fbpx

رحلة الآثار المصرية المسروقة من “تحت الأرض” إلى متحف اللوفر… والدولة غافلة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حلم الثراء السريع، والرغبة العارمة في مضاعفة الثروات، هي السرّ وراء البحث المستمر والدؤوب عن الآثار في جميع مدن مصر، وهو ما تكشفه الأرقام الرسمية، إذ يتم الكشف عن ما بين ألفين و3 آلاف قضية ومخالفة أثرية أسبوعيًا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يأتِ نبأ القبض على عالم الآثار الفرنسي جان لوك مارتينيز، مدير متحف اللوفر السابق سوى رأس جبل الجليد في قضية كبرى تُثير شكوكًا عالمية حول الآثار المُهرّبة والقطع الأثرية المسروقة من دول عدة، تأتي في مقدمتها مصر، صاحبة النصيب الكبير من الآثار المُتفرّقة حول العالم، وكثيرًا ما تُكتشف تلك القطع “المنسية” بعد عرضها للبيع في معارض ومزادات ومتاحف كبرى.

لكن هذه المرة، تكشف جانبًا من عصابة الإتجار في الآثار المصرية، ويضع أحد أفرادها أمام جهات التحقيق، وتتهمه حاليًا في فرنسا، بالمشاركة في إخفاء أصول قطع أثرية مصرية يُحتمَل أن تكون سُرقت من القاهرة خلال أحداث ثورة يناير 2011، ثم بيعت في وقت لاحق لمتحف اللوفر أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، الذي أنشئ وفق اتفاقية مع متحف اللوفر الأم في العاصمة الفرنسية باريس. 

ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن التحقيقات، التي أُجريت سرًا طوال السنوات الأربع الماضية، كشفت نشاطًا شاركت به جهات وأفراد شكّلوا “شبكة سرية” تضم ملّاك معارض شهيرة ودور مزادات كبرى ومتاحف دولية وعلماء آثار، بغرض “الإتجار غير المسبوق”، بحسب وصف المكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية في فرنسا.

استولت شبكة الاتجار بالآثار على قطع نادرة وأثرية، ويحسب التحقيقات، جرى ذلك تحت غطاء من الحروب والنزاعات وفي غياب الاستقرار السياسي في دول عدة، لتستقرّ القطع أخيرًا في متحفيّ “اللوفر أبوظبي” و”متروبوليتان” في نيويورك. بيعت القطع بشهادات مزوّرة، وأثبتت التحقيقات أن مسؤولين في المؤسسات أخفوا تلك التفاصيل وتغاضوا عنها لإتمام الصفقات، إذ منح الفرنسي مارتينيز – المتهم الأول – عصابات احترفت تهريب الآثار شهادات منشأ مزوّرة كي يسهلَ بيعها بشكل شرعيّ ورسمي. 

حبيب تواضروس تاجر وهمي والمالك الأول للآثار المصرية

لم تتأثر مصر وحدها بسرقات القطع الأثرية، بل شملت عمليات السرقة دول الربيع العربي الأخرى، سوريا وليبيا واليمن، لكن القطع المصرية كانت الأكثر شهرة، فمن بينها نصب تذكاري نادر من الجرانيت الوردي، يرمز إلى الملك المصري توت عنخ آمون وهو يقدم القرابين إلى الآلهة ويظهر بجواره أوزوريس، ومئات القطع الأخرى. وبيع النصب التذكاري إضافة إلى 4 قطع أخرى بـ8 ملايين يورو من متحف اللوفر الفرنسي إلى “اللوفر أبو ظبي”، إلى جانب تمثال نصفي لكليوباترا، اشتراه المتحف نفسه مقابل 35 مليون يورو في أكتوبر 2018، من دون إذن تصدير مصري، وكذلك التابوت الذهبي للكاهن “نجم عنخ”، وتابوت جنائزي دفع “اللوفر أبو ظبي” مقابل الاستحواذ عليه 4.5 ملايين يورو، ونموذج مركب مصري، تمّ بيعه مقابل 200 ألف يورو، ومنحوتة فرس النهر، التي بيعت بـ ـ900 ألف يورو. 

اكتُشفت بعض تلك القطع سرًا، خلال عمليات حفر غير قانونية جَرَت في مصر، ثم نقلت بطرق غير قانونية إلى خارج مصر، عبر دول عدة، حتى استقرّت في دولة الإمارات. 

ولأجل ذلك، أخفى “مارتينيز” جميع الأوراق المتعلقة بأصول القطع الأثرية، وزوّر أوراقًا أخرى تمثّل شهادة مزيفة تسمح بالاتجار بالقطع من دون عقبات في المطارات والموانئ، أو مخاوف من التوقيف والاتهام بإدارة تجارة غير شرعية. واكتشفت التحقيقات ذلك، حين قارنت فواتير المبيعات ومستندات تتبع مسارات الآثار المُهرّبة، التي اكتُشف بها تناقضات وأخطاء قادت إلى كشف عصابة الاتجار بالآثار. 

تشابكت خيوط عصابة الآثار، التي بدأت من نيويورك، حين عثرت جهات قانونية على 5 قطع أثرية مصرية في متحف “متروبوليتان”، وتأكّدت أنها مسروقة من مصر، لتكتشفَ تورّط أطراف عدة بالأمر، بعد فحصها سلسلة طويلة من المُشترين والبائعين، ووصلت إلى المالك الأول.

وبحسب التحقيقات، فإن رجلًا يدعى حبيب تواضروس، وُقّعت باسمه أوراق تابوت “نجم عنخ” باعتباره المالك الأول، وحين بحثت السلطات الأمريكية عن ذلك الرجل، اكتشفت أنه اسم وهمي لشخص غير موجود، ما أثار الشكوك لدى السلطات الفرنسية.

كان اسم حبيب تواضروس يزيّن أوراق وشهادات أغلب الآثار باعتباره المالك الأول لها، فتضخّمت الشكوك حول خروج القطع الأثرية من مصر بطريقة غير شرعية، والإتجار بها بواسطة تجار ومهرّبي آثار محترفين. وبتتبّع طريق وصول الآثار إلى اللوفر أبو ظبي، جرى العثور على أسماء تجار آثار “مشبوهين” ومشكوك في نزاهتهم، فانفجرت القضية، خاصة أن وكالة المتاحف الفرنسية – المنوط بها مراجعة شهادات القطع الأثرية – لم تراجع الأمر أو تبدي ملاحظات وشكوكاً حول بيع وشراء تلك القطع الأثرية وأصولها.

بـ56 مليون يورو.. قطع أثرية مهربة إلى “اللوفر أبو ظبي”

بلغت قيمة الآثار المُباعة إلى متحفي اللوفر أبو ظبي ومتروبوليتان نحو 56 مليون يورو، ذهبت – على مدار السنوات الماضية – إلى حسابات احدى عصابات التهريب، التي تتكوّن من رئيس متحف اللوفر السابق، مارتينيز، وتاجر آثار “شديد الخطورة” يدعى مار سامبر، وخبير الآثار، كريستوف كونيكي

لم تكن تلك المرة الأولى، التي ينكشف بها تورّط “كونيكي” في الاتجار بالآثار حول العالم، وتحديدًا الآثار المصرية، إذ كشفت السلطات الفرنسية عام 2020، أنه شارك في تهريب وبيع تابوت الكاهن المصري “نجم عنخ” ذائع الصيت إلى متحف متروبوليتان بشهادات وطوابع مزوّرة، وتم القبض عليه في فرنسا. 

ومن دون أي مجهودات تذكر في الاكتشاف والاستعادة، سُلّم التابوت إلى مصر، بعد اكتشاف السلطات الفرنسية تهريبه، ضمن مئات القطع الأثرية الأخرى، رغم أن اسم وزارة الآثار المصرية مُتداول في أوراق وشهادات ملكية الآثار المزوّرة وتحمل أختاماً مصرية. 

زوَّر المهربون تصريح خروج التابوت من مصر، ليصبح الأمر قانونيًا أمام العالم، ومن المعروف أن البعثات الأجنبية المسؤولة عن التنقيب عن الآثار في مصر تحصل على نسبة من القطع الأثرية مقابل أداء عملها، وبهذه الطريقة، خرجت القطعة المصرية الأشهر حول العالم “رأس نفرتيتي” بطريقة شرعية إلى ألمانيا، وفشلت جميع الجهود والمحاولات المصرية لاستعادتها مرة أخرى. 

يستغل مهرّبو الآثار ذلك العُرف في تزوير وثائق خروج القطع الأثرية “المُهرّبة” من مصر، عبر جعلها واحدة من تلك القطع التي حصلت عليها بعثات التنقيب الأثرية، وتحديد اسم البعثة وعام الخروج، ووضع أختام مصرية غير صحيحة على الشهادة، ويصبح الأمر شرعيًا وقانونيًا حتى تفتّش إحدى الجهات وراء الآثار المُباعة للمتاحف والمعارض دوليًا. وفي بعض الحالات، كحالة مارتينيز، يكون مسؤولو جهات التفتيش متورّطين في التهريب وأعضاء في شبكات آثار عابرة للحدود، فلا يُوجّهون فرقهم المعاونة للتيّقن من صحة إجراءات بيع وشراء ونقل القطع الأثرية، كما جرى من جانب وكالة المتاحف الفرنسية.

وعند استعادة مصر تابوت “نجم عنخ” وجدت له أوراق ملكية مزورة تحمل اسم وزارة الآثار المصرية، والتصريح بخروجه عام 1971، رغم إثبات جهات تحقيق أمريكية سرقة التابوت وخروجه من مصر عام 2011. وبتتبع مسيرة التابوت الذي كان مدفونًا في محافظة المنيا في صعيد مصر لألفي عام، تبين أنه تمّ تهريبه من مصر إلى الإمارات ومنها إلى ألمانيا لترميمه، حتى استقرّ أخيرًا في فرنسا، بينما لم تلحظ الحكومة المصرية السرقة في ذلك الوقت، كما أنها لم تلحظ أو تعلن سرقة آثار حتى الآن، حتى بعد نشر فضيحة تهريب الآثار المصرية إلى متحف اللوفر أبو ظبي مؤخرًا. 

لماذا تخسر مصر قضايا الآثار الدولية؟ 

يقول زاهي حواس، وزير الآثار المصري الأسبق، إن عام 2011 كان حافلًا بالسرقات الأثرية: “المتحف المصري في ميدان التحرير، وحده، سرقت منه 54 قطعة أثرية، بعد اقتحامه، وكان من بينها تماثيل لتوت عنخ آمون وإخناتون، لكن أغلبها عادت بطرق مختلفة”. 

ويضيف حواس لـ”درج”، أن الحفر للتنقيب عن الآثار – بطريقة غير شرعية – أصبح أقل كثيرًا من الماضي: “مع بداية موجة الحفر للبحث عن الآثار، في أعوام 2011 و2012 و2013 كان كثيرون يحفرون أسفل المنازل في القرى، وفي الغالب لا يجدون أشياءً ثمينة، لكن هناك من يجد، فيمنح الأمل للآخرين”. 

وفي تلك السنوات، بحسب قوله، “تم اكتشاف الكثير من القطع الأثرية، ولم تُسجل أو تُبلغ بها السلطات، وكان يتم تهريبها بحريًا داخل حاويات عملاقة تنقل الآثار المُقلّدة، التي تصدّر للخارج، فيختلط الأمر على المفتّشين”. 

ويفسّر اختيار المُهربين للعام 1971، في حالة تمثال “نجم عنخ” وقطع أخرى، كتاريخ للخروج، بقوله: “هناك قوانين دولية وُضعت مؤخرًا، تمنع استرداد الآثار التي سُرقت قبل عام 1972، ولذلك يلجأ المهرّبون إلى محاولة الإيحاء بأن القطعة الأثرية تم تهريبها قبل ذلك العام، حتى يتعثّر استردادها”.

ولا يمتلك حواس، الذي يُعدّ أبرز المصريين العاملين بمجال الآثار، تقديرًا لأعداد القطع الأثرية المصرية المسروقة والمُهرّبة: “كثيرة للغاية”، بحسب قوله، مضيفًا: “الكثير من القطع خرجت بشكل قانوني قبل عام 1983، لأن بيع الآثار علنًا في ذلك الوقت كان قانونيًا”. 

ويشير إلى الأزمة في تهريب الآثار المصرية، قائلًا: “استرداد الآثار له طرق معروفة، لكن من النادر أن يعلنَ متحف تشكيكه فيما لديه من قطع أثرية، يجب أن تحرّك الدولة صاحبة الآثار أذرعها القانونية للتشكيك في خروج هذه الآثار بشكل قانوني، ويجب أن تكتشف ذلك بنفسها، وتخوض معركة قانونية في محاكم دولية لأجل ذلك، ولذلك، كنت أتفق مع مندوبين في متاحف أجنبية سرًا لابلاغي حين تظهر قطع أثرية مصرية مسروقة، لأبدأ إجراءات استعادتها، لكن الدول والمتاحف الكبرى تعيّن محامين كباراً للدفاع عن الآثار، حتى إذا كانت مسروقة، أمّا نحن فلا نعيّن خبراء قانونيين كبار، وهو ما يؤدي إلى خسارة بعض القضايا”. 

قطع أثرية على خطى “رأس نفرتيتي” في ألمانيا

لم تحرك وزارة الآثار المصرية ساكنًا، أو تصدر تعليقًا أو بيانًا بشأن التحقيقات الجارية حول القطع “المسروقة”، وهو ما اعتبر تجاوبًا غير متكافئ مع مستوى الحدث وبعيد عن الشفافية. الردّ الوحيد جاء من جانب المشرف العام على إدارة الآثار المستردّة في وزارة الآثار، شعبان عبد الجواد، الذي قال – في تصريحات تلفزيونية – إن مصر تشارك في التحقيقات الجارية في باريس، وتباهى بأن مصر استردّت نحو 29 ألف قطعة أثرية منذ عام 2017. 

بحسب حواس، فإنّ “متحف اللوفر معروف بشراء الآثار المسروقة”، وهو ما يسهّل مهمة القاهرة في استرداد الآثار، لكن يظلّ العبء الأكبر هو إثبات خروج تلك الآثار من مصر بطريقة غير شرعية كشرط أساسي للاسترداد، والسلطات المصرية في الكثير من الحالات لا تعمل على محاولات استرداد الآثار، لعدم قدرتها على إثبات الطريقة التي خرجت بها الآثار، أو تتبّع مسيرتها. 

من أهم القطع الأثرية، التي هُرّبت وظهرت بـ”اللوفر أبو ظبي”، لوحة توت عنخ آمون الشهيرة، التي توقّع خبراء عدم قدرة مصر على استردادها، لفشلها في إثبات خروجها من القاهرة بطريقة غير شرعية. 

وكان ذلك السر وراء عدم قدرة مصر على استرداد رأس نفرتيتي حتى الآن، رغم خروجها بمخالفة واضحة للقوانين المصرية. 

كان يحق للبعثات الأجنبية الحصول على مجموعة من القطع، مكافأة على عملها، لكن القانون كان يمنع سفر أي قطعة أثرية ملكية مصنوعة من الحجر الجيري. وفي ذلك الوقت، كتبت البعثة الألمانية التابعة لمتحف برلين في السجلات، أنّ رأس نفرتيني مصنوعة من الجبس، وهو ما كان مخالفًا للحقيقة، فخرجت القطعة وكان يسمح بخروج القطع المصنوعة من الجبس، ولعلم مكتشفها، الأثري الألماني بورخارت، بمخالفته القوانين، احتفظ بها في منزله لـ10 سنوات، حتى ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية. 

“الحكومة المصرية تتابع سرقة الآثار كالمواطن العادي”

يشكَّك خبير الآثار المصري أحمد سعيد، في تصريحات لـ”درج”، في جدية وزارة الآثار المصرية في إعادة الآثار المسروقة، قائلًا: “لم نسمع منذ وقت طويل، أن مصر أبلغت أي جهة دولية للتحقيق والتفتيش وراء قطع أثرية بأي متحف أو معرض أو مزاد في الخارج، في حالة التشكُّك بشأن تلك القطع، وهذه هي الطريقة الشائعة في التفتش على الآثار”. 

لدى مصر إدارة لاسترداد الآثار من الخارج، لكن سعيد يؤكّد أن “آلية عملها لا تساعد على اكتشاف الآثار، بسبب ضعف ميزانيتها، هي فقط تتفاعل مع الخطابات والجهات الأجنبية، وتدير الإجراءات للعودة، ولا تطلق صافرة البداية في قضايا تهريب الآثار”. 

ويرى أن “الحكومة المصرية دائمًا ما تسمع من الخارج، أنّ هناك آثار فرعونية مسروقة أو مهرّبة، لتبدأ المتابعة، حالها كحال الناس العاديين، ثم تبدأ التحقيقات تحت إشراف جهات وأجهزة شرطة أجنبية، قبل إعادة تلك الآثار لمصر، وهو ما جرى في أغلب قضايا تهريب الآثار، حتى الحادث الشهير، الذي عايشناه وعُرف بـ(قضية تهريب الآثار الكبرى)، اكتشف ميناء إيطالي قطع أثرية مهرّبة بإحدى السفن وتحفظ عليها، ثم علمت مصر من الإعلام”.

وقعت قضية الآثار الكبرى منتصف عام 2018، حين أعلنت السلطات الإيطالية ضبط مجموعة قطع أثرية مصرية، تبلغ 22 ألف قطعة، مُهربة داخل إحدى السفن في ميناء ساليرنو، وتحفَّظت عليها، وأخطرت السلطات المصرية، لتبدأ النيابة العامة المصرية متابعة التحقيقات، التي كشفت أنّ “القطع الأثرية خرجت من ميناء الإسكندرية على متن سفينة، وأدارت تلك العملية شبكة تعمل بتهريب الآثار من مصر، وأطرافها مختلفة، من بينها قنصل فخري سابق لإيطاليا في مصر يدعى سكاكال، وبطرس رؤوف غالي، شقيق وزير المالية المصري قبل ثورة 25 يناير”. 

وفور علم السلطات المصرية بنتائج التحقيقات، ألقت القبض على غالي لتجد في منزله عشرات القطع “مجهولة المصدر”. 

تكرر ذلك الحادث عدّة مرات بصيغ وطرق مختلفة. في عام 2013، استولى فوج بحثي ألماني على أحجار وعينات من داخل الهرم الأكبر في الجيزة، واختفت 73 نجفة أثرية من مسجد الحسين في وسط القاهرة، ووقائع أخرى، بحسب تقرير لمؤسسة “ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان”. تنشط شبكة واسعة للتنقيب عن الآثار والاستيلاء عليها في مصر، حتى أن القاهرة أحالت مسؤولا بوزارة الآثار للمحاكمة بسبب تزويره توقيعات الوزير وكبار المسؤولين في الوزارة، لكن من يدير تلك اللعبة “تحت الأرض”؟ 

تدور الكثير من الحفريات غير القانونية في قرى ونجوع مصر بعيدًا عن أعين السلطات، مشايخ ودجّالون وأصحاب منازل يحفرون الأراضي بحثًا عن قطع أثرية، إذ أن مصر الحديثة بُنيت فوق مصر القديمة، فبالتأكيد هناك آثار غارقة في التراب، وأحدث قضية إتجار في الآثار في مصر تكشف الكثير من التواطؤ بين جهات عدة.

تداولت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية تفاصيل تلك القضية قبل أكثر من 3 سنوات، من دون رد فعل رسمي، فكان بطلها رجل أعمال ونائب برلماني، هما حسن راتب، مالك فضائية “المحور” الشهيرة وعلاء حسانين، المُلقَّب بـ”نائب الجن والعفاريت”.

ألقت النيابة العامة المصرية القبض عليهما العام الماضي، واتهمتهما بإنشاء “تشكيل عصابي” مكوّن من 19 شخص يقوم بالاتجار في قطع أثرية مسروقة، على خلفية عمليات حفر وتنقيب ممولة في مناطق متفرقة من أنحاء مصر، وذلك لبيعها داخل البلاد وتهريبها للخارج، وكان مموّل تلك العمليات، الملياردير حسن راتب، الذي – ربما – أنقذته قناته الفضائية وعلاقاته من السقوط بسبب تلك القضية لسنوات. 

وعُثر في السيارة، التي يستقلها شريكه حسانين لحظة القبض عليه، على تماثيل وأحجار وعملات وقطع أثرية أخرى، وثبتت فيما بعد “تعاملات بملايين الجنيهات دون سبب بين علاء حسانين وحسن راتب، ونشوب خلافات بينهما”، بحسب التحقيقات، التي اعترف خلالها علاء حسانين، النائب السابق، أنه يملك مخزنًا للتهريب، كان يخفي به المضبوطات، وقال إنه كان يستند في استخراج الآثار إلى 4 كتب قديمة تُستخدم في ممارسة أعمال السحر للتنقيب عن القطع الأثرية. 

حلم الثراء السريع، والرغبة العارمة في مضاعفة الثروات، هي السر وراء البحث المستمر والدؤوب عن الآثار في جميع مدن مصر، وهو ما تكشفه الأرقام الرسمية، إذ يتم الكشف عن ما بين ألفين و3 آلاف قضية ومخالفة أثرية أسبوعيًا

وذلك نتيجة لضعف التشريعات التي تمنع الاعتداء على الآثار والتنقيب غير الشرعي عنها، وقلة عدد الحراسة المُكلفة بتأمين المواقع الأثرية، ووجود فتاوى دينية تحلل عملية التنقيب والبحث عن الآثار، وتعتبر “الآثار ركاز يحل بيعه”، بينما تبدأ رحلة الأثر من “تحت الأرض”، ويمرّ بمرحلة الإتلاف وإخفاء المعالم، منعاً لكشفه، قبل تهريبه ليستقرّ في متاحف كبرى كاللوفر، أو معارض ومزادات عالمية، وتعجز مصر عن استرداده إذا لم تستطع رصد وتقديم أدلة قانونية بكل تلك المراحل. المُهمة، إذاً، شبه المستحيلة.

إقرأوا أيضاً: