقرار عزل السبعة وخمسين قاضياً بل منحَ نفسه صلاحية العزل في المستقبل أيضا، وحصنها بتشديد الشروط على حق الطعن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 “ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار”،  كلما سمعت هذا البيت لابن هاني الأندلسي لا يجب عليك أن تتذكر “الخليفة” الذي كتبت من أجله فحسب، بل يجبُ أن يذهب تفكيرك مباشرة إلى الرئيس التونسي قيس سعيد. 

هذا الأخير ضمَّ سلطات الدولة كلها إلى نفسه، بدءاً من التشريعية عندما حلّ البرلمان في آذار/ مارس الماضي وأصبح هو المشرّع لكل القوانين التي تسيّر الدولة، مروراً بالتنفيذية عبر تعيين نجلاء بودن، رئيسة “الحكومة الصامتة”، أو كما يسميها مراقبون “دمية سعيد”  التي يسيرها ومن ورائها الدولة دون خجل أو مواربة،  السيدة التي لا تنطق بكلمة في جل اجتماعات مجالس الوزراء في حضور الرئيس، وصولاً إلى السلطة القضائية التي رجَّها رجاً بعزل سبعة وخمسين قاضياً دون محاكمة مستندا إلى” تقارير وزارة العدل التفقدية وتقارير جهات عليا في الدولة بشأن تورطهم في قضايا فساد”.

قيس سعيد لم يكتف بقرار عزل السبعة وخمسين قاضياً بل منحَ نفسه صلاحية العزل في المستقبل أيضا، وحصنها بتشديد الشروط على حق الطعن، حيث نصّ التعديل الذي نشر في الجريدة الرسمية مساء الأول من حزيران/ يونيو 2022 على أنه “يحق لرئيس الجمهورية، في صورة التأكّد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، إصدار أمر رئاسيّ يقضي بإعفاء كلّ قاض تعلّق به ما من شأنه أن يمس بسمعة القضاء أو استقلاليته أو حُسن سيرته”.

وجاء في فصل التعديل ذاته أنه “لا يمكن الطعن بالأمر الرئاسيّ المتعلق بإعفاء قاضٍ إلا بعد صدور حكم جزائيّ باتّ بالأفعال المنسوبة إليه”. وأوضح التعديل أن هذا “الإجراء ينبغي أن يتمّ بناء على تقرير معلّل من الجهات المخوّلة”.

وقال سعيد، خلال إشرافه على مجلس الوزراء في اليوم نفسه، إن التهم الموجهة إلى القضاة هي “تعطيل التحقيق في ملفات إرهابية وعددها 6 آلاف و268 ملفا، وعدم الحياد وتجاوز الصلاحيات وتوجيه الأبحاث (التحقيقات)”، بحسب صفحة الرئاسة على فيسبوك.

ومن التهم أيضا، وفق سعيد، “مساعدة مشتبه فيه بتهمة الإرهاب ومنها منحه الجنسية التونسية والتواطؤ فيما يُعرف “بالجهاز السري” والارتباط بأحزاب سياسية”، بجانب “فساد مالي و ارتشاء وثراء فاحش وفساد أخلاقي وزنا”.

“البناء الشكلاني” الذي يبدو جميلاً ولُقّب بـ”نظام ديمقراطي” انتهى بعد عشرية من التجريب إلى خلق كانتونات مؤسساتية منقسمة ومعزولة شتت السلطة وضعفت الدولة ووضعت البلاد في مأزق تنازع السلطة بين قرطاج والقصبة وباردو

القضاة التونسيون احتجوا على قرار إعفاء 57 قاض من قبل رئيس الجمهورية، و دخلوا في إضراب منذ أمس الاثنين 6 يونيو 2022 في جميع المحاكم العدلية والإدارية والمالية لمدة أسبوع كامل قابل للتجديد، قرار صادقت عليه بالإجماع ستُ منظمات نقابية ممثلة للقضاة في تونس وهي جمعية القضاة التونسيين وجمعية القضاة الشبان ونقابة القضاة التونسيين وجمعية القاضيات التونسيات والمجلس القطاعي لمحكمة المحاسبات والمجلس القطاعي للمحكمة الإدارية.

وجاء في بيان لائحة المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين أن الإضراب سيستثني قضايا الإرهاب على مستوى النيابة العمومية والأذونات بالدفن.

كما تضامنت معهم أكثر من عشرين منظمة وجمعية ومجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية. قائمة المتضامنين، لم  تضم هذه المرة منظمات عريقة على  غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي عاشت مخاضاً عسيراً الفترة الماضية وانقساماً حاداً بسبب موافقتها على المشاركة في “الحوار الوطني” الذي يعتبره مخالفوها في الرأي صورياً وشكلياً من أجل إنجاح مشروع قيس سعيد “الاستبدادي بالحكم”.

 النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين هي الأخرى التزمت الصمت حيال قرار عزل القضاة. وهو موقف استغربه العديد من الملاحظين بسبب عدم الانتباه إلى أن القضاء هو الضامن لحماية الحقوق والحريات فكيف يمكن للهيكل الأكثر تمثيلاً للصحفيين، ألا يبدي موقفا حاسما في هذا الشأن؟

المحلل السياسي خليفة شوشان يعتبر أن ما أتاه قيس سعيد أمر طبيعي جداً لأن القضاء كسلطة أبى أن يصلح من نفسه، شأنه شأن برلمان ذي الغالبية النهضوية وحكومة رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي المقالة بقرار جمهوري في 25 يوليو الماضي: “كان أحد الحلاقين في أثينا خلال زمن انتشار المنطق بين الفلاسفة يعلّق يافطة كتب عليها: “أحلق لحية من لا يحلق لحيته بنفسه” يبدو أن الرئيس قيس سعيد قد اختار أن يستعير هذه الجملة المنطقية ليعلّقها على أبواب تونس و يشهرها في وجه كل السلط والمجالس والهيئات ورفع شعار أنا أطهّر من لا يطهّر سلطته أو مؤسّسته أو هيأته من الفساد بنفسه”.

ويعتبر شوشان، في حديث مع “درج”، أن المجلس الأعلى للقضاء فشل لعشر سنوات وعشرة أشهر في تطهير نفسه فما كان من سعيّد إلا أن “حلق لحيته”، وفق تعبيره.

وعن الانفراد بالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يرى شوشان  أن النظام الذي كانت تونس عليه قبل 25 حزيران:/ يوليو 2021 تاريخ إعلان قرارات سعيد الاستثنائية أو ما يسميه معارضوه “انقلابا”، لم يكن في الأصل ديمقراطيا.

يفسر خليفة في هذا السياق قائلاً: “النظام لم يكن يوما ديمقراطياً بل كان أقرب إلى اتفاق طائف(لبناني) بنكهة تونسية غابت فيها الطوائف الدينية والمذهبية وحضرت الطوائف السياسية التي تقاسم أمراؤها، الذين ركبوا الثورة، السلطة بينهم ريعاً حزبياً وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، وكتبوا ميثاقا بينهم سموه دستوراً فصّلوه على مقاس “اغنية لكلّ مستمع” وبنوا مؤسسات وهيئات تقاسموها فيما بينهم بالمحاصصة والمغالبة وأعلنوه “اجمل دستور في العالم” ووضعوا فيه من كل زوجين او فصلين اثنين لإرضاء اليميني واليساري، والمتديّن والعلماني والليبرالي والشيوعي ولم ينسوا أن يصفدوه بالأقفال و”يلغمونه” بالفصول حمالة كل التأويلات وان يضعوا جدراناً اسمنتية بين السلطات الثلاث حتى باتت تونس دولا وجمهوريات شبه مستقلة.

إقرأوا أيضاً:

 شوشان يعتبر أن هذا “البناء الشكلاني” الذي يبدو جميلاً ولُقّب بـ”نظام ديمقراطي” انتهى بعد عشرية من التجريب إلى خلق كانتونات مؤسساتية منقسمة ومعزولة شتت السلطة وضعفت الدولة ووضعت البلاد في مأزق تنازع السلطة بين قرطاج والقصبة وباردو (مناطق مقرات السيادة الحكومية والبرلمانية والرئاسية ): “ملخص عشر سنوات  من حكم راشد الغنوشي وشركائه وأذنابهم قاد البلاد إلى حالة من الاختناق عجزت معها السلطة عن توفير جرعة اكسيجين لشعبها المطحون تحت وباء كورونا والأزمة الاقتصادية واستشراء البطالة وشبح الاستدانة الذي فاق كل المعدلات وهجرة خيرة شبابها أدمغتها في قوارب الموت نحو أوروبا. 

أما المحامي والناشط الحقوقي مالك بن عمر فيرى عكس ذلك تماماً ويعتبر أن قيس سعيد هو “ديكتاتور حقيقي يسير بالبلاد نحو المجهول بسبب مضيه في تنفيذ مشروعه الاستبدادي”. ويعتبر بن عمر أن قيس سعيد يفعل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه إذ أن قراراته الغاضبة التي تسعد المئات من أنصاره الغاضبين قد وحدت القضاة في محنتهم مع هياكلهم التي عاشت صراعات منذ سنوات: “من الإجحاف إعفاء 57 قاضيا  دون تمكينهم من ممارسة حقهم في الدفاع عن أنفسهم و مناقشة ما هو منسوب إليهم ودون تمكينهم من حقهم القانوني في دحض التهم والمآخذ المنسوبة لهم و الدفاع عن أنفسهم أمام مجالس تأديب. 

بن عمر يؤكد لـ”درج” أن “قائمة العزل تضم عدداً كبيراً من الشرفاء المشهود بكفاءتهم ونزاهتهم ممّا يرجّح أنّ سبب عزلهم يعود إما إلى عدم رضوخهم للتعليمات أو لانتقادهم الانقلاب أو لنظرهم في ملفات حساسة يراد توجيهها على هوى سلطة الانقلاب”.

وبين من يبرر قرار العزل والانفراد بالسلطة وبين من يعارض “الانقلاب” يبقى الأمر الواقع الذي يؤكد أن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد يسير بثبات، وبيده كل أجهزة الدولة وإمكانياتها،  نحو تحقيق هدفه وهو بلوغ النظام الرئاسوي عبر الاستفتاء في يوليو المقبل على “دستور جديد” لا احد يعرف محتواه حتى الآن. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.