fbpx

غضب أحمر درجة 44

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أنا شخصياً، لم اقتحم بنكاً ولا برلين، ولم أستطع أن أحفظ خطاباً ثم أردده، لكنني حاولت… جربت عدة الوان قبل أن أختار الأحمر، وأي درجة منه أريد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كل أسبوع، قبل بداية العطلة، أتوجّه إلى صالون منال، وأمضي ساعة وأنا  ألوّن أظافري. خلال هذه الساعة، أخبر منال

عن كل جديد في حياتي: أبدأ بموجز سريع عن العمل والأصدقاء، ثمّ أبوح لها بسرعة بمن يعجبني وأريها صوره له على إنستجرام فتجيبني: “ايه هيدا مهضوم!”. 

لفترة طويلة، كنت أطلي أظافري بألوان متنوعة و غريبة؛ ذهبي ورمادي، أصفر وأخضر، أزرق وبنفسجي… ألوّن كلّ أصبع بلون مختلف، أو امزج لونين مختلفين للحصول على خلطة فريدة. تسخر مني منال بلطف، يضحكها ارتباكي؛ في المقابل، صديقتي غالية التي ترافقني أحياناً، تعرف بالضبط الألوان التي تناسبها وتلتزم بنطاق معين من الدرجات الداكنة. مؤخراً، بدأت أطلي أظافري باللون الأحمر فقط، أغيّر درجة اللون من أسبوع إلى آخر، لكن أختار دائماً اللون الاحمر. درجتي المفضلة هي رقم 44، تذكرني بكأس خمر آخره شمس صيفية، الكرز في منتصف الفصل والدمّ عندما يبدأ الجرح بالشفاء. اخترت الاحمر لأنه لون غاضب، واخترت هذه الدرجة لأنها تلجمه بذكريات جميلة، وتالياً بالأمل. لكن هل أملك من الغضب ما يكفي لطلاء اظافري بهذا اللون دائماً؟

الغضب شعور قوي المفعول لكنه ينفذ بسرعة ما لم يتم استثماره بشكل مستدام؛ ما أن يهوج بكل وهجه، إما يفترسه الحزن أو النسيان و تصعب إعادة اشعاله بعد ذلك. في رواية “شرق المتوسط” لعبد الرحمن منيف، يتوجه رجب إسماعيل، بطل الرواية، إلى جنيف للعلاج، بعد أن أمضى 11 سنة في سجون السعودية نتيجة نشاطه السياسي. عند وصوله إلى العيادة نهاية القصة، يقابل الطبيب فالي، ويجد نفسه عاجزاً عن وصف ما تعرض له من تعذيب في السعودية. فيقول له الدكتور:”يجب أن تحوّل أحزانك إلى أحقاد، و بهذه الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر، أما إذا استسلمت للحزن، فسوف تهزم و تنتهي […] لا أعرف من تحارب، ومن أجل ماذا، لكن يبدو لي أن أمامك أشياء كثيرة يجب أن تفعلها”. لو كان رجب يستطيع ان يطلي أظافره بلون غضبه، لكان اتضح للطبيب أن غضب رجب همد، واصبح لونه أحمر معتماً، يقترب من الأسود، كالماغما عندما تبرد، لذلك قرر رجب أن يكتب، “سأكتب كثيراً”، كي ينقل غضبه إلى القارئ لعل هذا الأخير يستطيع أن يحافظ عليه بعيداً من جلادي السجون العربية. 

في مقابلة مع صحيفة “نيويوركر”، عقب صدور كتابها “قضية الغضب”، تدافع الفيلسوفة ميشا شيري عن أفيون الثورات والحركات التغييرية: الـ”غضب الفاضل”، وهو غضب شامل، يعنى بكل المظلومين، لا يهدف إلى التدمير والاذلال بل إلى التحويل والتحرير. تسمّيه “الغضب اللوردي”، نسبةً إلى الشاعرة ذات البشرة السوداء “Audre Lorde” التي دعت في 1981، في خطبة أمام الرابطة الوطنية لدراسات المرأة في الولايات المتحدة، إلى توظيف الغضب الناتج عن العنصرية في تمكين الفئات المهمشة و تحريرها. رداً على قول سينيكا الشهير:”أن تكون غاضباً هو أن تكون مجنوناً”، تقول ميشا:”لطالما كانت الفلسفة مجالاً نخبوياً يهيمن عليه الرجال البيض […] سينيكا مثلاً كان يقطن في القصور ولم يشهد إلا نوعاً محدداً من الغضب و هو ذلك الذي يعود إلى القادة السياسيين” وهو في أغلب الأوقات غضب نرجسي و مدمر. وبالفعل، قد يكون لبنان مثالاً على ذلك، فقد اثبتت خروقات الإنتخابات الأخيرة أن غضب 2019 كان نقطة تحوّل، وقد أحسنت الأحزاب التغيرية الجديدة استثماره، ولو ليس بالدرجة المرجوة، للوصول إلى البرلمان وخرق بيئات كنا نعتقد سابقاً اننا لا نقوى عليها. “الغضب اللوردي” وغضب الثورة في لبنان أحمر درجته 15، لون شقائق النعمان، التي ترمز إلى بداية الربيع. هو غضب هادئ، ثابت، مدرك أنه في بداية الطريق.

صيف 2019 كان حاراً جداً؛ لا كهرباء، ، حرائق  في عكار، وعلى الطرقات نتيجة الاطارات المشتعلة وفي المصارف حيث أنفق أصحابها أموال المودعين، بشكل عشوائي ومن دون أي خطة إصلاحية لمحاربة تضخم الليرة اللبنانية. تهافت الناس في تلك الفترة إلى البنوك لسحب ما يقدرون عليه من مدخراتهم بأقل خسائر ممكنة، “هيركت” 20%, 30%, أو حتى 50%… أمام حواجز الباطون، تعاركوا، صرخوا، اقتحموا، هددوا لكن نجح بعضهم. لم تستطع صديقتي جينا أن تقتحم البنك مثلهم، و بالتالي لاتزال مدخراتها عالقة، كما كثيرين، حتى اليوم. ذلك الصيف، أدركت جينا أن الأمور التي تستفزها ستصبح أكثر بكثير من تلك التي تُمتعها، فقررت أن تتزود بالغضب لمحاربة الانهيار. إلا أن غضب جينا لاذع، تغضب كالقادة، بشكل نرجسي و مدم؛ أصبحت تغضب من كل شيء، من بيروت المشوهة، من القناطر الثلاث “المبتذلة”، من فيروز “العذراء المطيعة”، من أهلها، وحتى من نفسها… رفضت أن تندمج في أي حزب يملي عليها تحمل مسؤولية هذا المجتمع “التافه” كما تصفه، وانكبت على عملها. 

إقرأوا أيضاً:

في شباط 2020 غادرت جينا الى برلين بعد أن استحقت وظيفة جيدة في مجال البرمجة. بسرعة، اندمجت في هذا المجتمع الذي لا يعرف، ولا يحتاج أن يعرف عنها غير جانبها المهني الشرس. عوضت خسائرها وعندما أسألها عن مالها المحجوز في المصرف الآن تجيبني:”فلتحترق معهم في الجحيم”. هي الآن في علاقة مع مديرها، ليس صدفة، فهي تحتاج إلى سلطة كي تغضب و تشعر بشيء… إقتحمت جينا برلين، و قد تحرقها قريباً بحثاً عن أحلامٍ جديدة، ما لم تحرقها برلين أولاً. لون غضب جينا أحمر ساطع، ساذج، يفتقد لأي عمق، كما عندما جربته للمرة الاولى ثم امتنعت عنه لسنة.

أنا شخصياً، لم اقتحم بنكاً ولا برلين، ولم أستطع أن أحفظ خطاباً ثم أردده، لكنني حاولت… جربت عدة الوان قبل أن أختار الأحمر، وأي درجة منه أريد. 

الأحمر الآن هو تعبيري للاحتجاج على… على شيء ما… على كل شيء… على كل حال، لا يهم. 

المهم انّني هكذا أغضب.

إقرأوا أيضاً:

https://www.youtube.com/watch?v=9BSdYVrcFBs&t=1s
سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.