fbpx

قضية لاري نصار: الـ”أف بي آي” تتقاعس عن محاسبة متحرش والثمن مليار دولار 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضية لاري نصار هي قضية مئات الناجيات اللواتي تعرضن للتحرش ولم يكتشفن أنه تحرش الا بعد فوات الأوان، فقررن خوض المعركة بعد سنين من الكتمان والخوف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل تقاعس الإف بي آي الأميركي عن محاسبة الطبيب المدان بجرائم جنسية لاري نصار؟

السؤال تحول الى محاكمة جماعية إذ رفعت نحو تسعين لاعبة أميركية مؤخراً قضايا ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي للمطالبة بتعويضات قدرها مليار دولار بسبب “سوء إدارة التحقيق” في الانتهاكات الجنسية التي ارتكبها الطبيب الأميركي اللبناني لاري نصار.

مجدداً يُفتح ملف كان هناك اعتقاد أنه بات من الماضي، للبحث في مسؤولية الصمت وتجاهل الشكاوى التي أحاطت بالقضية خصوصاً من أجهزة أمنية رسمية كمكتب الـ”أف بي آي”. ونصّار (58 عاما) يقضي عقوبة الحبس لمدة 60 عامًا في سجن فدرالي بتهم استغلال الأطفال في مواد إباحية، كما حُكم عليه بالسجن لمدة 40 إلى 175 عامًا في ولاية ميشيغان بعد إقراره بالذنب في 7 تهم تتعلق بالسلوك الجنسي الإجرامي.

جاءت هذه الأحكام الكبيرة بعد ثبوت استغلاله الجنسي لأكثر من 300 لاعبة أكثرهن من القاصرات، خلال الفترة من 1996 وحتى 2014.

وكانت ضحايا نصار من لاعبات ونجمات المنتخب الأميركي للجمباز، حيث كان يعمل في الاتحاد طبيبا للمنتخب النسائي، إضافة إلى ضحايا أخريات في جامعة ميشيغان وناد خاص للجمباز كان يعمل فيه أيضا.

كيف بدأت القضية؟

في سنة 2014، حققت ولاية ميشيغن مع الدكتور الأمريكي اللبناني لاري نصار اثر توجيه تهم تحرش جنسي اليه. في سنة 2015،  وجهت فتاة قاصر التهمة ذاتها للاري الذي عمل في الاتحاد الأمريكي للجمباز. اقتصر رد المحامية آنذاك على: “يعمل لاري كطبيب منذ 23 سنة ويعمل مع فريق الاتحاد الأمريكي للجمباز منذ 29 سنة ولم تتلق الإدارة عنه أي اتهام”. فيما يبدو الرد عادياً للوهلة الأولى، إلا أنه تكرار للتبريرات الكثيرة التي تبرئ المتحرشين أو تخفف من عار التحرش استناداً الى عملهم أو نجاحهم المهني. 

لكن المناصب في الحقيقة تتيح للمتحرش أن يبقى في منصبه ويكمل نجاحه المهني الذي يشكل له غطاءً لاستكمال تحرشه، وهذا ليس رأياً شخصياً بل حقيقة ثبّتتها وقائع كثيرة.

عام 2016، ثبتت على لاري ثلاث قضايا تحرش من الدرجة الأولى بعدد ضحايا مجهول، لكثرتهّن، أصغر الضحايا تبلغ من العمر 13 عاما وأول اعتداء ارتكبه نصّار يرجّح أن يكون سنة 1994. كما أثبتت عليه تهمة امتلاك صور إباحية لأطفال. 

بعض الافادات صادمة خاصة أنها رويت على لسان قاصرات تم انتهاك اجسادهن على يد طبيب متخصص، فعجزت الفتيات عن وصف حالات التحرش باستخدام كلمات علمية لكنهّن وصفن الحالة بدقة عالية في افادات مثل:”لمسني سنة 1994 بينما نظر المدربون  إلى الاتجاه الآخر”. أما خلال حالات التحرش التي حدثت داخل العيادة الطبية، فكانت الذريعة علمية. على سبيل المثال، “التعديل المهبلي” الذي صرح الدكتور قيامه به لاحدى تلميذات الاتحاد بهدف “تعديل شكل العظام الداخلية” كما تذّرع في إحدى جلسات المحاكمة.

إقرأوا أيضاً:

أشارت المحكمة فيما بعد الى أن العلاجات التي اتبعها لاري لم تكن طبية بل اختلقها لكي يستطيع أن يتقرّب من التلميذات. كن يتعرضن للتحرش دون أي يدركن ذلك. جرى استغلال صغر أعمارهن وجهلهنّ على يد متخصص لأسباب طبية مما يعيد طرح نقاش أهمية التربية الجنسية من عمر صغير لتفادي استغلال عدم المعرفة وصغر السن والاعتماد على الآخرين، من أجل إشباع رغبات جنسية لاأخلاقية لمسؤولين عبر الاستغلال الوظيفي.

المسألة لم تنته هنا. بعد مرور 24 عاماً على أول حالة تحرش ارتكبها، أو على الأقل هذه أول حالة نعرفها، حكم على لاري  نصار، البالغ من العمر ثلاثة وخمسين عاما، سنة 2018 بالسجن لأكثر من 300 عام ودفع تعويض لمئات الناجيات بقيمة 380 مليون دولار. أمر قاضي أمريكي أن يتم سحب مبلغ من المال من حساب ائتمان لاري في السجن ليدفع للناجيات سنة 2021 علماً أن آلاف الدولارات حولت الى حسابه لكنه لم يدفع إلا 300$ حينها. 

كما منحت مقاعد للناجيات في مجلس إدارة الاتحاد الأمريكي للجمباز. المحاكمة المتأخرة التي رسّخت نوعاً من العدالة لم تحسم النقاش نهائيا. خاصة أن الحكم صدر متأخراً وأن التحقيقات التي خضع لها لاري أثبتت براءته باعتباره  لم يخل بقوانين الآداب الخاص بالاتحاد. ومنعت الناجيات من تقديم شكوى لدى مركز الشرطة وحثّتهن على الاكتفاء بتقديم شكوى لدى إدارة اتحاد الجمباز.

تجددت المعركة هذا الأسبوع لتثبت أنها لم تنشب ضد شخصية واحدة أو اسماً واحداً فحسب، بل ضد منظومة لايزال تهميش النساء وقضاياهن متجذراً فيها. السنة الماضية، أصدر المفتش العام في مكتب قسم العدل تقييماً سيئاً للتحقيق الذي قام به مكتب التحقيقات الفيدرالية في قضية لاري. كشف التقييم أن تقاعس الأف بي آي منذ أن برزت القضية سمح للاري باستكمال انتهاكه الشنيع لأجساد الرياضيات لتواطئ عناصر الأف بي اي معه ومساندتهم له.4

منذ أسبوعين، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن عدم محاسبة عنصرين من مكتب التحقيقات الفيدرالي متهمين بتضليل التحقيق بقضية لاري نصار فأقدمت حوالي 90 ناجية على رفع دعوى ضد المكتب. تطالب كل واحدة منهن بتعويض مختلف لكن مجمل التعويضات يتخطى مليار دولار.  بحسب القانون الفيدرالي، على أف بي آي أن تجيب خلال مهلة أقصاها ستة أشهر قد يليها دعاوى قضائية بحسب الرد.

المحاكمة لم تكن لتتم لولا تكاتف النساء في هذه الحالة بدليل أن التحقيقات أوقفت بعد الشكاوى الأولى لكنها أعيدت للواجهة ما ان تتالت الشكاوى والادعاءات ضد نصار سواء لدى ادارة اتحاد الجمباز أو لدى الشرطة قبل أن تتحول الى المحكمة وتصبح قضية رأي عام. خاصة بعد أن برزت أسماء رياضيات مشهورات بالقضية ما ساهم بنشرها ودعم الجمهور لها لارتباطها بأسماء معروفة ومحبوبة ما يثبت تأثير وأهمية استغلال الشهرة لدعم قضايا محقة.

صراع كل امرأة في الحيز الضيق الذي تنتمي اليه أدى الى تحرر نساء كثيرات يقبعن تحت مظلة الاستبداد والجور نفسها، وهو ما سمح لنصار باستباحة أجسادهن لسنوات عجزن خلالها عن تأمين مساحة آمنة لفضح المتحرشين قبل أن تقوم الناجيات بخلقها بأنفسهن. وهو يثبت رأي مايا أنجلو: “عندما تدافع امرأة عن نفسها فانها تدافع عن حقوق النساء جميعا”. 

بعد أن كبرن واكتشفن أن هذا العمل الدنيء يدعى تحرشاً وأنه لن يتوقف وسيطارد الجيل الجديد من فتيات اتحاد الجمباز الأمريكي، ان لم يقمن بوضع حد للمتحرش، قررن المواجهة. تماما كالذي حدث اليوم بعد شعورهن أن مكتب التحقيقات الفيديرالي سيتقاعص عن تأدية عمله ثانية، أو على الأقل الجزء المتعلق بحماية النساء وحقوقهن، ان لم يحاسبنه بأنفسهن بعد أن تخلت وزارة الدفاع عن دورها بالمحاسبة. 

قضية لاري نصار هي قضية مئات الناجيات اللواتي تعرضن للتحرش ولم يكتشفن أنه تحرش الا بعد فوات الأوان، فقررن خوض المعركة بعد سنين من الكتمان والخوف حتى وإن رفعن دعوى ضده تحت أسماء مجهولة ليتكبّدن عناء البوح. تثبت قضية ناجيات لاري نصار أن النضال النسوي عالمي لأن اضطهاد النساء عالمي على رغم الفروقات بين دولة وأخرى. وأن لا مكان آمن للنساء إذا لم تسن فيه قوانين تحميهن، وطبقت هذه القوانين كي لا يضطر جيل جديد من النساء الى الانضمام الى حركة “أنا أيضا”.    

إقرأوا أيضاً:

https://www.youtube.com/watch?v=9BSdYVrcFBs