fbpx

مساكن الطبقة الوسطى في مصر…
لماذا يلحون علينا لشراء شقة بملايين لا نملكها؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدلاً من محاولة إيجاد حلول بديلة، أكملت المؤسسة الرئاسية خلال حكم حسني مبارك عملها في تجاهل أزمة الإسكان، وبدأت في الانبطاح للقطاع الخاص والترحيب ببيع أراضي مملوكة للدولة بأسعار زهيدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وأنت جالس في أمان الله، تفكّر في الإيجار المستحق عليك، وكتلة الفواتير التي ستطرق الباب قريباً، تجد مكالمة أو رسالة على هاتفك، تشجّعك على الخوض في مشروع استثماري جديد مع تسهيلات لناحية السداد والأقساط. وحين تحاول مقارنة قيمة العقار المقترح مع مستوى دخلك الشهري، تجد أنك تحتاج إلى العمل سنوات طويلة لشراء شقة في تجمّع سكني خاص على أطراف المدينة.

لسنا بصدد مشهد خيالي، منذ فترة ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مكالمات تعرض الاشتراك في تجمع سكني ما، مع تعليق من المتصل بهم لا يخلو من سخرية من نفسه. وصل الأمر في مرات، خلال موجة التسليع والعرض والطلب، إلى تسويق مدافن بحسب موقعها ومناخها.  

تعاونية ناصر 

تحقق المنجز السياسي لـ”حركة الضباط الأحرار” في منتصف الخمسينات بعد تولّي جمال عبد الناصر الرئاسة، وبدء ما سُمّي آنذاك “المشروع الناصري”. أصبح لدينا مشروع قومي ودولة تحوّل دفّة المرجعية إلى الاتحاد السوفياتي، والأهم، طموح خلق مجتمع صناعي منتج أكثر منه استهلاكي. ضمّن عبد الناصر الطبقة المتوسطة، كوقود أساسي في حركة الدولة، من ناحية تسيير الأحوال المدنية المتعلقة بالقطاع العام والحراك العمّالي، رمّانة الميزان في استدامة الإنتاج.

استوعبت دولة ناصر المركزية الاقتصادية الطبقة الوسطى، وفرت لها مكانة جيّدة في القطاعات الخدمية، أولها توفير سكن. يمكننا وصف الطبقة المتوسطة خلال هذه المرحلة، بأنها قُسّمت إلى جزءين، جزء متعلم يشغل وظائف مدنية، وجزء آخر يمثّله العمّال، كان هناك انشغال أكثر بالفئة المرئية من الطبقة الوسطى، توفرت لها مشاريع تعاونية جديدة مع تسهيلات في الدفع ودعم في قيمة السكن، حتى إن التكدّس القاهري حين ظهر في بين عامي 1955 و1959، عمّر القطاع الهندسي العام منطقة مدينة نصر، ليشغلها الموظفون والمهنيون.

بجوار المشاريع الخدمية، من إنشاء مناطق وتوفير فرص وتسهيلات لشراء أراض تابعة لنقابات عمّالية، حددت الدولة بالقانون رقم 64 عام 1961 ما يعرف الآن بـ”الإيجار القديم”، لتحديد  قيمة الإيجار السنوي للمسكن يتم دفعها من خلال قيمة 8 في المئة من سعر الأرض و5 في المئة من سعر تكلفة المبنى.

يشير كتاب “نشتري كل شيء- دار المرايا” إلى أنه وفق نمط السكن عند الطبقة الوسطى خلال أوائل مرحلة عبد الناصر، لم تكن للعقار الممتلك قيمة اجتماعية أقوى من العقار المستأجر، ذلك أن الخيارين كان كل منهما في إطار التناول، ولم تكن هناك أزمة سكانية، في المدن.

ارتضت فئات الطبقة الوسطى بالاتفاق غير المعلن مع المؤسسة، أن تكون الوقود الفعلي للمشروع القومي الناصري، مع تقديم تسهيلات سكنية ونظام وظيفي مقبول، ربما لأن فكرة “السكن” عند الطبقة الوسطى هي المشكّل الأساسي لفكرة الأمان الأولي في الحياة. أن تمتلك مأواك الخاص، دون احتمالات تهديد بالإخلاء، أو ميوعة الحيثيات الاقتصادية التي تخلق فجوة بين الدخل والمتطلبات. 

المشروع الناصري لم يدم طويلاً، وخلال تداعي الدولة الناصرية، تداعت أيضاً أكوادها، وجاءت مرحلة السادات التي أطاحت بالمشاريع الخدمية، وأحالت كل شيء إلى سلعة محتملة للبيع، حيث البقاء متاح لمن يستطيع الدفع أكثر. 

خصخصة السادات

بعد حرب أكتوبر، في نيسان/ أبريل 1974، صدرت “ورقة أكتوبر” التي بشّرت بالانفتاح الاقتصادي، وإعادة توجيه دفّة الاقتصاد المصري إلى فرش طريق الاستثمار للقطاع الخاص بتسهيلات كثيرة. لخلق تشابكات، حول شكل الطبقة المتوسطة وتغيّراتها، نستعيد أحد تعريفات الطبقة المتوسطة التي ذُكرت في كتاب “أخلاقيات الطبقة الوسطى- Middle Class Moralities”. يرتبط تعريف الطبقة الوسطى بالقدرة على التحكّم في البيئة المحيطة، من خلال فاعلية الاشتباك واحتمالية التأثير، لأنها، تعيش على القبض على أكوادها الأخلاقية/ العرفية/ الدينية، والتي تفصلها بشكل ما عن تلاشي الأكواد الحاكمة عند الفقراء، وكذلك تفصلها عن براح الثراء الهارب من الأكواد نفسها.

تفاقم الخلل الطبقي أكثر، عندما فقدت الطبقة الوسطى قدرتها على التأثير في محيطها خلال مرحلة السادات، لأنها بدأت في فقدان إمكانية الحصول على سكن، المشكّل الأولي للتأثير في المحيط.

يذكر الباحث العمراني والسياسي يحيى شوكت في كتاب “أزمة الإسكان في مصر- Egypt’s Housing Crisis” أن الأزمة السكّانية نشأت في مصر في السبعينات، حين تحول النمط السائد لحيازة المساكن إلى ضرورة  التمليك، وأسباب هذه الأزمة المركزية كانت نشوء “سوق العقارات” بمعناه الاقتصادي والتوجيه النفعي، أي تحويل الفراغ السكني من مادة للمنفعة الخدمية والاستهلاكية، إلى مادة استثمارية تبادلية قائمة على التربّح.

العوامل الاجتماعية والسياسية المحيطة، ساعدت في تفحّش سريع لتحكمات سوق العقارات، نظراً إلى أن القطاع الخدمي لم يعد ضمن اهتمامات المؤسسة، لذلك أصبح قطاع الطبقة الوسطى عرضة للتهديد في أسس عيشه، السكن وفرص العمالة ومعقولية سعر المواد يومية الاستهلاك. 

بسبب صعوبة القدرة على مواكبة الحراك الاستثماري السريع، طفت على سطح تجمعات الطبقة الوسطى ظاهرة السفر إلى الخليج، يذكر كتاب نشتري كل شيء أن عدد المهاجرين المصريين إلى الخليج وصل إلى مليوني مهاجر في الثمانينات، متوسط التعداد السكاني في المرحلة ذاتها كان 50.4 مليون نسمة.

لم تتشكل نسبة الهجرة العالية من فراغ، وكذلك لم يسلم سوق العقارات المصري من تبعاتها. طبقاً لإحصائية في كتاب “القاهرة السينمائية- دار المرايا” حوّلت العمالة الخليجية إلى ذويها في مصر 1.4 مليار دولار بين الأعوام 1974 و1977، تم استثمار 40 في المئة منها في السكن، وانقسمت  بين قطاعين، الأول يمثّل أصحاب شهادات عليا، عدد المهندسين والأطباء المهاجرين إلى الخليج في نفس المرحلة شكّل 25 في المئة من مجملهم في مصر، والذي حاول شراء مسكن إضافي، لتأمين زيجات الأبناء، والقطاع الآخر مثّل العمالة اليومية وأصحاب الشهادات المتوسطة ومحو الأمّية، وهناك كود متحكّم في عرف هذا القطاع، يجعل من الضروري “تجميد” الأموال والمدخرات من خلال أصول عقارية، من شقق وأراضٍ.

حول العلاقة بين رفع الدولة يدها عن المشاريع الخدمية العائدة للطبقة الوسطى وبين تحكّم المستثمرين وسماسرة العقارات، هناك نموذج مهم قدّمه الباحث إبراهيم عبده بعنوان “الحياة الاقتصادية للمساكن الشاغرة: حالة مدينة بدر”. أنشئت مدينة بدر بقرار رئاسة الوزراء عام 1982، في إطار محاولة شغل فضاء الفراغ الواسع على امتداد طريق مصر اسماعيلية الصحراوي وتخفيف التكتّل السكني في العاصمة وحل أزمة الإسكان، قبلها بخمسة سنوات تم إنشاء مدينة العاشر من رمضان، مشروع صناعي تمت محاولة إحاطته من خلال مشاريع سكنية في مدينة العاشر، ومن خلال مدينة بدر لاحقاً.

أنشئت مدينة “بدر” في إطار مشروع “الاستقرار الاجتماعي والرخاء الاقتصادي” غير أن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وضعت حيثيات تشكيل القيمة الفعلية للمساكن في يد استثمار القطاع الخاص وصغار المطورّين والسماسرة. لم يتم شغل المدينة بالمنشآت الاستهلاكية، من منافذ بيع الضروريات اليومية، وهو ما تعتمد عليه الطبقة الوسطى، المستهلِكة بامتياز، بشكل دائم. من ناحية أخرى، نزعت الدولة يدها عن إنشاء/ تطوير المدينة، وتركت الأراضي الشاغرة تحت يد الاستثمار الخاص، والذي اعتمد على عملية شراء وتدويل الأراضي والمنشآت، حتى أصبحت قيمة الأرض/ المنشأة، تتجاوز الضعف والنصف خلال السنة الواحدة.

 يتم بيع الأراضي خلال مزادات تحت إشراف عام، يأتي كل مطوّرٍ بأشخاص من معارفه وأهله، يقدّم الجميع في المزاد المعلن حتى يضمن أحد المطورين استقرار المزاد عليه، ثم يباع بعد ذلك مباشرةً لشركات تملك قدرة اقتصادية وتداولية، وبنسبة ربحية معقولة. 

خضعت المدينة لتراتبية قائمة على التربّح، تحدد مؤسسات عقارية سعر الأرض على أساس استثماري، ويقوم المطورّون وصغار المستثمرين والسماسرة بالشراكة في رفع سعر العقارات، من خلال العمل على أسلوب العرض وتحقيق أعلى مستوى ربح ممكن عن سعر العقار الأصلي.

خلال هذه الأيام، يتم العمل على مدينة بدر ضمن مشروع المنجز الحضاري المتعلّق بالعاصمة الإدارية الجديدة، لأن بدر هي المدينة الأقرب إلى العاصمة، لذلك ضروري، فجأة، أن تحتاج المدينة إلى إعادة هيكلة بنيتها التحتية، وبناء وحدات سكنية ومنشآت، يتم العمل عليها- برغم التناسي الطويل استمر لعقود- على قدم وساق.

ماراثون

انعكست أزمة الإسكان من الواقع المعاش على السينما. اعتمد مخرجو مرحلة الثمانينات، على الالتزام الواقعي تجاه القضايا المعاصرة، ما أدى إلى ظهور أفلام تتناول أزمات الطبقة الوسطى منها استحالة إيجاد مسكن للزيجات الجديدة. أحد النماذج فيلم “الحب فوق هضبة الهرم” إخراج عاطف الطيب عن قصة لنجيب محفوظ.

 يعاني علي- أحمد زكي من فقر وفراغ وكبت جنسي بسبب وظيفته الحكومية المتواضعة، برغم تعليمه العالي، توافق العائلة على زواج نهى أخته من شخص مقتدر، غير متعلّم، لكنه قادر على تلبية متطلبات الزواج، وكذلك منع زوجته من العمل رغم تعليمها العالي، لأنه لا يحتاج إلى دخلها.  يرتبط علي بإحدى زميلاته في العمل، يخوضان رحلة بحث طويلة عن مأوى مناسب للزواج، لكن بلا جدوى. تتحول المدينة إلى حصار، يمنع عنهما حق الجنس بعد الزواج سراً، وينتهي الأمر بكارثة القبض عليهما عند سفح الهرم.

إقرأوا أيضاً:

حتى فراغ المدينة يلفظ سكّانه!

 الأزمة التي واجهها علي في فيلم “الحب فوق هضبة الهرم”، يتمثّل جزء منها في حالة المقارنة الضرورية بينه وبين زوج أخته، هناك عجز واضح، بين كيان، له تقدير أعلى في طبقته الاجتماعية “الفئة المتعلّمة” وبين آخر يحظى عادة بتقدير أقل “الفئة العاملة”.

خلقت أزمة البحث عن مسكن حالة تنافس داخل فئات الطبقة الوسطى، في كتاب القاهرة  السينمائية عدد المهاجرين الحاصلين على شهادات محو أميّة شكّلوا 35 في المئة من إجمالي العاملين بالخليج في مطلع الثمانينات، وهناك قطاع كبير من متعلمي الطبقة الوسطى من الذين اختاروا البقاء، لأنهم أساس الحراك البيروقراطي والتكنوقراطي للمؤسسة المصرية. نتيجة ذلك، ظهر ما يسمّى “الصاعدين الجدد” وهم الفئات العائدة من الخليج أو من الصاعدين من خلال استثمارات صغيرة في مصر، ليس بسيولة مادية فقط، بل بأفكار وإملاءات جديدة حول الدين والثقافة المجتمعية. رؤوس الأموال الصغيرة نجحت في التأثير في سوق العقارات، من ناحية التمليك وتدويل حركة البيع، أيضاً اعتمدت الفئة العائدة من الخليج على تجميد الأموال بأصول عقارية، وهي فكرة مقدّسة يعرفها من نشأ في منطقة ريفية، غير أنها فكرة على المستوى الاقتصادي، أكثر نجاحاً وربحية.

تحولات مشكلة الإسكان عند مرحلة السادات، لم تتوقف عند أزمة قطاع طبقي كامل، بل تصاعدت إلى خلق تنافس حاد، بين الفئات الداخلية لهذه الطبقة. أعيد تشكيل الطبقة الوسطى من جديد، لتتحول، كما يشير كتاب “الأحلام العالمية”- Global Dreams، من طبقة محلّية في عهد عبد الناصر، إلى طبقة عالمية في أيام السادات، تتنافس وتستقطب أفكاراً استثمارية ومجتمعية جديدة من خلال سياسة الانفتاح والهجرة. 

مسكن تحت إطار التهديد

بالعودة إلى عبد الناصر، يشير كتاب “القاهرة السينمائية” إلى نتاجات أزمة المشروع الناصري، إذ قلّصت مشروع التوسّع الصناعي في 6 مدن وحصرها في مدينة القاهرة، وهنا نشأ النموذج السكّاني “للمدينة المركزية”. شغلت القاهرة وحدها 42 في المئة من الهياكل الصناعية، و27 في المئة من القوى العاملة، بينما تم تجاهل تنمية الأقاليم والمدن الأخرى، التي كانت تمثّل الزراعة قطباً أساسياً في إنتاج معظمها. بسبب التكتل الصناعي في القاهرة، تفشت الهجرة الداخلية من الأقاليم المفقرة إلى المدينة، بتقديرات تساوي ما بين نصف المليون إلى المليون في أواخر الستينات، أدت موجات المهاجرين، مع عدم قدرة القاهرة على استيعاب ذلك الكم من الأفراد، إلى نشوء مناطق العشوائيات على أطراف المدينة.

تسلّمت مرحلة التسعينات هذه الأزمة، لكن بكوارث أكبر أنتجها الانفتاح الاقتصادي، مع الفشل في تنمية الأقاليم وتطويرها إلى مستوى القدرة على الإنتاج، والقاهرة بأطرافها المهترئة أصبحت حلبة للاستثمار والتدويل والتنافس والتربّح.

بدلاً من محاولة إيجاد حلول بديلة، أكملت المؤسسة الرئاسية خلال حكم حسني مبارك عملها في تجاهل أزمة الإسكان، وبدأت في الانبطاح للقطاع الخاص والترحيب ببيع أراضي مملوكة للدولة بأسعار زهيدة.

بعيداً من القاهرة المركزية، يمكننا فهم مدى تفشي الأزمة من خلال تناول المدن الصغيرة، التي تعتبر نموذجاً متأخّراً للتطورات الحاصلة في المركز، وإن بصورة أقل.

في مدينة بورسعيد، تطفو على سطح أزمة تسكين الشباب والمتزوجين الجدد، التجمعات السكنية التعاونية، التي تخضع في الواقع لنظام شديد البطء. تعتمد الزيجات الجديدة على تعزيز فرصتها في استلام السكن المدعوم من المحافظة بعقد القران سريعاً، وإلحاق وثيقة الزواج بملفات التقديم، ومع ذلك، تخضع عملية التقديم والانتهاء من الأوراق المطلوبة واستلام السكن إلى فترات تتجاوز 4 أو 5 سنوات. 

تعتمد الزيجات الجديدة في بورسعيد على الإيجار الجديد، لأن متوسط أسعار شقة بسيطة في مكان متوسط، تبدأ من250 ألف جنيه كحد أدنى، وحتى الإيجارات الجديدة تبدأ من أسعار أكبر من قدرة الشباب المتزوج، لكن تبقى الفجوة بين الدخل وقيمة الإيجار أكثر قبولاً من استحالة التمليك. 

حول هذه الأزمة، تواصلت مع عبد الرحمن الدسوقي (32 سنة)، متزوج منذ ثلاثة سنوات، يعمل مدرّساً صباحاً و سائق أجرة مساء، تنقل هو وزوجته منذ زواجهما بين 3 شقق مختلفة بسبب تحكّم السماسرة في نظم الإيجار الجديد بالمدينة: 

 “كتبنا الكتاب مبكراً على أساس أستلم شقة خلال شهور من الجواز، سددت المستحقات وحتى الآن لم أستلم. بحثت أنا ومعارفي بعيداً عن سمسار لاستئجار شقة ولم أجد، يوم لجأت لسمسار استلمت الشقة بعد 4 أيام، دفعت شهر إيجار عموله طبعاً. بقينا في أول شقّة 5 شهور، وفجأة السمسار كلمني وبلغني أن صاحب الشقة عاد من السفر ويريد إخلاءها، وفي الحقيقة كان يريد زيادة الإيجار 20 في المئة. وعندما رفضت أعطاني مهلة أيام وملحقتش أنقل، اضطريت وضع عفش زواجي في مخزن، حتى الآن نفس المشكلة تتكرر مع كل إيجار. السمسار يسلمك شقة، تتفقوا على كلام، يتغير بعد شهور. في مرة من المرات توجهت ببلاغ ضد أحد السماسرة بسبب رفع قيمة الإيجار قبل مرور سنة، تراضينا بعدها واتفقنا على الالتزام بالعقد، بعد أيام تركت الشقة بسبب كثرة المضايقات”.

يشير عبد الرحمن إلى أزمة أخرى، أهم وأكبر، وهي أن متوسط دخله من مدة عمل يومية تقارب 12 ساعة، لا يتعدى 6 آلاف جنيه يشغل الإيجار منها أكثر من الثلث.

لماذا تتلقى اتصالات لتشتري شقة بملايين؟

هناك إجابة محتملة، ظهرت في أحد مشاهد مسلسل “ليه لاء؟”، حين أخبر جمال سليمان زوجته بمدى خوفه من مستقبل الأولاد، لأن “اللي جاي على قد اللي رايح”.  كان جمال سليمان يتحدث وهو زوجته من بيت خاص في  مجمع سكني فاخر، وكان قبلها بشهور أهدى ابنه- الخائف على مستقبله- “ماك بوك” ودراجة “سكوتر”، بمناسبة دخوله الثانوية العامة. 

“اللي جاي على قد اللي رايح”، الشعار المقدّس للفئات المتوسطة والدنيا من الطبقة الوسطى، لأن هندسة المجتمع الجديد أطاحت بهؤلاء بعيداً من حيّز الرؤية، وولدت فرصة تنافسية، تتفتت من خلالها جماعية الطبقة، وتظهر إمكانية الارتقاء، فردياً، إلى طبقة أعلى، حتى تتوقف عن السخرية من المبلغ الذي تسمعه في مكالمة عملاء التسويق العقاري وتفكر… لماذا لا تهتم بالعرض فعلاً؟ 

إقرأوا أيضاً: