fbpx

صورتي تتلاشى عن جواز سفري السوريّ، ماذا عنكم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التلاشي بالنسبة للسوريين أكثر تعقيداً من مجرد صورة مكشوطة، أعتقد أن اختفاء صورنا رويداً رويداً جاء بعد سلسلة طويلة من التلاشي، اختفاء منازلنا، أحلامنا، أصدقائنا، عائلاتنا وأوطاننا، ولم يبقَ سوى أن نتلاشى نحن أنفسنا حتى تكتمل حكايتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ككلّ السوريين، لا أمتلكُ فرصةً للسفر متى شئت وحين تتسنى لي الفرصة، استخدمتُ جواز سفري بكثير من الريبة، بعد وصولي إلى تركيا، وبعد مسح ضوئي أو اثنين لجوازي، اكتشفت أن صورتي بدأت في التلاشي، قرّبت جواز السفر، نظرت جيداً في صورتي، نعم هناك نقطتان من البياض في منتصف أنفي، شعرت بالقلق وتذكرت الموظفة في مطار “إزمير”، كيف قربت الجواز بنفس طريقتي، لا بد أنها عاينت النقطتين كذلك وشكت للحظة بي، لكنها تركتني أمرُّ في النهاية، لا يمكن لنقطتين من البياض أن تجعلاني شخصية مزيفة.

للحقيقة لست سعيدة بوجود كشط في صورتي، وأنا قلقة حول احتمال إيقافي في المطار. جرى إيقاف الكثير من السوريين بسبب تزويرهم جوازات سفرهم، أعرف عدداً لا بأس به منهم. انتشر تزوير الجوازات وانتحال شخصيات أوروبية أو أجنبية بين السوريين بهدف السفر خلال السنوات الماضية، مقابل مبالغ كبيرة، يبحث المزوّر عن شبيه السوري ويضع الصورة على جواز سفر كندي أو ماليزي أو أميركي أو هندي، وللحقيقة المهمة الأصعب هي إيجاد شبيه السوري في بنك الصور المزيفة، لكن ولأن السوريين هم خليط واسع من الأعراق والاثنيات فهم يمتلكون أشكالاً متباينة. مثلاً، سألني الكثير في إسطنبول لو كنتُ من إيران؟ وهكذا يغدو الأمر قابلاً للحل، لدي أصدقاء من ذوي الشعر الأشقر والأحمر والبني والأسود، بالإضافة إلى تشكيلة واسعة من ألوان العيون، في عائلتي وحدها لدينا أربعة ألوان عيون، الأسود والأخضر والعسلي والبني، إذاً أخيراً لدى السوريّ ميزات تسهّل الحياة عليه والتزوير كذلك!

أحدهم اختفت ملامحه حتى قبل أن يمتلك فرصة للسفر، هل ستختفي صورتي عن جواز سفري بالكامل يوماً ما؟

الحديث عن جوازات سفر السوريين لا تنتهي، اعتقدنا أن مشكلتنا الوحيدة هي ضعف جوازنا أمام جوازات السفر في العالم، لتأتي صورنا المتلاشية من حيث لا ندري. وللحقيقة تبدو قصة الصور المتلاشية كوميديا سوداء للغاية، إذ اكتشفتُ أن العديد من الأصدقاء يعانون المشكلة ذاتها، صور تتلاشى، البعض فقد جزءاً من لحيته وآخرون من عيونهم، أحدهم اختفت ملامحه حتى قبل أن يمتلك فرصة للسفر، هل ستختفي صورتي عن جواز سفري بالكامل يوماً ما؟ يبدو الأمر كوباء أو فيروس يلتهم وجوهنا المطبوعة شيئاً فشيئاً، وبينما يخشى العالم من وباء كوفيد لدينا في الحقيقة همومٌ أكبر، إذ أن تلاشي صورنا يعني ضرورة استخراج جواز بدل تالف، وهذا غير ممكن في سوريا بسبب أزمة استحصال الجوازات، أمّا سوريو الخارج فهذا يعني دفع حوالى 800 دولارٍ أميركي مقابل جواز سفر جديد، بصورة ستتلاشى بعد ثاني أو ثالث عبورٍ للحدود في أفضل الأحوال.

اكتشفت السلطات الأجنبية في كثيرٍ من الأحيان تزوير السوريين جوازاتهم، حدث ذلك عند عجز الشخص عن الرد على بعض الأسئلة بلغة البلد الذي يحمل جوازه، وعلى الرغم من التحضيرات الدقيقة لأسئلة اعتيادية مثل “إلى أين أنت ذاهب؟ وماذا تحمل؟ أو هناك وزنٌ زائد في حقائبك” إلّا أن الشكوك قد تدفع الموظف للمزيد من الأسئلة، ولن تكفي الجمل المتواضعة التي تعلّمها السوريُّ ليعبر إلى الجهة الأخرى، اللغة الأجنبية هي إحدى المشكلات الأزلية للسوريين، فالغالبية العُظمى لا تجيد أي لغة غير العربية. جاء هذا نتيجة ضعف التعليم من جهة في سوريا والتكاليف المرتفعة لمعاهد اللغة الخاصة، هل تتخيل أن تضطر إلى تعلّم لغة مجهولة تماماً بالنسبة لك في شهر أو بضعة أيام، تحمل بعدها جواز سفر كندي لتدخل بلادك المزيفة؟! 

أمشي في إسطنبول وتتناهى إليّ لغات كثيرة، الإسبانية والفرنسية والهندية والإيطالية وأقول: “ما أسهل أن تتحدث لغة أجنبية وما أصعب أن تكون سورياً”.

التلاشي ليس خياراً أو فلنقل إن السوريَّ لم يختر الاختفاء أو أن يكشط الخوف والألم والنزوح القاسي صوره وأحلامه، قد نجد إجابات لو بحثنا، من تلك التي تتعلق بأزمات الجوازات والطباعة وغيرها، لكن بالنسبة لي ولكثيرين هناك سرٌّ أعمق، هناك إشارات تأتينا من صورنا التي ترتجف مثلنا فتسقط ملامحها رويداً رويداً.

التلاشي بالنسبة للسوريين أكثر تعقيداً من مجرد صورة مكشوطة، أعتقد أن اختفاء صورنا رويداً رويداً جاء بعد سلسلة طويلة من التلاشي، اختفاء منازلنا، أحلامنا، أصدقائنا، عائلاتنا وأوطاننا، ولم يبقَ سوى أن نتلاشى نحن أنفسنا حتى تكتمل حكايتنا. حينها سنمدُّ جواز سفرنا الذي لا يحمل صورة أو سنكون في الصورة بعين واحدة أو فمّ في أحسن الأحوال، وسيتركنا الموظف نمرّ ببساطة، فنحن من نحمل صوراً متلاشية لأننا سوريون وحسب.

إقرأوا أيضاً: