fbpx

لبنان: هكذا حقق معي مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا مجال للترهيب، أصبحنا نعرف القانون جيداً ونعرف ما هي حقوقنا، ولكن إلى متى؟ إلى متى يستمر تجاهل قصص الناجيات مقابل مداراة مشاعر المتحرّش والمغتصب والقاتل؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بينما نتابع قضية الاغتصاب في مخيم عين الحلوة وننتظر أن تصل الدعوى المرفوعة ضد المتهمين بجريمة الاغتصاب، بعد مضي أسبوع على الشكوى المرفوعة من أهالي  الضحية، من دون أن تصل حتى الآن إلى مخفر صيدا، تصلني دعوى استدعاء من مكتب جرائم المعلوماتية مرفوعة من المدعى عليه بست قضايا تحرش، الصحافي جعفر العطار.

  بدأت مقالي هذا بطرح قضية مخيم عين الحلوة لأنها أكثر ما فكرت به داخل غرفة التحقيق، عندما اكتشفت أن المنشور الذي أغضب العطار كنت قد  نشرته في 10 حزيران/ يونيو 2022، تصرفت النيابة العامة هذه المرة بسرعة ربما لم نعتد عليها، فمن دون تأخير حولت الدعوى إلى النيابة العامة التي  حولتها من مكتب الى اخر ثم من ضابط إلى آخر ويتم استدعائي. هذه العملية تستغرق عادة نحو 15 يوماً، لكن يبدو أن منشوري كان جرماً استدعى أن تستنفر الأجهزة وتتفرغ للقضايا المرفوعة من قبل المدعى عليهم بالتحرش.

بهذه السذاجة تُغتصب فتاة في مخيم عين الحلوة ولا يحرك أحد ساكناً، ثم يأتي أحدهم وقد ادعت عليه ست ناجيات بست قضايا تحرش، ويقرر أن يستخدم القانون ذاته ليعاقب من يدعم ضحاياه.

دخلت مع المحامي ايمن رعد إلى المكتب في مفرزة بعبدا استقبلنا المحقق، وطلب ” النشرة”. سألني عن مهنتي فأخبرته أنني صحافية فطلب بطاقة النقابة لاثبات ذلك، لأن النقابة يمكنها حمايتي بحسب ما قال، فأخبرته أن النقابة  متوقفة عن استقبال الطلبات وأنا متخرجة حديثاً في 2020 من كلية الاعلام. أخرج ورقة مطبوع عليها صورة للمنشور وبدأ أسئلته السريعة وكأني متهمة بجريمة قتل ويحاول الإيقاع بي لأعترف: 

“بتعرفي جعفر العطار؟ لا.

متحرش فيكي؟ لا بس بعرف زميلات تحرش فيهن.

في أدلة؟ نعم في أدلة ونصدق الناجيات.

شو هاي؟”. 

 أكرر قولي “نصدق الناجيات”، يتجاهلها ولا يكتبها، ثم يكمل السؤال: “هل مثبت عليه دعاوى تحرش؟ 

-إي في 6 دعاوى بحقه وعنده محكمة بـ14/ 7.

– هل أثبتوا أنه متحرش؟ 

-بعد ما طلع الحكم 

يعني ما فيكي تتهميه…خلص التحقيق”.

بنبرة قاسية وكأنني أنا المتهمة بـ6 قضايا تحرش، أنهى المحقق الجلسة ثم عاد ليكتب المحضر وهو يعيد الأسئلة للتأكيد وختم بطلب أن أوقّع تعهداً بعدم التعرض للعطار لكنني رفضت… أوضحت للمحقق أنني في الأساس لم أتعرض للعطار، وأنني في المنشور العتيد كنت أحترم قرينة البراءة بأن جعفر العطار مدعى عليه بقضايا تحرش وهي حقيقة. ثم طلب مني إزالة المنشور فرفضت وأضفت أنني “لن أزيلها لأنني لم أتهمه بل احترمت قرينة البراءة في قولي إنه متهم بقضايا تحرش وهذه حقيقة”.

في البداية كنت أظن أن القصة ستنتهي هنا وسيسمح لي بالخروج بسند اقامة وهذا حقي، لكن جاءت الإشارة من القاضي الذي قرر “إبقائي داخل القسم إلى حين إزالته”. بعدها قررت إخبارهم بأنني أوافق على تعديل المنشور لا إزالته، مع ازالة اسم جعفر العطار من خانة التعليقات، فاتصلوا بالقاضي الذي بحسب ما قال المحقق  قرر “توقيفي وسوقي مكبلة إلى النيابة العامة”، إذا رفضت إزالة المنشور. لكنني حين قرأت المحضر لاحقاً للتوقيع عليه، تبين أن إشارة القاضي رجا حاموش  في المرتين كانت “إبقائي في المركز الى حين إزالة المنشور”، و لم تكن “توقيفي أو سوقي مكبلة الى النيابة العامة”. تدخل المحامي  الموكل أيمن رعد ليشرح للمحقق أن في القانون ما من توقيف احتياطي في جرائم القدح والذم.

المنشور الذي كتبته في 10 حزيران من هذا العام والذي كنت أتضامن فيه مع الصحافية لونا صفوان التي ادعى عليها جعفر العطار في القضية ذاتها، هو التالي: “عنا بلبنان المتحرش المثبت عليه أكثر من عشر قضايا تحرش، بيرفع دعوى تشهير  على ضحيته لأنها فضحته الك عين، عبالنا نعرف  خطيبته المناصرة لحقوق المرأة داعمته كمان! مهزلة والله”. وافقت على تعديل المنشور واستبدال “المتحرش المثبت عليه” بـ”المدعى عليه  بأكثر من عشر قضايا” احتراماً لـ”قرينة البراءة” المقرة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بعد رفضهم وقرارهم إبقائي داخل المركز حتى أوافق على إزالته لا تعديله، غادر المحامي الموكل بقضيتي إلى خارج المبنى لإجراء اتصال، فاستغل المحقق غيابه وحاول أن ينصحني بإزالة المنشور وسرد قصص أحد الأشخاص تم استدعاؤه الى هنا  بعد تعرضه لشخص أصابه بقدمه وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، “طلعناه عالرابع”. ثم أضاف: “إذا ما شلتي المنشور رح تتوقفي مش تكسير راس القصة”.  أكرر ما قاله المحامي عن أن ذلك غير قانوني، يهزأ مني ومن المحامي، “قومي شوفي هاي النظارة وفوتي اقرأي القانون انو فينا نوقفك”. اكتفيت بالقول “المحامي بيحكي”.

لا أنكر أنني خفت للحظات وبدا لي أن أهل القانون يرفضون تطبيقه. عاد المحامي، استمر التحفظ علي داخل المركز أكثر من ساعتين ليوافقوا على قراري بتعديل المنشور بعد إصراري على عدم إزالتها برغم الترهيب والتهديد بتوقيفي.

لكن لا مجال للترهيب، أصبحنا نعرف القانون جيداً ونعرف ما هي حقوقنا، ولكن إلى متى؟ إلى متى يستمر تجاهل قصص الناجيات مقابل مداراة مشاعر المتحرّش والمغتصب والقاتل؟

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.