fbpx

ذبح نيرة أشرف ودليل المشايخ للنجاة:
العفة القهرية أو القتل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنه هوس تشترك فيه كل الأصوليات، الدينية والعرقية والقومية. وتتشابك هذه الأصوليات بداية في إسقاط كل مظاهر الشيطنة والمكايدة ضد المرأة، وتنتهي بإعلان الحرب الخفية والمتسترة بدعوى الخوف عليها عوضاً عن الخوف منها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الله يرحمها ويجيب له طعنة من فوق سبع سموات وينتقم منه، ويكون في قصاص عادل يبرد نار أمها ووالدها (..) ولما المشايخ تكلموا عن الحجاب سمعنا من يقول حرية شخصية، كويس، سيبي (اتركي) المهفهف على الخدود يطير والبسي محزق (ضيق)، هيصطادك اللي ريقه بيجري ويقتلك”.

لولا أنّ هذه الكلمات ظهرت، في مقطع فيديو، على لسان عميد كلية الدراسات الإسلامية السابق في جامعة الأزهر، الشيخ مبروك عطية، لكان من الصعب تصديق أنها قيلت بالفعل. بينما كنت سألجأ، على الفور، لمحركات البحث الإلكترونية في محاولة للتثبت من صدقية وصحة ما ورد.

الشيخ الأزهري ظهر، في بث حي، منفعلاً متشنجاً في أداء تمثيلي تقليدي، كما هي العادة، ليس لمقتل فتاة جامعية في ما يبدو على يد شاب لمجرد خلاف بينهما أساسه عاطفي، إنّما لمخالفة الفتاة التقاليد الدينية، بحسب فهمه وزعمه. إذ رفضت الفتاة الاستجابة لمحاولات ارتباط الشاب بها، ومن ثم، قام الأخير بمطاردتها وتهديدها حتى نفذ جريمته، وذبحها بسكين، على بعد خطوات من أسوار الجامعة.

قال عميد كلية الدراسات الإسلامية السابق في جامعة الأزهر: “المرأة والفتاة تتحجب عشان تعيش. وتلبس واسع عشان متغريش (لا تتسبب في الإغراء). وغض البصر للرجال المحترمة. لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك قُفة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، علشان وقتها هيشوفك اللي ريقه بيجري ومعاهوش (لا يملك) فلوس وهيدبحك… دا واقع… حافظي على روحك… خافي على عمرك…حواليكي كلاب وديابة”.

دليل الأكاديمي والشيخ الأزهري للنجاة، نجاة المرأة، تحديداً، من الموت والقتل، أو بالأحرى “الذبح”، هو  الالتزام بالحدود القصوى للحجاب، بمفهومه الشامل، من خلال ارتداء الملابس التي تغطي الجسد ولا تترك مجالاً للتلصص. هذا الجسد الذي تحول، وفق خطابه الديني التقليدي المتشدد، إلى منفعة ذكورية، ينبغي إخضاعه وإكراهه وتفعيل آليات العقاب والرقابة ضده. 

هوس السلطة، أي سلطة، بما فيها الدينية، بإخضاع الجسد والسيطرة عليه، من حيث هو كيان خطابي، يحمل دلالاته الرمزية، يكشف عن الرغبة المحمومة في عزله (أيديولوجياً وبيولوجياً)، ونفي الهوية الفردية عن وجوده في الفضاء العام. ومن ثم، تفريغ أيّ قوة زائدة في هذا الجسد لحساب تكريس مفاهيم القوامة والصوابية لدى السلطة. ومع تصفية التعددية المحتملة عبر  تفعيل ثنائية المعرفة/ السلطة، ثم تعميم التنميط المباشر وأدلجة (أسلمة) الجسد لهندسة وجوده المجتمعي، تنجح عملية السيطرة والمصادرة من خلال “الغسيل الأيديولوجي”، بتعبير الفيلسوف الفرنسي، لوي ألتوسير. 

إذاً، فالحجاب يعكس تلك المسافة البينية التي تكشف عن درجة توتر قصوى داخل المنظومة البطريركية وخطابها الديني الملغم، الذي راكم لغة عنف فقهي. فتستهدف تأبيد وضع المرأة خارج أيّ مساحة تنافس، فضلاً عن عدم الحصول على نفوذ مجتمعي وسياسي. إذ تشير الباحثة اللبنانية ريتا فرج في كتابها “امرأة الفقهاء وامرأة الحداثة.. خطاب اللامساواة في المدونة الفقهية”، إلى أنّ هناك “علاقة متوترة بين الأنثوي والسياسي في الإسلام التاريخي، علاقة قابعة في اللاوعي الجمعي والتاريخي والأسطورة، ولا ترتبط بعموم النص القرآني المفتوح على التأويل، بل تتجلى في معالم الإقصاء لدى الفقه الذكوري الذي وقع فريسة الأنا الذكورية”.

واللافت أنّ حجاب المرأة يفرض نفسه كجزء من النقاش المجتمعي والجدل الذي ظهر في الخطاب الثقافي المصري، منذ نهايات القرن التاسع عشر، الأمر الذي ترافق والسيطرة الاستعمارية وتشكُّل خطابات مقاومة مقابلة، لمواجهة الخطاب الكولونيالي. والأخير عدّ هذا المظهر التقليدي من دلائل القمع بين المسلمين، وربط التقدم المجتمعي والثقافي بوضع المرأة ومساحتها. 

ومن بين تلك المواقف التي روج لها الخطاب الاستعماري بتثبيت المركزية الأوروبية التي ساهمت في حالات استقطاب عدة في المجتمع بين النخبة الثقافية، ومنها كتاب قاسم أمين “تحرير المرأة”، كان ما ذكره المندوب السامي لبريطانيا في مصر، اللورد كرومر، والذي قال إنّه “بينما تعلم المسيحية احترام المرأة، ويعلي الرجال الأوروبيون من شأنها، بدافع من تعاليم دينهم، فإنّ الإسلام يحقرهن، ولهذا التحقير الذي يبدو أوضح ما يبدو في ممارسات الحجاب والتفرقة، تعود دونية الرجال المسلمين التي يمكن التدليل عليها”.

وبينما توضح الأكاديمية المصرية الأميركية، ليلى أحمد، في كتابها: “المرأة والجنوسة في الإسلام”، أنّ رغبة الاستعمار في نبذ الحجاب تخفي وراءها أهدافاً للسيطرة وفرض الإرادة على هذه الذات، بحيث يتمكن من جذب المرأة ضمن نطاق سيطرته ونفوذه، فإنّ الأصوليات الإسلامية سعت إلى توظيف القضية ذاتها، ضمن أجندتها السياسية والأيديولوجية، لجهة تحقيق “ثورة هادئة” تؤدي إلى تمكين “إسلام الأقوياء سياسياً”. 

وبالعودة إلى الباحثة اللبنانية، ريتا فرج، فإنّ الخطاب الفقهي بحمولته الدينية الذكورية والقبلية، عمد إلى تصنيف المرأة باعتبارها “فضاءً بارداً قابلاً للتلقي”، فضلًا عن أنها “وعاء فارغ يجلب المتعة الجنسية للرجل”. وتبرز هذه الوضعية، أو بالأحرى التراتب الماهوي، صورة المركزية الذكورية في الخطاب السياسي التاريخي العربي على حساب المرأة وتغييبها القسري. 

ويكاد لا يختلف الخطاب الديني المعاصر والمأزوم عن الخطاب التاريخاني، بينما يعاني الأول من أعراض فشل التحديث والتنمية في المجتمعات العربية. وكلاهما يحاول أن يصنع “قوة ردعية حيال الأنثى”، بتعبير الباحثة النسوية الأميركية من أصول أفريقية، آمنة ودود، أو “العفة القهرية”، وفق توصيف ريتا فرج. وقد عدّ ابن تيمية، مثلًا، ختان المرأة باعتباره وسيلة لـ”تعديل شهوتها”. وقال: “فإنّها إن كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة. فإنّ القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر”. 

وعليه، ليس غريباً أنّه كلما طرأت بعض الأحداث أو التجاوزات المرتبطة بالمرأة داخل النسق الاجتماعي، يتم استدعاء هذه العلاقة بين العقل المتدين والمرأة. إذ إنّها علاقة تتجاوز الفكرة والموقف لتصبح “عقيدة في عرف عقل مجبول على كراهية الأنثى، وتأبيد هذا الخصام المفتعل والذي يساهم فيه العقل الذكوري”، بحسب المفكر يوسف هريمة المتخصص في مقارنة الأديان. 

ويوضح هريمة لـ”درج”، أنّ حضور المرأة في ذهنية الأصولي لم يكن يوماً حضوراً عرضياً. بل كان في كل محطة من محطاته يعبر بشكل من الأشكال عن الأزمة والخلفية التي يصدر عنها هذا العقل، باعتباره أحد تجليات “محنة الثقافة المزورة” التي يعيش تحت وطأتها. 

كما أنّ هذا الهوس الذكوري أو “الهوام الذكوري” كما يصفه المفكر اللبناني، مصطفى حجازي، يؤشر إلى أنّ هذا العقل يجعل من المرأة مادة للإخضاع، أو وسيلة لإبراز الجنون الذكوري. 

إنه هوس تشترك فيه كل الأصوليات، الدينية والعرقية والقومية. وتتشابك هذه الأصوليات بداية في إسقاط كل مظاهر الشيطنة والمكايدة ضد المرأة، وتنتهي بإعلان الحرب الخفية والمتسترة بدعوى الخوف عليها عوضاً عن الخوف منها. 

ولأنّ عملية الإسقاط تخضع لمنهجية صارمة، تضحي فيها المرأة مصدر كل نزوة وشهوة، فإنّ الأصولية تفرض على المرأة منطق القيود، والمنع والحجب. 

وتصعيد الميول المتطرفة والذوبان في “الجماعة الذكرية” يمر بقمع الميول العاطفية: “الحرب ضد الحب، أو تحويل المرأة إلى أداة متعة المحارب”. يقول هريمة.

ويختتم: “كما يمكننا أن نفهم، هنا، أنّ حب التملك الذي تحظى به المرأة في ذهنية الأصولي نابع أيضاً من أنَه ينظر إليها على أنّها وسيلة لتعزيز قوّة الفكر الأصولي الداخلية، وتعزيز أواصر اللحمة مع بقية الأصوليات أو العصبيات المنافسة. وكأنّ هذا التدبير المتطرف والمتشدد لا يرى لوجوده معنى إلا من خلال علاقة التغييب الممنهج. وكلّما زاد التغييب، زاد الحضور الذكوري سيادة وسطوة. وقد تلعب المرأة دوراً قيادياً من موقع الضحية داخل هذا الفكر الأصولي، فتتماهى مع المتسلط الذكر في المواقف والسلوك، إذ يتم تعزيز كل القيم المفروضة عليها وعلى جسدها، وتدخل في حالة حرب معلنة مع الجسد والرغبة. وهذا ما يسمى في علم النفس التماهي بالمتسلط”.

إقرأوا أيضاً: