fbpx

الحوار السعودي- الإيراني: رمال السياسة المتحركة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تتخوف الرياض من رد فعل طهران في حال فشلت المفاوضات في فيينا. وهذه النقطة تجعل نتائج الحوار السعودي- الإيراني غير ملموسة إلى الآن”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ماذا يعني إعلان استئناف الحوار السعودي- الإيراني بالتزامن مع قمة جدة، منتصف تموز/ يوليو المقبل، والتي سيحضرها الرئيس الأميركي، جو بايدن؟

المؤشر الأول هو رغبة إقليمية دولية بكسر الجمود في مفاوضات فيينا ودخول قطر كوسيط، كما أن السياق الإقليمي الذي يشهد تحركات جمّة، يبرز جملة دلالات خلاصتها وجود رغبة في التهدئة والشراكة لتجاوز المعضلات الاقتصادية والأمنية، وفي مقدمها أزمة الطاقة، بينما تشهد قمة العام تغييرات جيوسياسية مؤثرة. 

ثمّة ضرورة لتخفيض حدة الصراعات والاستقطابات المحتدمة بين دول الإقليم، بخلاف ما حصل خلال العشرية الأخيرة، بين دول الرباعي العربي (مصر، الإمارات، السعودية، البحرين)، وقطر، مثلاً. فضلاً عن إنهاء عسكرة بعض الملفات التي تعيق التوصل إلى تفاهمات بين الخصوم السياسيين والإقليميين، ومنها الأزمة اليمنية، وكذا إحياء الاتفاق النووي.

الجولات المكثفة التي قام بها قادة المنطقة قبل زيارة بايدن، تحديداً خلال الشهر الحالي حزيران (يونيو)، تؤشر على وجود تفاهمات تجري بين الخصوم السياسيين، أساسها اقتصادي استثماري (وجود وفود اقتصادية مشتركة في زيارات الملوك)، وعلى المستوى الأمني (الإشارة المتكررة لأمن الموانئ والملاحة الدولية في الخليج والبحر الأحمر). والأخير يؤدي دوراً استراتيجياً في مجال الطاقة، ونقل وتوريد الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا.

إذاً، يضيء السياق الإقليمي الجوانب المعتمة والتفاصيل الخفية في مسألة الحوار السعودي- الإيراني الذي شهد خمس جولات، منذ نيسان/ أبريل العام الماضي، بواسطة عراقية وعُمانية، بينما يخيم الغموض على ملابسات وتفاصيل تلك اللقاءات، ونتائجها، التي تبدو وكأنها تسير على كثبان من رمال السياسة المتحركة. 

والانعطافة الأميركية تجاه السعودية تعكس اضطراراً على خلفية الحاجة إلى النفط بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وتحقيق سياسة الاحتواء، أيّ احتواء طهران. إذ يثير نفوذ الملالي المستجد في أميركا الجنوبية وأفريقيا والهند مخاوف واشنطن. وقد انتقل بايدن من سياسة “الضغط القصوى” الترامبية إلى الديبلوماسية القصوى. 

وخلصت إدارة بايدن إلى أنّ احتواء إيران أمر محتوم، كما يتطلب ذلك إعادة ترتيب العلاقات في الشرق الأوسط، ومراجعة السياسة الخارجية. وتقديرات الإدارة الأميركية الحالية تؤكد الحاجة الكبيرة إلى النفط، حتى عام 2050، بحيث لا يتراجع عن مستوياته الحالية التي يتطلبها العالم (100 ملايين برميل يومياً). مع الأخذ في الاعتبار أنّ الرياض تنتج نحو 10 ملايين برميل يومياً. 

ماذا يعني إعلان استئناف الحوار السعودي- الإيراني بالتزامن مع قمة جدة، منتصف تموز/ يوليو المقبل، والتي سيحضرها الرئيس الأميركي، جو بايدن؟

الاستيراد الأميركي للنفط من منطقة الشرق الأوسط يصل إلى حدود 65 مليار دولار سنوياً، وقرابة 30 ملياراً منه مواد طاقة ونفط. كما يبلغ التصدير الأميركي إلى الشرق الأوسط والسعودية نحو 77 مليار دولار سنوياً، وفق إحصاءات عام 2019، والمؤشرات كلها تتجه إلى الارتفاع لا التراجع.

اللافت أنّ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي زار السعودية ثم إيران في الفترة الأخيرة عرج على مجموعة من الملفات الحيوية، منها إحياء الحوار بين الخصمين الإقليميين، وكذا مشاركة الكاظمي المحتملة في قمة جدة، وفض أيّ التباسات حول هذه المشاركة، وتحديداً في ما يتصل بانخراط بغداد في أحلاف عسكرية (الناتو العربي) ضد إيران.

المكتب الإعلامي للكاظمي، وعبر حسابه في “تويتر”، قال إنّ اللقاء جدد “تأكيد تدعيم التكامل الاقتصادي، والتعاون البيني بما يعزز التنمية المستدامة في المنطقة، ويقوي الجهود الثنائية لمواجهة الأزمات الاقتصادية”.

وعليه، فالمفاوضات بين طهران والرياض لها محددات لا تنتهي بمجرد البدء بالمحادثات. فمن الواضح أنّ التقدم في تلك المفاوضات يعتمد على إيجاد مقاربة، عملية وسياسية، لمجموعة حلول وليس حلاً واحداً، كما يوضح المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، والذي يشير لـ”درج” إلى أنّ إيران تريد أن تستثمر في تلك المحادثات لجهة الضغط على المجتمع الدولي لتوقيع الاتفاق النووي، بما يخدم مصلحتها، المحلية والإقليمية.

إذا حققت طهران تقدماً في تلك المفاوضات مع الرياض قبل إحياء الاتفاق النووي، فإنّه يعتبر مكسباً للنظام الذي يجلس على قمته أحد الصقور المنتمي للجناح الراديكالي والمتشدد والقريب من مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي. كما أنّه سيحقق للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، فرصة مهمة لتجاوز العقوبات الأميركية، وذلك بالانفتاح الاقتصادي التجاري والاستثمار مع دول الإقليم، ورفع القيود المفروضة، يقول الزغول.

الباحثة والمترجمة المصرية شيماء علي، المتخصصة في الشؤون الإيرانية، ترى أنّ الحوار السعودي- الإيراني يبدو ملغماً وقابلاً لسيناريوهات واحتمالات عدة، وتؤكد، في المقابل، على أنّ السعودية تضع نصب أعينها الملف اليمني كنتيجة وأثر فوري تطمح للوصول إليه من تلك المفاوضات، حيث ترغب القيادة في المملكة إنهاء الأزمة التي كبدت الرياض خسائر جمّة.

وفي حديثها لـ”درج”، توضح الباحثة والمترجمة المصرية أنّ الكاظمي خلال زيارته طهران، ناقش فكرة حصول “حوار عربي- إيراني” على نحو أوسع، وقد رحب الإيرانيون بذلك، لكنهم بانتظار ما سوف تسفر عنه زيارة بايدن إلى المنطقة. وألمحت إلى أنّ تشابك الملفات وتعقدها يعطل الكثير من نتائج هذا الحوار، أو بالأحرى تجعل هذه النتائج لا تتحقق برغم الوصول إلى اتفاقات “على الورق”. 

وتردف: “كان يفترض إنهاء القطيعة الديبلوماسية، وفتح السفارات بين البلدين، والتي تم إغلاقها بعد إعدام الرياض رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. كما تم التراجع عن التفاهمات المقبولة بينهما بشأن الملف اليمني، بسبب مخاوف الرياض من مسار مفاوضات فيينا”.

إقرأوا أيضاً:

تتخوف الرياض من رد فعل طهران في حال فشلت المفاوضات في فيينا. وهذه النقطة تجعل نتائج الحوار السعودي- الإيراني غير ملموسة إلى الآن، تقول محمد.

وبسؤال الباحثة والمترجمة المصرية عن تداعيات مشروع القانوني الأميركي الذي يهدف إلى تدشين منظومة للدفاع الجوي والصاروخي لمواجهة تهديدات إيران، وذلك بمشاركة عدد من الدول العربية وإسرائيل، تجيب: “الشراكة السعودية في هذا الأمر ستكون ضربة بالطبع للحوار الإيراني- السعودي. لكن بغض النظر عن احتمالات مشاركة الرياض من عدمها، هناك نموذج الإمارات التي اتجهت للتطبيع مع إسرائيل، بينما العلاقة بينها وبين إيران ليست متدهورة، بصورة كبيرة. صحيح هناك خلافات مع أبو ظبي، لكنها لا ترقى لصدام عنيف”.

الأزمة أنّ إيران غير قادرة على تقديم ضمانات كافية للسعودية. ولذلك، فإنّ الأخيرة تعطل مسألة إعادة فتح السفارات، وفق المصدر ذاته. كما أنّ خطوة إسرائيل في هذا السياق، ربما، تعطل، بشكل مرحلي، التقارب السعودي- الإيراني، لكن، في الوقت نفسه، لن تؤدي إلى انهيار الحوار بالمحصلة؛ لأنّ كل طرف بحاجة إلى إنهاء أزمة اليمن.

وبالعودة إلى المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، فإنّ المملكة العربية السعودية تضع شرطاً للتقدم بهذه المفاوضات، مفاده أن تكون هناك مقاربة تضمن معالجة مشكلات المنطقة المتفاقمة، بخاصة في اليمن وسوريا ولبنان، فضلاً عن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، يلامس حدود المبادرة العربية. وهذه المقاربة تقود الرياض نحو الاستكشاف التدريجي المبني على “الضمانات الأمنية” في المنطقة وليس كمجرد اتفاق بين بلدين.

الضمانات الأمنية المطلوبة من إيران هي “عنوان رئيسي” لتلك المحادثات من خلال التركيز على تماسك مجلس التعاون الخليجي، وفق الزغول، وتبني مقاربة واحدة لجميع الأعضاء، إضافة إلى التماهي مع أهداف الحلفاء في العالم وفي المنطقة العربية. وبهذا لا يمكن الفصل بين أمن أي عضو وعضو آخر في مجلس التعاون الخليجي أمام إيران، إلا إذا كانت الضمانات الأمنية شاملة لا مجزأة. 

يتفق الزغول مع الباحثة والمترجمة المصرية المتخصصة في الشؤون الإيرانية، بأنّ طريق المفاوضات طويل. غير أنّه ألمح إلى إمكانية أن تقصر في حال تم توقيع اتفاق نووي بين أميركا وإيران يقود إلى التهدئة وعدم استخدام الميليشيات الايرانية كـ”ورقة ضغط” في المفاوضات. 

في المحصلة، المفاوضات بحاجة إلى ضامن دولي يوثق تلك المحادثات التي ما زالت سرية ولم تخرج إلى العلن، وكي يلزم طهران بالوفاء بالتزاماتها تجاه المنطقة، وفق المصدر ذاته. وما سرية هذه المفاوضات سوى تعبير عن مسائل كثيرة عالقة لم يتفق عليها الطرفان، وما زال البحث جارياً عن مقاربة يمكن أن تمهد لإخراج المفاوضات إلى العلن تحت شعار “الضمانات الأمنية”.

إقرأوا أيضاً: