fbpx

لمَ نخاف أن نخسر بلاداً لم تكن يوماً لنا يا آيلا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هي هكذا البلاد يا آيلا، هي أن نخاف من الرحيل فنبقى، وعندما نبقى لا تترك لنا شيئاً، لا الحب، ولا الأمل، ولا الحلم. هي أن يرحل الرفاق، أن ترحلي أنتِ ويبقى الطغاة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

العزيزة آيلا

في البداية أخبريني عنك، فقد انقطع التواصل بيننا منذ فترةٍ طويلة، ربما لأنني تجاهلت آخر رسالة منك، ولكن أعذريني فالمسافات تجعل الأمور أصعب…

أكتب لكِ من بيروت، من أحد المقاهي التعيسة في المدينة التي بنيْنا فيها أحلامنا يوماً ما، المدينة التي تمنع الحلم، المدينة العائمة فوق خيبات أبنائها، المدينة التي خسرت سحرها والكثير من ناسها. أجلس هنا وحدي يا آيلا، وأشرب قهوة الصباح. وحدي لأن الأصدقاء رحلوا، تماماً كما رحلتِ أنتِ. أنظر إلى شوارع المدينة، الشوارع التي امتلأت يوماً ما بالثائرين، الشوارع التي مشينا فيها نتحدّى النظام ونهتف لإسقاطه، الشوارع التي رفعنا فيها أصواتنا للمرّة الأولى، وتجرّأنا على الطغاة وعلى الحلم، الشوارع التي استعدناها في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، خسرناها اليوم مرّةً أخرى يا آيلا. فالمدينة اليوم تبحث عن المتمردين، تستغيث بهم من أجل إنقاذها من وحش النظام، ولكن عبثاً يا آيلا. وحدها الشعارات التي خُطّت على جدران وحيطان المدينة أثناء الانتفاضة بقيت لتذكّرنا بحلمٍ عجزنا عن تحقيقه، حلمٍ لم يبصر النور. ولكن حتّى الشعارات على الجدران غيّرت سياقها، لا شيء هنا يبقى على حاله يا آيلا، فبعد أن كانت حادّة، مواجِهة، تعطينا القوّة، أصبحت اليوم أسيرة تعاسة المدينة وناسها. ومن بعض العبارات على سبيل المثال “ليه العالم اللي لازم تضل بتفلّ؟”، “ليلّي بعدن هون: منكن لحالكن أنا كمان مش فالة”، “لأيمتى رح نضلّ ناجين؟”، وغيرها…

أتعرفين يا آيلا، عندما فجّروا العاصمة في 4 آب ظننت أن النظام سيسقط من هول الجريمة، ظننت أن فظاعة ما ارْتُكب ستطيح بالطغاة، ولكنّي كنت واهماً يا آيلا، كنت واهماً وكانوا هم كما دائماً أصناماً جائرين… فقد استشرسوا أكثر، اشتدّت قبضتهم أكثر، أعادوا إنتاج نفسهم من جديد كأن شيئاً لم يحصل. أكثر ما يزعجني هو أن كثيرين نسوا ما حصل في ذلك اليوم، نسوا الموت الذي لفّ المدينة وانقضّ على ناسها فجأةً، نسوا صرخات الرعب ومن بعدها أنين الصمت الذي غيّم على بيروت وكل لبنان، نسوا أنّ المدينة سقطت فوق رؤوس ناسها وقتلتهم. وأنا خائف من أن ننسى نحن أيضاً يا آيلا، لا أريد أن أنسى ما حصل، أريده أن يبقى في ذاكرتي دائماً كي أحقد كل يومٍ على النظام وأصنامه أكثر، وفي الحقيقة أريد أن يبقى في ذاكرتنا كي لا نخسر إنسانيّتنا يا آيلا…

أعذريني، فقد قررت اليوم أن أُظهر ما في داخلي، من أجل الاستمرار بمقاومة ما يحصل في الأيام المقبلة.

قد أرحل أنا أيضاً قريباً، بدأت منذ بضعة أشهرٍ ببعض الإجراءات بداعي الهجرة، وتنقصني الخطوات الأخيرة فقط، ولكن لا أعرف إذا كنت سأقدر على فعلها هذه المرّة. لا أحبّ أن أذهب من هنا، ليس أملاً بتغيير قد يحدث، فما دُمّر لن يعود. ولكن في كل مرّة أقترب من الرحيل أفكّر بأنّني إذا رحلت لن أعود مرّة أخرى، وهذا يخيفني. لا أحب أن أترك هذه البلاد، ليس أملاً أو حباً بها، بل خوفاً، خوفاً من أن أخسرها. ولكن، لماذا نخاف أن نخسر بلاداً لم تكن يوماً لنا يا آيلا؟ لما نخاف أن نخسر ما لم نملكه يوماً؟ 

في حديثٍ مع أحد الرفاق قال لي، أن الراحلين جبناء، وأننا نحن الباقين  هنا شجعان. ولكنّه مخطئ يا آيلا، فأنا ومن مثلي بقِيَ هنا جبناء، جبناء لأننا عاجزون عن ترك بلادٍ تجلدنا وتركلنا بعيداً منها كل يومٍ من الصباح حتى المساء ونحن نتمسّك بها أكثر.

هي هكذا البلاد يا آيلا، هي أن نخاف من الرحيل فنبقى، وعندما نبقى لا تترك لنا شيئاً، لا الحب، ولا الأمل، ولا الحلم. هي أن يرحل الرفاق، أن ترحلي أنتِ ويبقى الطغاة.

لما كل هذه الخيبات يا آيلا؟ أين أخطأنا بحقّ هذه البلاد؟ أي ذنبٍ ارتكبنا لنحصد كل هذا الخراب؟ أنا غاضب يا آيلا، غاضبٌ جداً من كل ما يحصل حولي، غاضبٌ من وقاحة هذه البلاد وجنونها. ولا شيءٌ يطفئ هذا الغضب، لا شيء.

أعذريني، فقد قررت اليوم أن أُظهر ما في داخلي، من أجل الاستمرار بمقاومة ما يحصل في الأيام المقبلة.

إلى اللقاء يا آيلا، إلى اللقاء في حال التقت أقدارنا مرّةً أخرى…

محمد

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.