fbpx

الشرطة في خدمة… أغاني “المهرجانات”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“إما أن تعمل مرشداً لديهم وتقوم بإمدادهم بالمعلومات أو الاتفاق على تسليمهم بعض المتعاطين، إذا كان قسم الشرطة في حاجة إلى تقفيل المحاضر، أو لن تسلم منهم أبدا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في لقائه مع برنامج “آخر النهار” يعترف الملحن عصام إسماعيل، أن ذوق المجتمع كله أصبح متماشيا مع أغاني المهرجانات، خاصة بين الشباب الصغير، ليس بين الجمهور المصري فحسب. 

هذه الأغاني باتت تعكس شرائح واسعة من سكان المناطق الفقيرة المهمشة في مصر.لاحظ اسماعيل أن أغلب التعليقات على أغاني المهرجانات تأتي من العرب غير المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومصر أصبحت مشهورة بها أكثر من غيرها. حتى أن الأمر لفت انتباه عملاق التكنولوجيا ايلون ماسك، الذي قام بمشاركة صورة لأكثر 10 أغاني استماعا على ساوند كلاود على مستوى العالم، وكان من بينهم أغنية(مهرجان) “بنت الجيران”.

لكن لماذا وصلت أغاني المهرجانات بهذه السهولة إلى جمهور الشباب ولاقت هذه الجماهيرية الكبيرة؟ السؤال طرحته على نفسي، ثم نقلته إلى عدد من المعنيين بشكل مباشر، وهم كثر، بأغاني المهرجانات، لمحاولة العثور على إجابة.

يقول مهند. ف من إحدى مناطق الزاوية الحمرا، وهي منطقة شعبية، لـ”درج”، إن اغاني المهرجانات تتضمن “مشاهد” حول المداهمات الأمنية وسطوتها، وهي أمور عادية ومتكررة في منطقتنا، يتكرر نزول الحملات على تجار المخدرات الصغار، وقد تتعرض للإيقاف والتفتيش رغم أنك لست تاجر مخدرات، لكن كون تلك المناطق تشتهر بالبلطجة وتجارة المواد المخدرة فقد يتم القبض عليك، وإذا اعترضت، بسهولة قد يتم تلفيق قضية لك.

 فيما يضيف أبو بكر. ش، محرر فيديو مصري، من إحدى مناطق فيصل: “اسأل أي حد كدة في أي منطقة شعبية، لازم هتلاقي ليه حكاية مع رخامة أمناء وضباط الشرطة”، يعتقد أبو بكر، “أن أغاني المهرجانات لاقت صداً واسعًا لأنها عبرت عن حال الكثيرين من فئات الشباب في المناطق الشعبية ثم انتقلت إلى الشباب خارج تلك المناطق”.

من هنا رسمتُ في خيالي سيناريو لشاب يدعى سيد، ينزل من بيته في إحدى المناطق الشعبية المصرية في حي المطرية ليستقّل الميكروباص إلى منطقة رمسيس، وبينما هو خارج من الحارة، يُفاجئ بحملة أمنية على المنطقة. تستوقف الحملة سيد بشكل عشوائي، ويحاول أحد أمناء الشرطة تفتيشه دون إذن من النيابة. 

هنا، يلجأ سيد إلى أغاني المهرجانات، ويقول لأمين الشرطة الذي حاول تفتيشه، عنوة. في أغنية “جت الحكومة فتش فتش“: “ياباشا عيب، نزل إيدك أنا مش محشش”، كان هذا أول دفاع من سيد عن نفسه ضد أول انتهاك أمني. يعلم سيد أن إيقافه وتفتيشه غير قانوني، فلا يوجد إذن من النيابة ولا توجد ضده حالة تلبس بجريمة واضحة. 

يدرك سيد ذلك، لكنه يعلم أيضاً أن كلماته للضابط أو أمين الشرطة لن تنقذه ولن يكون هناك أحدًا ليدعمه، بل زادت كلماته المتحدية من غضب رجال المباحث الذين عاقبوه على مطالبته بحقه بأن لفقوا له قضية سلاح:

“خدوني من على الأرض،

فاضي، 

وعملولي فارد”

غالبا ما تنتهي مثل هذه القضايا بصفقات بين المقبوض عليهم وقسم الشرطة، بحسب ما حكى لي أحد “الديلرات الصغار – تاجر مخدرات بالتجزئة” أحمد. ر، من منطقة بين السرايات بالجيزة، وهي منطقة مجاورة لجامعة القاهرة، لكنها تعتبر منطقة فقيرة وشعبية. 

يقول أحمد: “إما أن تعمل مرشداً لديهم وتقوم بإمدادهم بالمعلومات أو الاتفاق على تسليمهم بعض المتعاطين، إذا كان قسم الشرطة في حاجة إلى تقفيل المحاضر، أو لن تسلم منهم أبدا”.

هناك من لا يسلم منهم أبدا مثل سيد. سيد رفض أن يعمل كمرشد ورفض أن يستسلم لهم، وقرر المواجهة حتى النهاية. 

رب الكون ميزه بميزة

يشرع سيد في وصف الانتهاكات التي يتعرض لها، منذ لحظة دخوله قسم الشرطة، وحتى بعد الحكم عليه، مثل حفل استقباله في قسم الشرطة، ثم الاعتداء المتواصل من حراس السجن، بلسان “حمو الطيخا” هذه المرة في أغنية “مسجون حزين مين يسمعني“، وصولاً إلى منعه من الزيارات كما يعبر طيخا في نفس الأغنية “ياشاويش، أمانة فيه زيارة، متجيش تقف على النضارة”.

يحكي أبو بكر عن إحدى المرّات التي استوقفه فيها أحد رجال المباحث الذين يرتدون زيا مدنياً، بدون سبب واضح في شارع يُسمى “شارع المرور”، بمنطقة فيصل، وحينما اعترض، كاد أن يُلفق له قضية مخدرات، لكن واسطة في المنطقة أنقذته، “وقفوني بشكل عشوائي يمكن، لكن حظي كان حلو إني أعرف حد واسطة. أعرف ناس بشكل شخصي، اتعملهم قواضي، ولما الشرطة تطلب منهم يبلغوا عن حد، ما يقدروش يرفضوا”.

هؤلاء يتحولون إلى مرشدين لدى الحكومة. ويتم تصنيفهم ضمن “الأخصام”. 

إقرأوا أيضاً:

توقيع على وش خصمي

تبدع أغاني المهرجانات في وصف طبيعة العلاقة بين المناطق الشعبية وبعضها البعض، وتأخذ خلافاتهم بعداً مختلفاً. هناك قوانين خاصة وقواعد سارية، إن انتهكتها، تبدأ “العركة” بـ”توقيع على وش الخصم”، كما يوضح الفنان طاطا النوبي في أغنية “من بعيد سامع سارينة“. وقد تنتهي بقطيعة تمتد إلى جيل كامل.

من القواعد الأساسية أن تبقى الشرطة خارج الأمر. ألا يستدعي أحد ما الشرطة، عند حدوث أي خلافات أو مشاكل وألا يبلغ أحد الشرطة عن شخص آخر تحت أي ظرف. الأمن في الخلافات الداخلية بين تلك المجموعات أو الشلل، خارج المعادلة، لكن قد يحدث أن يبلغ أحدهم عن مجموعة أخرى، وهنا يصبح الأمر “وصمة” في حقه ويُسمى “مرشد”. 

إن أطلق أحدهم عليك لفظة “مرشد” في أي منطقة شعبية، فأنت منبوذ ومستهدف من الجميع، “لأنك تعمل مع الشرطة”. المرشد الذي يعمل مع الأمن، مضطهد، حتى من الفنان أحمد الدوجري الذي يتوعده بالانتقام:

“مرشد فاجر سلمني، والحاكم قل مني، 

آه يا مرشدين، لما أخرج هاخد فيكم العزا”

حتى أنهم يصفون خيانة أصدقائهم بمصطلحات تشير إلى الشرطة، كما يصف “زعبلاوي” علاقته بأصدقائه الذين غدروا به في مهرجان “وحشاني يا مايا“:

“عشرتكو كانت ليا كمين 

يا ناس خاينه”.

يستطيع سيد، صديقنا الافتراضي، الانتقال بسهولة من وصف معاناته مع الأمن إلى معاناته من الحالة الاقتصادية الصعبة، كما يقول المغني شيندي في أغنية “الحالة تعبانة والناس فاكراها والعة معانا”. 

وفق مهند، معظم هؤلاء لا يجدون مصدر دخل ثابت، ما يدفع بعضهم إلى مزاولة أنشطة غير قانونية، وحتى الاتجاه للبلطجة. 

سيد في مواجهة النخبة

تقول الفيلسوفة الأمريكية مارثا نوسباوم، إن مشكلة النخبة تتمثل في عزلتها. يهتم النخبويون بالتحليلات والنظريات المفاهيمية والأكاديمية، أكثر من اهتمامهم بتفاصيل حياة الناس. 

النخبة هنا ليست منعزلة فقط، بل تهاجم سيد ورفاقه أيضا. يتعرض سيد ورفاقه للهجوم المستمر والتشويه من قبل القائمين على الفن في مصر، واتهامهم بالترويج للفن الهابط والانحدار بذوق المجتمع وتسببهم في انتشار أعمال البلطجة. آخرها قرار نقيب الموسيقيين هاني شاكر، بإيقاف 19 من مطربي المهرجانات في تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، بالإضافة إلى تصريحاته المعادية لهم والمستمرة حتى الآن. ووصل الأمر إلى مطالبة الموسيقار حلمي بكر، على الهواء، بتدخل الشرطة لمنعهم من الغناء.

التدقيق المستمر من قبل الأجهزة الشرطية، التي اوقفت مطرب المهرجانات “علي قدورة” في تشرين أول/ أكتوبر 2021، والمطرب حسن شاكوش في آب/ أغسطس 2021، إلى جانب إجراءات منع تنفيذ الحفلات، كما حدث مع عمر كمال في شباط/ فبراير 2020، بحجة قرار نقابة الموسيقيين.

هؤلاء لا يروجون للبلطجة. هؤلاء يعبرون عن سيد.

بإمكانيات محدودة، وربما بعض الألحان المسروقة، مثل لحن أغنية “بنت الجيران” الذي اعترف حسن شاكوش أنه مأخوذ من لحن أغنية “حاجة مستخبية” للفنان محمد حماقي، أو لحن أغنية “يا حديد” المسروق من أغنية ” يابعيد ” لتامر حسني، استطاع سيد أن ينقل تجربة حياة كاملة خفية عن أعيننا.

بحسب وصف لـ”بي بي سي”، بات صدى المهرجانات الشعبية يتردد في معظم حفلات زفاف الطبقة الوسطى، والنوادي الليلية الخاصة بصفوة المجتمع، وحتى في المناسبات القومية التي تقام في الأعياد الوطنية أو الانتخابات، بعد أن كان مقتصراً فقط على سائقي الميكروباص والأحياء الشعبية.

حتى الدعوات من الخارج باتت تنهال علي مغني المهرجانات، في السعودية والإمارات وعمان والولايات المتحدة وتركيا وقطر وغيرها.

رغم أماكن التصوير المتواضعة، ومعظمها في شوارع الحارات أو فوق أسطح المنازل، شكّل سيد ورفاقه دعما جماهيرياً لقضية فناني المهرجانات، ومعظمهم شباب بين الـ15 والـ25 عاماً. أغلبهم رواد تطبيقات فيديو مثل “تيك توك” أو “كواي” وواجهوا تهميشهم اجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً بصوت صاخب يشبه حياتهم الصاخبة.

سيد ليس شخصية خيالية. ليس فرداً وحيداً. بل هو “مهرجان”.

إقرأوا أيضاً: