fbpx

لبنان: الرديئون وقد التقوا على محاربة “خطر المثلية الداهم”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مجتمع يعيش صراعاً للبقاء، يبدو أكثر تسامحاً بآلاف المرات من سلطاته الدينية والسياسية في التعامل مع الفئات المهمشة. ليس لأنه غير مكترث، بل لأنه أكثر انفتاحاً من رؤسائه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا لقاء نادر الحصول: المطران الياس عودة (رجل دين مسيحي). مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان (رجل دين سني). أحمد قبلان (رجل دين شيعي يضاف إلى ألقابه أنه المفتي الجعفري الممتاز ووارث الامتياز عن والده المفتي الجعفري الممتاز). حسن فضل الله، شبه شيخ وممثل في البرلمان عن “حزب الله” (حركة اجتماعية- ثقافية). جنود الرب (حركة اجتماعية ثقافية صاعدة ومنافسة للحركة الأخرى آنفة الذكر، تضم مجموعة من الذكور المعتوهين). بسام المولوي (وزير الداخلية المعتمد في حكومة تصريف الأعمال، لا قيمة ولا شأن لا له ولا لحكومته في أي محفل، لبناني، إقليمي، دولي أو حتى ماسوني). وآخرون أدلوا أو سيدلون بدلوهم تباعاً.

هؤلاء، بتنوعهم السياسي- الأيديولوجي المؤسس لمجموعة من الصراعات اللامتناهية، اجتمعوا على التصدي لـ”ظاهرة الشذوذ الجنسي”. فضل الله، المربي وشبه الشيخ، أضاف من عنده التصدي للميوعة، تاركاً للاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين وعلماء الجينات الوراثية وخلافهم تفسير معنى “الميوعة” التي ليست وحدها سبب اشمئزازه الدائم، لكنها لا شك واحدة من عوارض هذا الاشمئزاز المتصل الظاهر على ملامحه وملامح رفاقه في الكتلة. 

دريان قرر في دقيقتين من خطابه الذي يشبه في أدائه غبطة تلميذ يستجدي تصفيق الحضور على إلقائه معلقة جاهلية، نسف بضعة قرون من الزمن والعودة بالمجتمع إلى عصر اكتشاف أهمية الكهف كبديل عن تسلق الشجرة. الممتاز وعودة لم يبذلا أي جهد يذكر في الإتيان بفكرة جديدة (من أين يأتيان بها؟) خارج منظومتها المصفوفة منذ فجر الرجعية. 

جنود الرب، التجربة المسيحية لـ”حزب الله”، تمكن مشاهدة فيديوهاتهم على صفحتهم على “فيسبوك” ليس للتسلية، لأنهم منتشرون وخطرون وعلى أهبة الافتراس. لو أنهم، بعضلاتهم وهرموناتهم الربانية الفالتة على غاربها، محاطون بسياج، لكان بالإمكان الفرجة عليهم من بعيد. لكنهم سارحون في شوارع الأشرفية وغيرها، فيرجى الانتباه.

يبقى بسام المولوي، درة التاج، وصولجانه. هذا وزير داخلية لبنان، يصدر بياناً مختصراً يستحضر فيه لغة بائدة لمنع “تجمعات الشاذين جنسياً” حماية للفرد والمجتمع والسماء، وتلبية لطلب المراجع الروحية.

المصطلحات واللغة الحازمة والقاطعة في البيان تحيل إلى ديكتاتورية يرأسها جنرال أبله، حيث لا كلمة تعلو فوق كلمته أو تنزل تحتها. نظام نازي يصدر حكماً مطلقاً بأقلية ما، يراها غير مستحقة وجودها فيجيش مناصريه ضدها ويرسل شرطته السرية في إثرها ليبيدها. المولوي ليس ضابطاً نازياً لحسن حظنا ولا يملك مهارات النازيين. هو أقرب إلى تقليد سيئ لوزير داخلية سابق (إلياس المر)  كان يتعامل مع اللبنانيين تعامل سوبرمان مع سكان مدينته في المجلة المصورة. يقرر فجأة القضاء على ظاهرة عبدة الشيطان قبل أن يطير إلى بنك في الحمراء ليسحب فتيل الانفجار من حزام ناسف لمواطن حانق في حينها. تعامل المولوي مع المثلية يشبه إلى حد بعيد استعراض سوبرمان مع “عبدة الشيطان”. لكن تصرف وزير الداخلية الحالي، أشد خطورة بكثير، إذ إنه يمثل، في ما يمثل، السلطة السياسية القائمة. وهو، إذ يتوجه بمثل هذا الخطاب التمييزي التحريضي ضد فئة بعينها، فإنه كمن يطلق يد عسكره للإمعان في إيذاء أفراد بسبب هويتهم الجنسية، كأنها ذنب، بل عدم تقبل السلطات الروحية والدينية والسياسية لها، وعدم فهمها هو ذنب هذه السلطات مجتمعة. وتفاخر “جنود الرب” بالتعدي على لوحة في مساحة عامة ينبغي أن يلاقيه المولوي لهؤلاء الغاضبين الصارخين دوماً، كما ينبغي منه تشجيعهم على تلقين أي شخص يتسم بالميوعة بحسب معايير فضل الله درساً لا ينساه أو تنساه في الرجولة والتخشن. وليكن هذا البلد الغابة غابة تامة المواصفات فيقضي الروحيون، بمعية جنود الله والرب على “الظاهرة” التي تهدد، لا أحد يعلم كيف، قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا الرفيعة التي نعرفها وتعرفنا، تبدأ بالطبقة الروحية، قدس سرها، وتنزل إلى السياسية والعسكرية، وتمضي لتصل إلى وزير داخلية مثل المولوي، يظن أن البلد، على فوضاه ومآسيه، يمكن أن يُدار كما تدار الديكتاتوريات العسكرية الايديولوجية المحيطة. 

إقرأوا أيضاً:

ما أقدمت عليه هذه الباقة الترهيبية من تعاطٍ فوقي وتمييزي وتحقيري مع المثليين والعابرين جنسياً، أفراداً ومجموعات ناشطة حقوقياً وسياسياً، هو بمثابة تحريض مباشر يشكل تهديداً على أمن هؤلاء الجسدي والمجتمعي. وإذا كنا لن ننتظر من رجال دين ومعتوهين أقل من ذلك، فالسلطة نفسها ذات الرؤوس الثلاثة، نجيب ميقاتي ونبيه بري وميشال عون، عليها أن تكون، ولو شكلاً، درعاً حامياً لهؤلاء الناس، وليست صامتة عن وزير لم تمطر عليه أي غيمة فهم للتحديث الذي طاول مفهوم وزارة الداخلية، وما يبتع لها من أجهزة، ما زالت في لبنان يا ربي كما خلقتني في بداية القرن الماضي.

ليس مهماً تنبيه الوزير والروحيين إلى أن البلد يتخبط بمصائبه المستعصية اقتصادياً واجتماعياً. فالاستستخاف بالقضايا المحقة لطالما جاء من هذا الباب. انهيار الليرة الهستيري لا يلغي حق المرأة في الحضانة المعتقل في المحكمة الجعفرية. سعر صفيحة البنزين لا يلغي الحق بقانون موحد للأحوال الشخصية وبحق الزواج المدني وبحق الجنسية لأبناء اللبنانية.  لماذا تستمر السلطات الروحية على جبروتها وقوتها في أزمان الحروب والسلام والصعود والانهيار، من دون مساءلتها في الدور الذي لعبته وتلعبه عمداً في هذه الأزمات، بينما تقمع القضايا المحقة المستدامة لأن البلد في أزمة؟ ولماذا تسمح لنفسها بشيطنة فئة من دون أن يسائلها أحد في شياطينها الضالعة في كل أنواع الفساد المالي والأخلاقي، وصولاً إلى التستر على المتحرشين والمغتصبين و”البيدوفيل” في هذه الأقبية الموزعة بالتساوي، شكراً للسماء، على الطوائف جميعها.

لماذا يحق لهم تلقين الأطفال في مدارسهم بما يشاؤون، ويفرضون عليهم لباسهم ومفاهيمهم وحتى علومهم، ولا أحد يتدخل بهم، ثم يجدون أن لهم كل الحق في التدخل بخيارات الأفراد الذين لا ينتمون إلى عباءاتهم إلا بسبب قوانين تحدد للأجنة طوائفهم لحظة يتشكلون.

المثلية هي الخطر الداهم على المجتمع، قال المشبَعون ذكوريةً. كيف؟ 

لا يوجد مثلي واحد مُعلن، شيخاً كان أو كاهناً أو سياسياً أو موظفاً أو عسكرياً. وليس خافياً أن المجتمع، مرة من جديد، في أخطر أحواله. 

عائلات تغرق في البحر هرباً من الجنة، وشبان بات حلمهم ليس الفيزا بل الحصول على جواز سفر. مجتمع مسحوق يقف في صف الخبز ساكتاً، يجترح المعجزات لتأمين الكهرباء، والماء ويسكت. يبحث حول العالم لتأمين بدائل عن أدوية سرطان أسعارها خيالية ويسكت. مجتمع يعيش صراعاً للبقاء، يبدو أكثر تسامحاً بآلاف المرات من سلطاته الدينية والسياسية في التعامل مع الفئات المهمشة. ليس لأنه غير مكترث، بل لأنه أكثر انفتاحاً من رؤسائه. ليس عدوانياً كما المطران والمفتي والممتاز والوزير وشبه الشيخ. هؤلاء الذين ليس فيهم مثلي واحد ويشكلون متضامنين، أكبر خطر على المجتمع.

التقت المنظومات المتنافرة على رهاب المثلية. هنا الوردة، فلنرقص هنا. خطر داهم على المجتمع، هؤلاء، كل المجتمع. لكن الفئة المستهدفة تجيد الدفاع عن نفسها. خطرون، لكن الزمن غير الزمن. خطرون. هنيئاً للرداءة بكل هؤلاء الرديئين. هم الذين ينبغي التحذير منهم، ومن أثرهم المدمر، ومن اتفاقهم حين يتفقون، لأنهم لا يجتمعون على خير أبداً. رديئون وكثيرون، حتى نكاد نقول، هنيئاً للرداءة بكل هؤلاء الرديئين. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!