ايران: منصات السوشيل ميديا متواطئة مع النظام في قمع المحتجين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الإنترنت في طليعة هذه المواجهة بين المجتمع والدولة”. ولهذا السبب أصبح قطع الإنترنت وسيلة أساسية من وسائل القمع التي يستخدمها النظام الإيراني.

في مواجهة الاستبداد في جميع أنحاء العالم، تُسمع بعض صرخات التحدي بينما يتم إغراق وكتم بعضها الآخر. 

استغرق وصول صدى الاحتجاجات المطلبية المستمرة في إيران إلى القنوات الإعلامية الغربية حوالي أسبوعين بعد اندلاعها. يقول أمير رشيدي، مدير الحقوق الرقمية والأمن في مجموعة “ميان”، إن أسبوعين هو وقت طويل جدًا؛ “مات من مات، والسجناء يعانون بالفعل”. 

في حين أن عمليات قطع الإنترنت التي ابتليت بها البلاد حاليًا كانت طريقة أساسية للنظام الإيراني على مدار العقد الماضي، تكشف الأحداث الأخيرة عن دور سلبي لشركات التكنولوجيا الرقمية الكبرى.

في العام الماضي، كشفت منظمة “المادة 19” غير الحكومية عن 204 حالة لإزالة منشورات وقصص توثق الاحتجاجات الإيرانية من موقع إنستغرام. 

اليوم، يزعم نشطاء وخبراء إنترنت إيرانيون أن تأخير المعلومات ليس فقط بسبب انقطاع الإنترنت. يشيرون إلى رقابة وتقاعس في منصات التواصل الاجتماعي. تشير سلسلة ردود الفعل من شركات التكنولوجيا الرقمية على الغزو الروسي لأوكرانيا إلى أن الحياد ليس مطروحًا على الطاولة – أقمار إيلون ماسك للإنترنت وقيود Facebook لوسائل الإعلام الحكومية الروسية ليست سوى مؤشرات قليلة على ذلك.

التأخير هو أحد العوامل العديدة التي تحدّ من وصول أخبار الاحتجاجات على مستوى العالم، والتغطية الإعلامية الغربية الضئيلة وغير الفعالة، بالنسبة للصحفي ومقدم برنامج “إيران بودكاست” نيجار مرتضوي، لا تنتج فقط عن السياسة، ولكن من نقص المعلومات. 

مع الحضور الصحفي الدولي المحدود، تقتصر تغطية إيران في المؤسسات الاعلامية الدولية على قضايا السياسة الخارجية – متجاوزة القضايا المحلية بالكامل. يوضح زلال حبيبي ، الناشط الذي يعمل مع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لـ”درج”، أن الإيرانيين تركوا يشعرون بأن “المجتمع الدولي قد غض الطرف” عن محنتهم. على الرغم من القدرة المؤكدة لشركات التكنولوجيا على لعب دور في معالجة الوصول إلى المعلومات في إيران لكن المفارقة أن هذه الشركات لم توفّر الدواء الشافي الذي لطالما زعمت أنها تمتلكه.

اندلعت الاحتجاجات في بداية أيار/مايو في مقاطعة خوزستان بسبب قيام الدولة بوقف دعم القمح – ما جعل تحمّل كلفة العديد من السلع الأساسية صعباً جداً. أزمتان مزدوجتان أصابتا الاقتصاد الإيراني: فساد النظام وسوء إدارته، والعقوبات الأميركية. على هذه الخلفية، كانت الأزمة خانقة. يقول هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران لـ”درج”، إن الإيرانيين أصبحوا “يائسين اقتصاديًا للغاية ويعيشون خيبة أمل سياسية كبيرة لدرجة أنهم على استعداد للنزول إلى الشارع حتى لو تم إطلاق النار عليهم أو قتلهم أو سجنهم”. 

بسبب الافتقار إلى حضور إعلامي موثوق به، نادرًا ما تكون الإحصائيات موثوقة – لكن تقريرًا صادرًا عن مركز حقوق الإنسان في إيران، والذي لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل، يقدّر عدد القتلى بما لا يقل عن خمسة. على مدار الشهر، تطورت الاحتجاجات وانتشرت. الآن، لا يطالبون بأي شيء أقل من تغيير النظام.

تُظهر المظاهرات ، التي تم الإبلاغ عنها في 40 مدينة وبلدة على الأقل، وعيًا سياسيًا قويًا بين الإيرانيين – وهو إرث أكثر من عقد من الحركات الاحتجاجية القوية في أعقاب الحركة الخضراء عام 2009. منذ ذلك الحين ، اجتاحت إيران دورات مختلفة من التعبئة السياسية. في بيئة لا تسامح فيها مع المعارضة، “أصبحت الشوارع”، بحسب غيمي، “جزءًا رئيسيًا من حاجة المجتمع الإيراني لتأكيد وجوده”.

كانت الاحتجاجات الحالية راديكالية بشكل ملحوظ. يقارنها حبيبي بالاحتجاجات السابقة في 2018 ، وهي فترة مماثلة من الاضطرابات المدنية ذات الأصول الاقتصادية الشبيهة. بعد ذلك، مرّت أيام قليلة قبل أن يطغى تركيز الاحتجاجات على دوافعها الاقتصادية لاستهداف قيادة البلاد. اليوم، خلال الاحتجاجات التي أعقبت انهيار مبنى ميتروبول المكون من عشرة طوابق في عبادان، والذي خلّف ما لا يقل عن 20 قتيلاً، تم توضيح الهدف خلال الساعات القليلة الأولى؛ وسمعت هتافات “الموت لخامنئي” طوال الوقت.

بالنسبة للمحتجين ، فإن النظام الإيراني يقف على خط النار. يوضح الناس أن مشاكلهم لا تقتصر على الوضع الاقتصادي. يقول حبيبي، إنهم يريدون رؤية التغيير. تآكل أمل الناس في الإصلاح – تحولٌ في العقلية لاحظه هادي غيمي على مدى العقد الماضي – يضفي صبغة ثورية، ولكن يائسة، على الاحتجاجات. بعبارة بسيطة، “لقد وصل الشعب الإيراني إلى نقطة اللاعودة”.

أصبحت الاحتجاجات بلا قيادة بسبب الاعتقالات المستمرة للناشطين البارزين وأعضاء المجتمع المدني. وصارت وسائل التواصل الاجتماعي ملاذاً بسبب اضطرار المتظاهرين إلى البحث عن طرق بديلة للتوثيق والتنظيم والحشد. يوضح غيمي أن “الإنترنت في طليعة هذه المواجهة بين المجتمع والدولة”. ولهذا السبب أصبح قطع الإنترنت وسيلة أساسية من وسائل القمع التي يستخدمها النظام الإيراني. في حين يؤكد أمين ثابتی، الخبير في الأمن الرقمي ومؤسس “سيرتفا لاب” لـ”درج”، أن هذه الانقطاعات في الانترنت التي تعاني منها البلاد حالياً لن تكون الأخيرة. وفي رأيه، هي الأداة الأكثر فعالية التي يمتلكها النظام لممارسة السيطرة على الشعب الإيراني وتدفق المعلومات داخل البلاد وخارجها وحولها. تكشف نظرة أعمق على الآليات الكامنة وراء هذه الانقطاعات عن مستوى من التعقيد يزعم رشيدي أنه ينطوي على إمكانات خطيرة لإلهام الأنظمة المتسلطة الأخرى. ويشير إلى القدرة الفريدة التي يمتلكها النظام الإيراني على تقييد تغطية منطقة بحجم مدينة وكأنها مثل حي صغير، وصولاً إلى البلد بأكمله. فضلاً عن أنه قادر على تقييد الشبكة الدولية في الحال -التي تستضيف مواقع تويتر وإنستغرام وغوغل- مع الإبقاء على الشبكة الوطنية التي تقوم بالدعاية للنظام بشكل كبير.

يمتد مشهد الحقوق الرقمية الخاضع لرقابة مشددة ليشمل حرية الصحافة، إذ تعد إيران واحدة من أكثر البيئات قمعاً للصحفيين في العالم إذ بلغ تصنيفها 178 من اصل 180 أي أنها تسبق كوريا الشمالية واريتريا فقط. وفي ظل غياب وسائل الإعلام الجديرة بالثقة، أصبحت حسابات التوثيق على وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة شريان الحياة للمقاومة.  وفي حين تهدد الألاعيب التي يمارسها النظام الإيراني من خلال قطع الإنترنت، أنشطة حسابات التوثيق، يشير خبراء الإنترنت إلى جانب آخر يساهم في تفاقم المشكلة وهو: شركات التكنولوجيا العملاقة.

بحكم تصميمها، يرتبط مصير حسابات المقاومة بمنصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها – والخوارزميات الغامضة التي تتحكم فيها. وطوال فترة الاحتجاجات، تم تقييد أنشطة حساب “+۱۵۰۰تصویر”، مثل غيره، وحذفت المنشورات التي تتناول الاحتجاجات – ليس من قبل النظام الإيراني، ولكن من قبل إنستغرام نفسه.

تميز إرشادات المجتمع التي يعتمدها إنستغرام بين المنشورات التي تمجد العنف المصور، وتلك التي تهدف إلى “إدانة أو زيادة الوعي أو التثقيف”. غير أن منظمة “المادة 19″ غير الحكومية المعنية بحرية التعبير وحرية الإعلام، تكشفت عن 204 حالة لحذف التعليقات أو القصص التي توثق محتوى الاحتجاج في عام 2021. وعلى الرغم من استعادة بعض المحتوى، فإن الرقابة تتسبب في التأخير إلى مرحلة  يكون فيها ” الموتى قد ماتوا بالفعل، ومن زُج به في السجن كان يعاني بالفعل”، بحسب قول رشيدي، مؤكداً على الشعور بعدم الجدوى والإحباط. بالنسبة إلى غيمي، أصبحت شركات التكنولوجيا العملاقة “جهة فاعلة مستقلة ضخمة”، وقراراتها “لها تداعيات هائلة على المجتمعات التي تعتمد على هذه الشبكات”.

يكشف المزيد من البحث في عملية ضبط المحتوى في شركة “ميتا” عن تداخل صارخ. فقد كشف اثنان من مشرفي المحتوى الفارسي مؤخراً لـ “بي بي سي” أنها عرضت عليهما رشاوى تتراوح بين 5,350 و10,700 دولار من قبل مسؤولي المخابرات الإيرانية لحذف حسابات إنستغرام الخاصة بالصحفيين والناشطين المناهضين للنظام.

في حين أظهرت شركة “ميتا” أنها ليست كياناً محايداً، وأن الإشراف على المحتوى هو قرار سياسي. 

في الآونة الأخيرة، تم تغيير إرشادات خطاب الكراهية للسماح بالمنشورات التي دعت إلى العنف ضد المسؤولين الروس في سياق الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا. بينما يستطيع المسؤولون الإيرانيون الذين تلطخ أيديهم بالدماء التغريد بكل حرية -وأي محاولة لتوثيق جرائمهم يتم استهدافها. من خلال التقاعس عن اتخاذ أي إجراءات ذات مغزى، فإن شركات التكنولوجيا العملاقة، تساعد النظام الإيراني. تكمن المشكلة، من وجهة نظر رشيدي، في أن شركات التكنولوجيا لا تريد تخصيص الموارد للتواصل مع المجتمع المدني الإيراني وخبراء حرية الإنترنت، ومع أولئك الذين يفهمون السياق ولديهم روابط داخل إيران. ويؤكد على أنه إذا كانت شركة “ميتا” “تؤمن بحقوق الإنسان والتكنولوجيا”، فمن المهم أن يقيموا هذه الروابط.

في كثير من الأحيان ، تصور وسائل الإعلام الغربية إيران على أنها صندوق أسود. بالنسبة إلى نيجار مرتضوي ، فإن التأثير ينزع الصفة الإنسانية عن إيران، ولكن أيضًا الافتقار إلى الوصول إلى المعلومات الموثوقة. على الرغم من ذلك ، تُظهر الاحتجاجات المستمرة أمة تقف في تحد.

إقرأوا أيضاً:

هديل عرجة - Tinyhand | 30.05.2023

“البلوغ القسري” في مخيمات الشمال السوري… أدوية هرمونيّة لتسريع الدورة الشهريّة وتزويج الفتيات 

تحوي ظاهرة "البلوغ القسري" تفاصيل مُريعة، إذ تُجبَر الفتيات اللاتي لم يصلن سنّ البلوغ بعد، على تناول الأدوية الهرمونية لتسريع البلوغ إلى جانب تعرضهن للضرب على ظهورهن بهدف التسريع في حدوث "الدورة الشهرية"، ليتم بعدها تزويجهن قسراً.
لتصلكم نشرة درج الى بريدكم الالكتروني