fbpx

هذه البلاد تقف ضدّي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أفتح عينيّ، استيقظ من الحلم، أعرف أن ما رأيته لن يحصل، وأعرف أن لعنة هذه البلاد ستلاحقني دائماً، أشعر بالذنب، فلا أدري من أين جاءني نزق الجرأة كي أحلم، لم يعد أحد يتجرّأ على الحلم في جمهورية البؤس هذه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أغمض عينيّ محاولاً تخيّل أجمل صورة عن البلد، ولكنّي لا أرى شيئاً. بتلع هذا البلد الجمال منذ فترة وبصق في وجوهنا البؤس والخيبات. أغمض عينيّ مرّة أخرى لأتخيّل أبشع ما في هذا البلد، فأرى صورة بضعة زعماء، أرى صورة لمن اغتال أيّامنا وأحلامنا، أراهم جميعاً، أرى وقاحتهم، أرى خراباً عنيداً يزحف خلفهم، من نصرالله إلى جعجع وبري وعون وحلفاؤهم جميعاً، هؤلاء دمّروا بلداً وشعباً، هؤلاء سيلعنهم التاريخ وتلعنهم البلاد والأجيال القادمة. 

يسيطر الشلل على كل تفاصيل هذه البلاد، على ناسها، مؤسّساتها، قطاعاتها، أسواقها، شوارعها. يسيطر الشلل على المعارضين فيها، فقد انتهت سكرة الفوز ببضع مقاعد نيابية، وعاد الشلل والتخبّط وغياب الرؤية والمسار ليسيطروا على المشهد. وهذا الركود في التيار المعارض ليس وليد اليوم، بل هو بنيوي، فمن تشرين الأوّل 2019 وما قبله لم تفرض قوى المعارضة أجندتها ولم تبادر، بل انتظرت دائماً الأزمات والاستحقاقات الموسمية كالانتخابات النيابية، والنقابية، والبلدية، وغيرها. فبتنا على الهامش، نتلقّى المعارك ولا نستطيع فرضها، ننتظر أزمات النظام لتنتشلنا من هذا الشلل وتحرّكنا وفق إيقاعه.

لم تكن هذه البلاد حنونةً في أي وقت مضى، بل ازدادت قساوةً أكثر فأكثر مع الوقت وفي خضمّ انهيارها. تُقتل وتُغتصب النساء والأطفال في مدنها، يُعذّب ويُهان اللاجئين فيها، يهاجر شبابها، تُغيّب العدالة عن ضحاياها، سلطاتها الدينية الجائزة تقود حملات وخطابات التحريض والكراهية بين فئاتها، تنهب المصارف أموال ناسها، كبارها حزينون على عمرٍ انقضى بين الحروب والأزمات وشبابها محبط… وماذا نحن فاعلون؟ لا شيء. فكل ما حصل ويحصل لم يُشعل إنتفاضة من جديد، لا بل كرّس شللنا وحوّل غضبنا إلى حزنٍ وبؤس.

ليست الأزمة الأولى التي تمرّ فيها البلاد، ولكنها تقف اليوم في المنتصف، تبحث عن شكل جديد لها، كأنها لم تعد تعرف نفسها، وكأنّنا لا نعرفها، كأننا غرباء عنها وفيها، شعورٌ بالغربة يلفّ أزقّتها وناسها، شعورٌ بالخوف من الارتطام الآتي. تتّجه البلاد إلى تغيير روحها وشكلها من دون أن نعرف كيف ستكون في السنوات القادمة. ولكننا نعرف جيّداً أن ناسها وطبقاتها ستدفع ثمن هذا الخراب كلّه كما كلّ مرّة. نعرف أنّنا نعيش السيّء وأن الأشدّ سوءاً قادم.

متى ينتهي هذا الليل اللبناني الطويل؟ سئمت مما يحصل. كأنّ هذه البلاد تقف ضدّي، تحاصرني مدنها، تضيق بي شوارعها، شوارعها التي تحاول أن تقنعني بأن هذه المدن وهذه البلاد ماتت وتلاشت، تحاول أن تقنعني بالرحيل والهرب قبل فوات الأوان. ولكن، كيف أيأس الآن؟ وكيف أدير ظهري لهذه البلاد الحزينة؟ البلاد نفسها التي علّمتني كيف تكون الحياة، التي علّمتني معنى الحرّية، البلاد التي كان لي فيها “أوّل مرّة” من كلّ شيء، البلاد التي على الرغم من تسببها بكل هذه التعاسة لم أكرهها يوماً، لا بل أخذت قلبي دائماً.

إقرأوا أيضاً:

أغمض عينيّ الآن من جديد وأحلم بانفجارٍ شعبيٍّ يقلب كل الموازين، انفجار شعبي يفاجئ الجميع، يفاجئ النظام ومعارضيه ممن يدّعون تمثيل الشارع ويظنّون أنّه لن يتحرّك إلّا بدعواتهم. وأكثر من ذلك، أريد أن أرى هذه البلاد تعبر هذا الطريق المظلم وهذا الليل الطويل، أريد أن أرى الابتسامة على وجوه ناسها، أريد أن أرى الحبّ والشغف في شوارعها. أريدها أن تعود إلى روحها. وأريد أن أرى الخوف في عيون أولئك الزعماء، أريد أن أرى الألم يلاحقهم، أريد أن أرى قبضات تسحقهم.

أفتح عينيّ، استيقظ من الحلم، أعرف أن ما رأيته لن يحصل، وأعرف أن لعنة هذه البلاد ستلاحقني دائماً، أشعر بالذنب، فلا أدري من أين جاءني نزق الجرأة كي أحلم، لم يعد أحد يتجرّأ على الحلم في جمهورية البؤس هذه.

إقرأوا أيضاً: