fbpx

“البلطي” أول ضحايا صيف 2022 في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعيش مدن جنوب العراق والبصرة تحديداً، بانتظار كارثة بيئية أخرى، فيما لا حلول تلوح في الأفق، سوى بعض التوصيات من هنا وهناك، التي تحاول أن تجد طريقها إلى آذان المسؤولين العراقيين المنشغلين بالسياسة العمياء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دهشة وذهول على ملامح وجوه بعض المواطنين المارة قرب نهر العشار (مركز مدينة البصرة التجاري) وهم يختلسون النظر بعين الحسرة والألم على الكارثة البيئية التي حلت مع نفوق الاف الأسماك من نوع البلطي، وظهورها جيفاً على ضفاف النهر. 

أحمد جاسب (32 سنة)، الذي يرتاد الطريق المحاذي للنهر يومياً، يعبّر عن حسرته ودهشته من منظر النفوق الوحشي، “دائماً ما  كنت ألاحظ نفوق بعض الحيوانات والأسماك النهرية، إنما ليس بهذه الأعداد الكبيرة”. ويردف “تراودني بعض الاسئلة التي لا أجد لها إجابات مثل، لماذا تقتل هذه الثروة في بلادنا وغيرنا ولا تجد من يتحسر عليها، كما يغيب الاهتمام بالأنهار والمحميات الطبيعية من قبل السلطات والحكومات المتعاقبة؟”. ويأمل احمد بإيجاد حلول لإنقاذ هذه الكائنات الجميلة من الموت المحتوم، حتى لا تلاقي مصير سمك البلطي المسكين. 

آلاف الأنهر لكن على الخريطة 

نهر العشار هو أحد الأنهر الفرعية الممتدة من شط العرب، ملتقى دجلة والفرات في مدينة البصرة جنوب العراق والتي كانت تسمى سابقاً بندقية الشرق لكثرة الأنهار الثانوية فيها.

وذكرها النائب في “مجلس المبعوثان” (البرلمان) العثماني، سليمان فيضي بإحصاء أنهار البصرة الواقعة جنوب العراق، وقال في كتابه “البصرة العظمى”، إن “بساتين البصرة يتخللها 635 نهراً كبيراً رئيساً متصلاً بشط العرب، وتتفرع من كل نهرٍ من هذه الأنهر الرئيسة أنهار أخرى تقدّر بالمئات، بحيث يبلغ مجموعها آلاف الأنهار”.

وكان يقصدها سياح عرب وأجانب لما كانت تحمله من طبيعة خلابة آنذاك، أما الآن فاصبحت مكاناً غير آمن للكائنات الحية، بسبب التلوّث القاتل، فالتربة باتت غير نافعة للزراعة والمياه لم تعد صالحة للاستخدام البشري والحيواني، إضافة إلى تلوث الهواء. ويرتبط هذا الوضع المأساوي بشكل أساسي بالاستخراجات النفطية الكبيرة التي تتسرب ملوثاتها إلى التربة والهواء، فيما تلوث المياه يعود عموماً إلى قلة الاطلاقات المائية من الجارتين تركيا وإيران، وتقليل حصة العراق بسبب السدود التي بنيت على ممرات الانهر المندرة للعراق، إلى صعود اللسان الملحي وجفاف الأنهر وتقلص المحميات الطبيعية.

إهمال حكومي وتقصير مشترك 

يوضح مدير زراعة البصرة  هادي حسين قاسم أنّ “مديرتة شكّلت فريق عمل من قسم الأسماك لحظة ورود معلومات عن حدوث هلاكات جماعية في نهر العشار،   وأمرنا بزيارة إحدى الفرق المتخصصة  الموقع المذكور وتبين أن الأسماك النافقة هي من  نوع البلطي، وهي تعتبر دخيلة على البيئة البصرية وغير مرغوبة بالنسبة إلى المستهلك”.

ويرى أن “الفريق قام بأخذ عينات وإرسالها إلى المختبرات المختصة للوقوف على الأسباب الحقيقية ومعرفة نسبة الأوكسجين في هذه المياه”، معرباً عن أمله بأن تقوم الجهات المعنية مثل الموارد المائية والبيئة بتشغيل المضخات المنصوبة على السدة القاطعة لغرض استمرار تدوير هذه المياه ورفع الأسماك النافقة لعدم انتشار روائح كريهة في مركز المحافظة “ولا نخفي أن قلة الاطلاقات المائية هي أكثر التحديات التي تواجهنا حتى في الزراعة، والتي تعتبر من أهم مصادر الثروات  في البلاد”. 

ويضيف  أن أحد الأسباب العينية بينت رداءة نوعية المياه في هذا النهر بسبب رمي المياه الثقيلة والمياه الآسنة وفضلات المحلات وبعض الأحياء السكنية، ما أدى الى انخفاض نسبة الاوكسجين في المياه.

تعددت المصادر… والموت واحد

لم ينجُ العراق وخصوصاً الجنوب من مخلفات الحروب والتدخلات الاقليمية  واستخدام الاسلحة المحرمة دولياً، وهو ما أثر بشكل كبير على البيئة، كما توضح الخبيرة البيئية الدكتورة إقبال جابر لطيف.

وإذ تشير لطيف إلى “المخلفات الحربية التي رميت في الانهر والحروب التي خاضها العراق في العقود الاخيرة، ناهيك بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري الذي يشهده العالم”، تأسف لتخلي “الحكومة المركزية عن إدارة ملف الانهر وصيانتها منذ سنين، كما أنها تتغاضى عن بعض التجاوز على الأنهر من قبل المتنفذين في حفر الآبار الارتوازية وعلى ضفاف الانهر”، هذه الأسباب يمكنها أن تقتل الثروات السمكية والثروات الطبيعة، تقول لطيف. وتؤكد أن الحل يكمن في زيادة الاطلاقات المائية من قبل الدول المجاورة وصيانة الأنهر بشكل دوري، إلى ضرورة إنشاء سدود بغية السيطرة على كمية المياه والاستفادة منها.  

منظمات مجتمع مدني في حيرة من امرها 

لا تلعب منظمات المجتمع المدني في البصرة الدور المطلوب منها، إذ يوضح  ثائر المنصوري مدير إحدى منظمات المجتمع المدني أن “دور بعض المنظمات يقتصر على التوعية المجتمعية، لكنها بحاجة الى دعم كافٍ لإيصال الصوت الى  الجهات العليا التي قد لا تستوعب حجم الكارثة وبالتالي تحتاج الى جهود كبيرة لإنقاذ هذه المدينة من التلوث الذي أخذ بالازدياد وبشتى الأنواع”.

هكذا، تعيش مدن جنوب العراق والبصرة تحديداً، بانتظار كارثة بيئية أخرى، فيما لا حلول تلوح في الأفق، سوى بعض التوصيات من هنا وهناك، التي تحاول أن تجد طريقها إلى آذان المسؤولين العراقيين المنشغلين بالسياسة العمياء، التي تنظر إلى بعض المدن مثل البصرة بعين الاقتصاد النفعي، فيستفيدون من خيراتها، فيما يحرمونها أبسط الحقوق وتغرق في التلوث والنسيان.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!