fbpx

أزمة سياسية في إقليم كردستان… نزاع كردي داخلي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل يمكن أن تتحول التوترات السياسية بين “الحزب الديموقراطي” و”الاتحاد الوطني” إلى شيء أكثر خطورة؟ يظل هذا التخوف حاضراً، لا سيما في ضوء الحرب الأهلية بين الفصائل الكردية في تسعينات القرن الماضي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تشهد حكومة إقليم كردستان- الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق- أزمة سياسية عميقة. يمكن لمن يتابع الأخبار من بعد أن يشعر بالقلق من احتمال استفحال الأزمة، أو حتى تحولها إلى نزاع كردي داخلي جديد. لكن كيف يبدو المشهد الحقيقي على أرض الواقع؟

لا تزال الأزمة السياسية بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في إقليم كردستان مستمرة، وهما “الحزب الديموقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”. أكثر ما يبدو جلياً في هذا النزاع هو الخلاف حول اختيار المرشح لمنصب رئيس العراق. ففي حين اقترح “الاتحاد الوطني الكردستاني” الرئيس الحالي برهم صالح، أعلن “الحزب الديموقراطي الكردستاني” ترشيح القيادي في الحزب ريبر أحمد خالد. ومن ثم، يخفق البرلمان في الوصول إلى النصاب القانوني اللازم خلال محاولتين للتصويت.

بحسب اتفاق غير مدرج في دستور 2005، فإن منصب رئيس الجمهورية يكون من نصيب سياسي كردي، تحديداً مرشح من “الاتحاد الوطني الكردستاني”. كان أول من شغل هذا المنصب الرئيس الراحل جلال طالباني، المؤسس والزعيم التاريخي لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”. في المقابل، وبموجب اتفاق توصل إليه طالباني مع مسعود بارزاني، يُمنح منصب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق إلى مرشح من “الحزب الديمقراطي الكردستاني”. وعليه، فإن الصراع الحالي بين الحزبين الكرديين يؤثر جانبياً في المؤسسات السياسية في العراق ويعيق عملها، بما في ذلك عملية تشكيل الحكومة الجديدة.

“يريد الاتحاد المشاركة بالتساوي في عملية اتخاذ القرارات وتوزيع المناصب”

أخبرني محمود محمد، عضو المكتب السياسي في “الحزب الديموقراطي الكردستاني” والمتحدث باسمه، أن “أحد الأمور التي على الاتحاد الوطني الكردستاني إدراكها هي أنه لا يمثل نصف الشعب الكردستاني، وإنما يمثل الأصوات التي حصل عليها خلال الانتخابات الأخيرة وحسب”. علماً أن آخر انتخابات شهدها الإقليم كانت عام 2018، وقد حصل “الحزب الديموقراطي” على 45 مقعداً، في حين حصل “الاتحاد الوطني” على 21 مقعداً من أصل 111 في البرلمان. واختتم محمد حديثه قائلاً، إنه برغم ذلك، “يريد الاتحاد المشاركة بالتساوي في عملية اتخاذ القرارات وتوزيع المناصب”.

علق درباز رسول، أحد قياديي “الاتحاد الوطني الكردستاني”، ونجل كوسرت رسول، زعيم “البيشمركة” الشهير الذي قاد القوات التي دخلت أربيل وكركوك خلال انتفاضة 1991 ضد صدام حسين، عن النزاع بين “الاتحاد الوطني” و”الحزب الديموقراطي”، قائلاً إن “الاتحاد لا ينفذ الاتفاقات التي توصلنا إليها معاً. وقد حل جيل جديد من القادة محل جيل البيشمركة القديم، لكن الحزب الديموقراطي الكردستاني لا يزال يخضع لسيطرة الجيل القديم. العائلة مهمة في كل مكان، لكن لا يمكنك إدارة دولة دون وجود مؤسسات قوية”. 

مع ذلك، أخبرني مسؤول بارز في حكومة إقليم كردستان لم يرغب في ذكر اسمه، أن “تضييق الخناق على الاتحاد الوطني الكردستاني، سيؤدي إلى التشكيك في الوضع الراهن، ولا مصلحة لأحد في فعل ذلك”.

فبينما يشغل “الحزب الديموقراطي” مراكز مهمة في إربيل وداخل حكومة إقليم كردستان، لدى “الاتحاد الوطني” حلفاء أقوياء في بغداد. وعند النقاش مع قادة “الاتحاد الوطني الكردستاني”، سيتكون لديك انطباع بأن مجال رؤيتهم السياسية لا يقتصر على السياسات الكردية المحدودة، بل يتسع ليشمل توازن السلطة في بغداد. فقد ذكرني سعدي أحمد بيره، أحد القادة التاريخيين لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، بأن “نسبة مشاركة الأكراد في المؤسسات العراقية الرئيسية تبلغ 20 في المئة”. وقد أعرب عن أسفه أيضاً من مدى ضعف مؤسسات الدولة العراقية لدرجة أن “العراق وصل إلى حالة اللادولة”.

توترات مع “العمال الكردستاني”

هل يمكن أن تتحول التوترات السياسية بين “الحزب الديموقراطي” و”الاتحاد الوطني” إلى شيء أكثر خطورة؟ يظل هذا التخوف حاضراً، لا سيما في ضوء الحرب الأهلية بين الفصائل الكردية في تسعينات القرن الماضي.

مع ذلك، ينفي قادة الأكراد الحاليون وجود مثل هذا التهديد. فقد أخبرني سعدي أحمد بيره أنه، “لا يمكن أن نرتكب الخطأ ذاته مرة ثانية”. وأعرب محمود محمد عن الرأي نفسه، إذ قال “لا نمر حالياً بالحالة السياسية والاجتماعية ذاتها. لسنا في وضع يمكن أن يؤدي إلى نشوب اقتتال”.

لكن التوترات بين “الاتحاد الوطني” و”الحزب الديموقراطي”، ليست الباعث الوحيد على القلق. فثمة توترات متزايدة، بل وحتى مخاوف من اندلاع اقتتال كبير بين قوات البيشمركة التابعة لـ”الحزب الديموقراطي الكردستاني” وعصابات “حزب العمال الكردستاني” المسلحة. وهكذا كان الحال، بخاصة بعد الاشتباكات التي وقعت في حزيران/ يونيو 2021 والتي أدت إلى وفاة مقاتلين من الجبهتين. 

كان للتوترات بين “الحزب الديموقراطي الكردستاني” و”حزب العمال الكردستاني” تأثير سلبي على العلاقات بين حكومة كردستان العراق والكيان الذي يتزعمه الأكراد في سوريا، والمعروف رسمياً باسم “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. فقد أُغلق معبر سيمالكا الحدودي- وهو جسر عائم فوق نهر دجلة- لأشهر، ويُفتح حالياً ثلاثة أيام في الأسبوع فقط، ولا يسمح بالعبور إلا للأشخاص الذين لديهم تصاريح خاصة (بينهم عمال الإغاثة الأجانب، العابرون لأسباب طبية..).

قال لي نياز بارزاني- رئيس مكتب السياسة الخارجية والدبلوماسية في حكومة إقليم كردستان- “إن حزب العمال الكردستاني يقدم لتركيا مسوغات التدخل في العراق وسوريا”، ويتشارك عدد من الشخصيات السياسية الأخرى في حكومة إقليم كردستان الشعور نفسه بأن القطاع العسكري التركي قد وجد “العدو المناسب” في “حزب العمال الكردستاني” لتبرير سياساته القمعية، وللاستمرار في تبرير الاستثمارات الضخمة في القطاع العسكري، فيما يواجه الاقتصاد التركي أزمة حقيقية.

إقرأوا أيضاً:

نتجت التوترات بين “الحزب الديموقراطي” و”حزب العمال” من الحملات العسكرية التركية المستمرة داخل أراضي حكومة إقليم كردستان. فمنذ عام 2015، عندما فشلت اتفاقية وقف إطلاق النار بين الحكومة التركية و”حزب العمال الكردستاني”، ما أشعل دائرة جديدة من العنف، نجح الجيش التركي في طرد المقاتلين الأكراد من المدن الكبرى، وغالباً ما كان ذلك على حساب تدمير مناطق حضرية بأكملها مثل ديار بكر. اليوم، تقلصت بوضوح قدرة “حزب العمال الكردستاني” على شن عمليات عسكرية كبيرة داخل تركيا، حتى إن خبراء عسكريين يقولون إن “حزب العمال الكردستاني” قد طُرد من تركيا.

برغم النجاحات العسكرية التركية الأخيرة، فإن هذه ليست نهاية “حزب العمال الكردستاني” كمنظمة، كما أنها لم تضع نهاية للقضية الكردية داخل تركيا. منذ فترة طويلة، أنشأ “حزب العمال الكردستاني” قواعد عسكرية خارج تركيا، بخاصة في شمال العراق. وقد توسع انتشار “العمال الكردستاني” حتى بعد عام 2014، عندما اضطلع مقاتلوه بدور رئيس في الدفاع عن المدنيين اليزيديين الذين هددهم تنظيم “داعش” بالقضاء عليهم. كما عزز مقاتلو حرب العصابات الأكراد المرتبطون بـ”العمال الكردستاني” وجودهم القوي في شمال شرقي سوريا. تمتلك “قوات سوريا الديمقراطية” -وهي منظمة شاملة لها صلات بـ”حزب العمال الكردستاني”- اليوم ما يقدر بـ70 ألف قوة مقاتلة، وقد أقامت تحالفاً عسكرياً وثيقاً مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.

أدى هجوم “داعش” في كانون الثاني/ يناير 2022 على سجن الحسكة -حيث يُحتجز مقاتلو “داعش” السابقون وكذلك الأطفال- إلى مقتل 154 فرداً من صفوف “قوات سوريا الديموقراطية”، ومئات من المهاجمين والسجناء، وكان هذا الهجوم بمثابة تذكير للولايات المتحدة مرة أخرى بأهمية “قسد”. يخشى كثر في واشنطن من أن أي عمليات تؤدي إلى إضعاف “قوات سوريا الديموقراطية”، قد تهيئ لإحياء “داعش” أو الجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى في شمال سوريا وشرقها. وهذا سبب رئيسي لاستمرار الوجود العسكري الأميركي، ومعارضة واشنطن أي عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا.

بينما لا تزال واشنطن بحاجة إلى “قسد” في سوريا، وتحافظ على تعاونها العسكري مع القوات الكردية؛ إلا أن هذا التحالف العسكري محدود. فمن الناحية السياسية، ليس من الواضح ماذا تريد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في سوريا، بما في ذلك الجزء الشمالي الشرقي. فقد حاول الديبلوماسيون الأميركيون إقناع قيادة “قوات سوريا الديموقراطية” بقطع العلاقات مع القيادة العسكرية لـ”حزب العمال الكردستاني”، إلا أن جهودهم باءت بالفشل حتى الآن.

سواء في الحكومة الإقليمية الكردية أم في شمال شرقي سوريا، هناك نقص في احتمالات الاستقرار على المدى الطويل. فليس لدى الأطراف الكردية ولا القوى الخارجية- الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران- أدنى رؤية عن كيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة والبدء في معالجة مشكلاتها الضخمة. وفي خضم هذا الوقت المهدر، ستستمر “الحروب الصغيرة” في الشرق الأوسط بثقلها الذاتي، باعتبارها التمثيل الوحيد لسياسات القوى المحلية والعظمى.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.