fbpx

جريمة عفرين… والد يقتل ابنته بسبب رسالة على “واتساب”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في المنزل، رُبطت نور من يديها وفي فسحة الضيوف رفعت وعلقت على بالسقف… هناك ضربها والدها كثيراً وأهانها، وقد ملأ صراخها المكان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قتلت فتاة مهجرة في مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي على يد والدها بعد تعذيبها وضربها بعنف بحجة أنها تتحدث إلى شخص غريب عبر “الواتساب”.

الأب قتل ابنته (17 عاما) بعد تعذيبها وربطها بالسقف وضربها على الرأس وألقي القبض عليه خلال دفن جثة ابنته لعدم وجود ورقة من الطبيب الشرعي، بعدما ادعى أن الفتاة تعرضت لتسمم وماتت.

حكاية جديدة تضاف الى جرائم قتل النساء.

إلى نور مع الحب

الساعة الآن الثانية ظهراً من يوم الإثنين 11 تموز/ يوليو، الطقس جميل في ناحية راجو التابعة لمدينة عفرين السورية، نسمات الهواء التي تلفح وجه المارة لطيفة تلامس الأجساد المنهكة بلطف مبالغ به.

هدوء المكان في تلك الجبال المكسوة بالخضرة والمنازل القديمة، لا يقطعه سوى  سيارات رباعية الدفع تحمل جنود فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا وهي تجوب شوارع المنطقة، قبل أن تختفي في الشوارع الضيقة بين الجبال، سيارات بات أهل المنطقة يتمنون ألا تتوقف بجانبهم، بخاصة الكرد منهم لما تحمله من موت وكراهية بين جنباتها.

الحصان الذي جر مخيلتي للكتابة عن هذه القصة صعد إحدى تلال المنطقة بعناء شديد، قبل أن ينحدر بها الآن بصخب وجلبة إلى أسفل التلة، ثمة في البعيد وإلى اليمين قرية حجيكو التي يسمع نباح كلابها، وعلى يساري بين بساتين الزيتون رابية جرداء لفحتها الشمس وحفرت سيول الأمطار فيها أخاديد شبيهة بندوب الجراح التي لم تندمل بعد.

المشهد الأول… المنزل 

على أطراف قرية حجيكو كان منزل صغير بابه خشبي، سقفه مغطى بجذوع الأشجار والقش وفوقه طبقة طينية صمدت لقرون، أكاد أجزم أن من أعدها وهبه الله سر صناعة طينة الحكمة التي استخدمها القدماء لإغلاق مداخل كنوزهم المخبأة، بعد المدخل فسحة واسعة أعدت للضيوف، في اليمين غرفة نوم، الباب الفاصل بينها وبين الفسحة عبارة عن قطعة قماش. في الجهة اليسرى غرفة صغيرة بباب معدني صدئ وإلى جوارها  حمام صغير لا ماء فيه. 

في القسم الأيمن من المنزل، ينام رب العائلة م.ع وزوجته، أما القسم الأيسر من المنزل فتعرف من تلقاء نفسك أنه خاص بالأطفال، من خلال بقع الصدأ العالقة على ملابسهم نتيجة احتكاكهم بباب الغرفة في كل مرة يدخلون أو يخرجون، هذه العائلة وصلت إلى هنا من قرية الأبزمو في ريف حلب الغربي، ولم يعد أفرادها يستذكرون تاريخ خروجهم ووصولهم إلى هنا، ففي تلك الأيام التي مضت كان هناك ما يشغل تفكيرهم من تدبر أمور الحياة وما يخفيه مستقبل مجهول لهم ولأقرانهم. 

المشهد الثاني… اليوم السابق (نور)

في طرف الرابية الجرداء تجلس نور تارة، وتارة أخرى تسير بمحاذاتها، بثوبها الأزرق وحجابها البني الذي بهت لونه لكثرة تعرضه للشمس، بقوامها الممشوق المقاوم، تمسك نور هاتفها وترفعه إلى الأعلى للحصول على تغطية جيدة تتيح لها تلقي رسائل “واتساب”، غير مبالية بحافة الأخدود الذي تقف بقربه، يا لهذه الرابية كأن غضباً إلهياً حل بها.

نور غادرت قريتها الأم حين كانت في الثانية عشرة، والآن تبلغ 17، باتت شابة جميلة ولديها معجبون، غير أنها لا تبالي بالزهور التي يرسلونها مع أطفال القرية الصغار مقابل بعض السكاكر. لديها من يحتل تفكيرها، حبيب تسرق الوقت والفرص للحديث معه ومراسلته.

محاولات نور لالتقاط شبكة الجوال، يقطعها صوت سعال والدها الجاف، سعال اشتد في الفترة الأخيرة، نتيجة نوعية التبغ السيئة التي يستهلكها، نوعية رخيصة تناسب دخله غير المستقر، بعد السعال والبصاق، يشيح الأب بوجهه منادياً نور “تعالي يا بنت الكلب… شو عم تشرمطي على الهاتف”…

تنسل نور باتجاهه وملامح الخوف ترتسم على وجهها، وجه كان صوت والدها كفيلاً بتغييره من الأبيض الثلجي إلى اللون الأزرق بعدما احتبس الدم في رأسها.

إقرأوا أيضاً:

المشهد الثالث… المذنبة 

يوم الإثنين صباحاً، بعد الإفطار يجلس والد نور بجانبها على مائدة الإفطار المكونة من زيتون وصعتر وثلاث بيضات، يمسك خصلات شعرها المتناثرة نتيجة تقلبها على المخدة في الليلة الماضية، مردداً إطراء ومديحاً يعرف سكان المنزل القصد منهما، تلك الجمل المنمقة والليونة الأبوية ما هي إلا لطلب بعض النقود التي وفرتها نور لشراء فستان ترتديه بعد أشهر في عرس ابن الجيران، عرس تريد أن تكون الأجمل فيه بحضور حبيبها السري.

بعد أن ينال والد نور مبتغاه يتجه إلى مدينة راجو بدراجته المتهالكة، هناك يشتري تبغه الرخيص وبعض حاجيات المنزل، بينما تقفز نور إلى غطاء رأسها و”شحاطتها” البلاستيكية الوردية، إلى الأخدود في الرابية الجرداء للحديث مع حبيبها المقيم بغرض العمل في مدينة عزاز المجاورة، ويتوهان في بحور الحب والرومانسية.

غياب نور في عالمها أنساها الوقت، أنساها حذرها من الوقوع بين يدي والدها، الذي انتهى من عمله وعاد ليجدها على حافة الأخدود قرب الرابية، لم يسعل هذه المرة لسوء حظ نور، جاء خلسة بعد رؤيتها ممسكة بالهاتف وهي ترسل الابتسامات مع الهواء اللطيف الذي تحمله ساعات الصباح الأخيرة، قبل أن تشعر بصاعقة ضربتها في ظهرها ملقية بها في هاوية الأخدود، لقد سمع الأب كلمات الحب وهو سبب كاف لقتل فتاة أو امرأة.

المشهد الرابع… الشبح

لم تكد نور تستوعب سبب سقوطها في داخل هوة الأخدود حتى داهمتها أقدام والدها، ركلات في البطن وأخرى على الصدر وعلى القدمين ثم دهس الرأس بالحذاء، كانت مسامات وجهها تختفي بين ضغط حذاء والدها وحجارة الأخدود المفتتة. استمر الأمر نحو 12 دقيقة، قبل أن يجرها والدها من شعرها إلى داخل المنزل. سحبها على الأرض، أتلف ثوبها الأزرق المشجر بالخضرة وقد بات شبه أحمر بسبب الدم الذي سال من أنحاء جسدها.

في المنزل، رُبطت نور من يديها وفي فسحة الضيوف رفعت وعلقت على بالسقف… هناك ضربها والدها كثيراً وأهانها، وقد ملأ صراخها المكان. 

محاولات الأم والأخوة اليائسة  لإنقاذ نور من والدها توقفت بعدما ضربها بقوة على رأسها، وحينها فارقت الحياة… 

نور ماتت 

نور ماتت

نور ماتت يا الله

رددت الأم وجلست تبكي تحت جثتها المعلقة على السقف.

المشهد الخامس… تسمم

بعدما جلس على عتبة الباب الخشبي، شرب الأب ثلاث سجائر متتالية، ثم عاد مخاطباً أفراد العائلة بعيون القاتل المتعطش للدم.

“ما بدي ولا نفس ولا دمعة عليها الشر…

راح جيب كفن ونكفنها ونقول ماتت بتسمم لأنها أكلت لحم فاسد”.

ثم مضى.

المشهد السادس… القبر

بعدما لُفت نور بكفنها الأبيض، حملها المشيعون على الأكتاف وقد أذيع في القرية خبر وفاتها، دمعات الأب الباردة انطلت على أبناء القرية، لكنها لم تنطلِ على اخوة نور الصغار الذين شاهدوها تموت بين يديه. 

حظ نور السيئ في الحياة، حاول مصالحتها بعد موتها، حين صادف وجود عناصر الدفاع المدني في القرية وقت الجنازة، وخلال الدفن لاحظ أحدهم أثار الضرب والكدمات، ما دعاه إلى استدعاء الشرطة والطب الشرعي، ليتبين أن سبب الموت الضرب المبرح وليس التسمم.

في مقر الشرطة العسكرية اعترف الأب بجريمته، محاولاً النجاة بالتشهير بابنته، مدعياً انها تكلم شاباً على الهاتف وكان ما فعله دفاعاً عن “الشرف”.

ماتت نور قبل أن ترى حبيبها، وانضمت إلى قافلة ضحايا العنف والجهل وكره النساء، في مجتمعات لا تعير حياة الفتيات أي أهمية…

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!