fbpx

حالات اغتصاب وتحرش افتراضي:
نساء في مواجهة العنف التكنولوجي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المساحات الآمنة تضيق حتى في العالم الافتراضي أو “الميتافيرس” الذي شهد حادثة اغتصاب افتراضية ما زالت تثير جدلاً حول كيف نقارب التحرش والاغتصاب في الواقع وفي الفضاء الالكتروني ….

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استيقظت منذ يومين على رسالة من صديقة تخبرني أن حالة اغتصاب افتراضية سُجلت للمرة الأولى. أخذني الأمر بضع ثوان لأتذكر أنها ليست المرة الاولى، فقد قرأت منذ أشهر عن تعرض امرأة لاغتصاب جماعي في العالم الافتراضي وما زلت أذكر جيداً صدمتي بعد القراءة. لكن أن يتلاشى الخبر هكذا، حدّ اعتقاد أن الحالة الجديدة هي الاولى، فهو ما جعلني أفكر كيف تُقتل القضايا عندما نتركها خبراً جانبياً، وكيف حين نتساهل في المرة الأولى يجب أن نكون جاهزين للمرة الثانية والثالثة والمليون. ثم فكرت أن نقل الحدث بشكل ببغائي، دون إضفاء أي تحليل سياسي- اجتماعي وتاريخي عليه، يمنع من توقع تبعاته في المستقبل ويحتّم علينا أن نتعامل مع كل خبر مشابه لاحقاً على أنه “غريب” أو نادراً ما يحدث، مُفسداً قدرتنا على وصل الأحداث والبناء عليها والمراكمة فوقها. 

لا يُراد من هذه المقدمة أن تُحبط أحداً، ففي اللحظة التي ندرك فيها أخطاءنا يُصبح الحل أسهل. والحل الأول برأيي هو أن نبدأ بالكلام دون توقف، وبعد الكلام وتحديد المسؤوليات تبدأ المساءلة والمطالبة والمراقبة، وإن لم ننجح في القضاء على الظلم مباشرةً، على الأقل نكسر إحدى رجليه أو الاثنتين معاً. قبل نهاية عام 2021، سُجلت أول حالة اغتصاب افتراضي في “الميتافيرس” بعدما كتبت “نينا جاين باتل” عن تعرضها للإغتصاب على أحد تطبيقات “هورايزن” الذي يتيح للمستخدم أن يختبر الانترنت بامتداد ثلاثي الأبعاد، أي أن يختبر العالم الافتراضي بشكل “شبه حقيقي”. 

بعد أقل من دقيقة من دخولها الموقع، تعرض “أڤاتار” نينا للاغتصاب من قبل ثلاثة رجال، وهو ما تصفه نينا بالكابوس! 

هذا الخبر لم يلقَ صدى كافياً إلا بعد مضي شهرين على الحادثة، وبرغم إسراع القيمين على هذا العالم الجديد لإيجاد “حلول” تمنع تكرار هذه الحوادث، مثل تفعيل خاصية “المساحة الآمنة” التي تمنع اقتراب الشخصيات الرمزية الأخرى وتمحو أيديهم عند اقترابهم أكثر من اللازم، إلا أن الحادثة تكررت وما زالت النساء يكتبنَ عن تجاربهنّ مع التحرش والاغتصاب في هذا العالم. 

المسؤولون والقيمون على هذه المشاريع اعتذروا ببضعة أسطر ديبلوماسية مشيرين إلى أن هذا العالم في طور النشوء، وهم يعملون على تحسينه وتصحيح أخطائهم بعد كل حادثة. من الصعب “هضم” خطابات كهذه، خصوصاً أن هذا العالم لم يولد فجأة، أي أنه مسبوق بتطورات تكنولوجية وتجارب كثيرة منها مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، الذي يمتلك مساحات “هورايزن” الافتراضية. استطاعت شركة “فايسبوك” سابقاً و”ميتا” اليوم أن تحدا من التحرشات الجنسية وخطابات الكراهية والعنصرية والتحريض بعد سنين من التجارب وارتكاب الاخطاء، أي أن الشركة لا تحتاج لدراسات طويلة وجديدة في وضع قوانين العالم الافتراضي! كان يمكن تدارك هذه الأحداث لو فكر القيمون بالنساء والأقليات الجندرية والعرقية عند العمل على المساحات الافتراضية، فالنساء لسنَ منفردات بالمعاناة، الأطفال والسود ومجتمع الميم- عين يتعرضون أيضا للمضايقات والعنصرية والكراهية والتحرش، ما يضع طاقم العمل تحت المساءلة والمطالبة بوضع حدّ لهذه الانتهاكات بل وإيجاد طريقة لتجريم مرتكبي هذه الأفعال ومحاسبتهم. 

المشكلة ليست بالحدث بحد ذاته وحسب، بل بردود فعل الرأي العام وخطاب لوم الضحية وتسخيف معاناة الضحايا! التعليقات على أحداث الاغتصاب والتحرش كانت بمعظمها تكذب الناجيات أو تقلل من معاناتهن بحجة أن ما من ضرر مادي قد حدث، ضاربين بعرض الحائط الأثر النفسي على الناجيات اللواتي يعانينَ من الصدمة والخوف والقرف والكوابيس! وبرغم وجود الأدلة التي يطالبون بها عادة، إلّا أن التعليقات بقيت معادية للناجيات وكارهة لهنّ، ما يخبرنا أنهم حتى عند تأكدهم من روايتنا، يبقى التكذيب نمطاً سياسياً، يحافظ على موازين القوى لمصلحة النظام الأبوي، ليتمكن دائماً من السيطرة على أجسادنا ومنعنا من حمايتها، هذا التكذيب الذي يضع الضحية موقع اللوم فيؤبد العنف الممارس عليها ويشرعنه. 

لم تكن ذاكرتنا عن الاغتصاب محصورة في اللمسات التي أحرقت جلدنا، بل كانت أيضاً في شكل المغتصب وصوته وشعورنا في لحظتها، لا داعي لتوفر العنصر المادي كي يكون اغتصاباً، لا يشترط الاغتصاب أن تكون الحواس الخمس حاضرة كي يكون اغتصاباً، ولا تنتظر الضحايا رأي هذا وذاك في ذلك، فهنّ أعلم بما اختبرنَ والكلمة الأخيرة لهنّ. 

اليوم أصبحنا نشاهد الاعتداء في مقاطع مصورة منشورة على الانترنت، وبرغم من سقوط حجة اللباس و”طريقة المشي” وعدم وجود دليل، ما زال البعض قادراً على التبرير والنفي والإنكار. 

المعركة مع هؤلاء لا تنتهي ببضعة تقنيات تكنولوجية، فالواقع لا يحمل في جيبه امكانية تفعيل خاصية “المساحة الآمنة” ولا يمكن الخروج منه لينتهي الأمر، والمشكلة ليست بالمتحرشين فحسب بل في من يحميهم ويبرر أفعالهم ويشرعنها، المشكلة في أن نُبدي الأرباح على السلامة، المشكلة في نظام قائم على عدم اعتبار صحتنا الجسدية والنفسية والعقلية قبل اتخاذ اي خطوة إلى المستقبل. ربما يكون العالم الافتراضي مهماً في تسهيل حياتنا العملية وفي تقصير المسافات وتوفير الوقت، إلا أن الأوان قد حان كي لا نسمح لأي مستقبل واقعي أو افتراضي، بأن يقوم على حسابنا، الحل يبدأ اليوم حتى ولو تطلب تحقيقه سنوات طويلة، أن تطول المعركة خير من ألا تبدأ ابداً.

إقرأوا أيضاً: