fbpx

الطرق القاتلة: أرقام وحقائق مفزعة
عن ضحايا الحوادث المرورية في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بمعدل 22 حادثاً مرورياً في اليوم الواحد، و6 قتلى، تتفوق حوادث السير على معدلات العنف الناتجة من العمليات الإرهابية في العراق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مطلع حزيران/ يونيو 2022، اكتظت حسابات أصدقاء الشاعرين زيد السومري وعلي مهدي على السوشيال ميديا برسائل العزاء وخطابات النعي الحزينة، إثر وفاة الشاعرين في حادث مروري في العاصمة بغداد، ويعد السومري ومهدي من أبرز وجوه انتفاضة تشرين في العراق وأهم أصواتها الشعرية أيضاً.

100 ألف قتيل ومصاب في 10 سنوات فقط

قبل هذين الشاعرين مات أو قتل وأُصيب مئات آلاف العراقيين بحوادث سير مروعة، وعلى هذه القائمة التي لا تنتهي من القتلى وزير البلديات والأشغال السابق عبد الكريم الأنصاري، وبحسب إحصاء لوزارة الصحة العراقية فإن 100 ألف عراقي قتلوا وأصيبوا خلال عشر سنوات فقط، تمتد من 2008 حتى 2018، ليضاف إليها إحصاء آخر يضم 8000 قتيل و31448 مصاباً خلال السنوات الثلاث اللاحقة. لم تصدر حصيلة نهائية لضحايا الطرق القاتلة في العراق لعام 2022، لكن مديرية المرور العامة، كشفت أن النصف الأول من هذا العام لم يكن أقل دموية من أي وقت سابق، فمنذ الأول من كانون الثاني/ يناير 2022، ولغاية منتصف أيار/مايو، بلغ عدد الحوادث المرورية 2966 حادثاً في بغداد وبقية المحافظات عدا إقليم كوردستان.

بمعدل 22 حادثاً مرورياً في اليوم الواحد، و6 قتلى، تتفوق حوادث السير على معدلات العنف الناتجة من العمليات الإرهابية، فعام 2021 وثقت مديرية المرور العامة 8286 حادثاً مرورياً أودت بحياة 2152 شخصاً، بينما وفي العام نفسه وثّقت وزارة الداخلية العراقية وقوع 170 عملية إرهابية أدت إلى وقوع 837 ضحية بين قتيل وجريح ومختطف.

رداءة الطرق الرئيسية والفرعية في عموم العراق هي السبب في نحو 60 في المئة من حوادث السير، بحسب مديرية المرور العامة، يأتي بعدها الاستهتار في تعليمات السلامة المرورية من قبل السائقين، ثم انعدام الإشارات المرورية والضوئية على الطرق، وخراب إشارات المرور التي صار عملها يثير السخرية والضحك في كثير من المدن الرئيسية في البلاد، مثلما أصبح فرض ارتداء حزام الأمان مدعاة للتندر عند العراقيين، فالعراقي (في الغالب) لا يرتدي حزام الأمان لأنه يعتبر ذلك نوعاً من الإجراءات التي لا فائدة منها.

طريق الموت

وليد خالد (34 سنة) يتذكر في حديث لـ”درج” كيف أن أهالي محافظة الأنبار ظلّوا يسخرون من قرارات مديرية المرور العامة لأشهر طويلة عندما فرضت غرامات مالية على من يخالف تعليمات وضع حزام الأمان: “حينها عندما كان قاسم الفهداوي محافظاً للأنبار وخرج على التلفزيون المحلي ليدعم قرارات المرور بضرورة فرض حزام الأمان تحول إلى مادة للسخرية والضحك بين الناس، كانوا يقولون إنه يريد جعل الأنبار مثل أوروبا من خلال حزام الأمان، وعجزت دوريات المرور بالسيطرة على مخالفات الناس، وفي نهاية الأمر انتصرت المخالفات على القانون وربما كان المحافظ بنفسه لا يضع حزام الأمان”.

لدى وليد تاريخ حزين بسبب حوادث السير، فابن عمه قتل بحادث سير على الطريق السريع الذي يربط العراق بالأردن: “كان محمد عام 2019 يقود بسرعة جنونية على ذلك الطريق، عندما انقلبت سيارته بسبب حفرة في الشارع، وتحول فجأة إلى أشلاء، وكانت سيارته عندما وصلنا إليه كأنها ورقة “معقوجة” بيد لاعب حديد”.

عام 2007 مات جار وليد أيضاً في حادث مروري في مدينة الرمادي، على طريق الرمادي-القائم، الذي طريق يسميه أهل الأنبار “طريق الموت”، لكثرة الحوادث المرورية التي تقع عليه بشكل منتظم، فهو طريق خارجي يربط سبع مدن (الرمادي، هيت، البغدادي، حديثة، عنه، راوة، القائم) ولا تنطبق عليه أدنى معايير السلامة.

عام 2011 قالت “منظمة الصحة العالمية” إن العراق “ملزم بالارتقاء بالسلامة على الطرق”، لذلك أطلقت السلطات العراقية المختصة عقد عمل من أجل السلامة على الطرق، وتعهد بالحد من مستويات الإماتة الناجمة عن حوادث المرور للفترة من 2011 إلى 2020، وقالت المنظمة إن العقد جاء “نتاجاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأشار إلى أنه يبرز الخطوات اللازمة لتحسين السلامة على الطرق والمركبات، وتعزيز خدمات الطوارئ، وإرساء سبل إدارة السلامة على الطرق”.

وأوضحت أن هذا العقد يدعو إلى “زيادة التشريعات وسبل إنفاذها من أجل استخدام خوذة الرأس، ومقيدات حركة الأطفال، وتفادي السرعة الزائدة أثناء القيادة. وذكرت منظمة الصحة العالمية أنها ستلعب دوراً في تنسيق الجهود العالمية على مدى العقد، وستقوم برصد التقدم صوب بلوغ أهداف العقد على الصعيد الوطني والدولي”. 

وأكدت أن “الإصابات الناجمة عن الحوادث المرورية على الطرق، والوفيات والإصابات المترتبة عليها تعتبر من التحديات الكبرى المهملة والتي تهدد الصحة العمومية وتستلزم بذل جهود منسقة للوصول إلى الوقاية الفعالة والمستدامة. فنظم المرور على الطرق، من بين جميع النظم التي يتعين على الأفراد التعامل معها يومياً، هي الأكثر تعقيداً وخطورة”.

إحصاءات مفزعة

في دراسة جزئية بعنوان: “التحليل الرياضي (الكمي) و(الموقعي) للحوادث المرورية على طريق بغداد – كركوك” للفترة من 2006 وحتى 2019، أجراها الباحثان في الجامعة المستنصرية عذراء غني بلاسم وهشام صلاح محسن، خلصت الدراسة بعد جهد ميداني كبير إلى توصيات تنطبق على جميع الطرق الداخلية والخارجية والفرعية والرئيسية في العراق، وتتمثل هذه التوصيات بـ: 

الاهتمام بتأثيث الطرق، وذلك بوضع الإشارات المرورية والتشجير والإنارة، لتتطابق مع مواصفات الطرق العالمية، وهذا التأثيث له أثر بالغ في التقليل من حدة الحوادث المرورية وضمان سلامة مستخدمي الطرق. إقامة مفارز مرورية على الطرق لفحص سلامة المركبة من حيث الإضاءة وماسحات الزجاج والإشارات الضوئية ومطفأة الحريق وحزام الأمان والمثلث الفسفوري العاكس وغيرها من متطلبات السلامة المرورية للحد من وقوع الحوادث المرورية. إعادة تشغيل محطات الوزن المحورية على الطريق وزيادة أعدادها للحفاظ على سلامة الطرق. ضرورة تطوير شبكة الطرق وتوسيعها وإجراء الصيانة الدورية لها، فضلاً عن استخدام مواد وخلطات (إسفلتية) تكون مطابقة للمواصفات العالمية لإنشاء الطرق، بحيث تتحمل الظروف الجوية وثقل الشاحنات الكبيرة والسيارات المستخدمة للطريق.

في أيار 2022، وكإجراء احترازي وطارئ للحد من زيادة وتيرة الحوادث المرورية في عموم البلاد، أطلقت مديرية المرور العامة حملة وطنية لتطبيق قرار ارتداء حزام الأمان أثناء قيادة المركبات، وهذه المخالفة يكاد يشترك فيها كل العراقيين في جميع المحافظات العراقية، وهي تعد واحدة من المشكلات التي تعاني مديرية المرور في السيطرة عليها من عقود.

اللواء طارق اسماعيل مدير المرور العامة وفي تغطية مخصصة لتطبيق هذا القرار، ظهر على التلفزيون الرسمي لتشجيع المواطنين على ارتداء حزام الأمان والترويج للسلامة المرورية، وقال إن القانون يوجب لبس حزام الأمان وهذا الأمر مطبق في جميع دول العالم وتطبيق القرار الملزم بشأنه اليوم أشاع هذه الثقافة وبدأ السائقون بوضعه، حتى في الشوارع الفرعية، مذكراً بأن التشديد في مسألة حزام الأمان جاء نتيجة ارتفاع وتيرة الحوادث في العراق خلال الأشهر الماضية، إذ إن تصاعد الحوادث كان “رهيباً” وغير مسبوق.

ولم يفوّت اسماعيل الفرصة لانتقاد الطرق في العراق: “طرق العراق معظمها غير مخططة وخالية من السياج الأمني وأيضاً إنارتها ضعيفة وهناك تقصير واضح بسبب عدم تخصيص الأموال من الجهات المعنية والتخصيص ليس من صلاحية المرور، لذلك فإن وضع حزام الأمان يقلل الحوادث المرورية ومعظم الوفيات كان يمكن تفاديها لو أن السائق كان يضع الحزام”.

10 في المئة من الوفيات في العراق سببها الحوادث المرورية

الإحصاءات الرسمية المتعلقة بالحوادث المرورية وضحاياها تعد الأكثر تحديثاً في العراق، فخلال العام الجاري أظهرت إحصاءات لدائرة الطب العدلي أنَّ قرابة 10 في المئة من الوفيات المسجّلة خلال الربع الأول من العام الحالي سببها حوادث المرور.

مشكلة أخرى تساهم بشكل رئيسي في الزيادة المرعبة للحوادث المرورية، هي الانفجار الهائل في عدد المركبات في العراق، فبعد 2003 ومع انفلات الحدود وغياب الدولة، دخلت ملايين المركبات إلى العراق، وبحسب وزارة التخطيط  فإن عدد المركبات المسجلة في عموم البلاد بلغ 7 ملايين مركبة تابعة للقطاع الخاص فقط، عدا السيارات الحكومية والدراجات الهوائية والستوتات والتكاتك، بينما هنالك أكثر من 100 ألف مركبة غير مسجلة في دائرة المرور، وهذا يشكل خطراً كبيراً على أمن البلاد.

وزارة التخطيط دقت ناقوس الخطر أيضاً في ما يتعلق بمستقبل استيراد المركبات في العراق، ففي آخر إحصاءاتها توقعت أن يصل عدد المركبات إلى 15 مليون سيارة بحلول عام 2035، وهذا العدد الكبير وغير المسيطر عليه فتح باباً للفساد في العراق، تمثل في القيادة دون إجازة سوق، أو استخراج رخصة قيادة مقابل رشوة مالية ودون التعرض للاختبار بحسب ما تنص عليه قوانين استحصال إجازات السوق.

ينص قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004 على أن السائق غير الحائز على إجازة سوق يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر، لكل من قاد مركبة بدون إجازة سوق، ويحال إلى القضاء من يقود السيارة دون امتلاكه رخصة قيادة سيارة.

لكن هذا القانون لم يُفعل إلا عام 2016، وحين فعَّلت مديرية المرور العامة هذا القانون، كانت عليها مواجهة كارثة تراكمت منذ سنوات طويلة، وهي حصول أي شخص على رخصة قيادة مقابل 200 دولار أميركي ودون الخضوع لأي اختبارات حقيقية.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!