fbpx

“دعوة لقطع العنق”: كابوس يلاحق ناشطات “لا للحجاب” في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المفارقة أنّ الحجاب، الذي كان بمثابة حيلة نسوية لمقاومة سياسات الشاه التمييزية، وارتدته النساء وقتما كان محظوراً في تلك الفترة، لتصفية التمايزات الماهوية والفئوية، تحول إلى عملية سياسية ممنهجة لهندسة صورة نمطية تلامس الإطار القيمي لنظام الولي الفقيه، في نسخته الخمينية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مثلما تبدأ رواية “دعوة لقطع العنق” للروائي الروسي فلاديمير نابوكوف، بإعلان حكم الإعدام بحق البطل سينسيناتس سي بتهمة “فساد الروح”، ذلك البطل المتخيّل الذي يفضح الواقع الكابوسي في ظل النظام الشمولي، فإنّ الروائية الإيرانية آذر نفيسي، في روايتها: “أن تقرأ لوليتا في طهران”، عرّجت على واقع مماثل. 

في روايتها تتعمق نفيسي في تفاصيل وأحداث ويوميات الايرانيين، بعد نجاح الثورة وتدشين الجمهورية الإسلامية عام 1979. وتحديداً في ما يتصل “بالقسوة المأساوية اللا معقولة بل المضحكة التي نرزح تحت وطأتها”. 

وتماثل الصورة ذاتها، بحمولتها الرمزية والمعنوية، يوميات المرأة في طهران، فلا يبددها الوقت أو يخفف من وطأتها. وبالتزامن مع يوم “العفة والحجاب” في إيران الذي يصادف 12 تموز/يوليو، انتشر وسم “لا للحجاب” على مواقع التواصل الاجتماعي. فضلاً عن دعوات للاحتجاج ضد إلزامية ارتداء الحجاب. بينما شاركت ناشطات إيرانيات مقاطع فيديو وهنّ يخلعن الحجاب في الأماكن العامة، الأمر الذي قوبل بتهديدات عنيفة وتصريحات متشنجة من عناصر النظام. 

لطالما كانت المرأة هاجس السلطة الدينية وملالي طهران.

هدّد مسؤولون إيرانيون بمواجهة الحملة الحقوقية، وانتشرت فيديوات تظهر قمع الشرطة الدينية للمحتجات. كما أعلنت وسائل إعلام محلية اعتقال قوات الأمن الإيرانية للناشطة سوري بابائي تشكيني، بعد نشرها مقطع فيديو وهي تخلع الحجاب.

المفارقة أنّ الحجاب، في إيران، والذي كان بمثابة حيلة نسوية لمقاومة سياسات الشاه التمييزية، وارتدته النساء وقتما كان محظوراً في تلك الفترة، لتصفية التمايزات الماهوية والفئوية، تحول إلى عملية سياسية ممنهجة لهندسة صورة نمطية تلامس الإطار القيمي لنظام الولي الفقيه، في نسخته الخمينية. إذ إنّ أدلجة (أسلمة) الجسد، في إيران كما في السعودية، تعد ضرورة بقدر ما تحققه من نتائج على مستوى الأداء الوظيفي المتعدد، سواء في الصراع مع الآخر (المحلي من تيارات معارضة وعلمانية تهدد تآكل نظرية الولي الفقيه، مثلًا)، أو الخارجي والإقليمي. 

فالمعنى السياسي من وراء تصفية أيّ حراك نسوي ومواصلة القمع، واللعب على نبذ الأجساد المتمردة خارج المجال العام، وإضعاف حضوره وفعاليته، يبرز حماية النخبة السياسية والدينية لمكتسباتها، ومنها المرجعيات الحوزوية، حتى لا تتآكل المساحة الاجتماعية لهم، لا سيّما مع الانفتاح المتواصل على القيم المدنية والمواطنية.

تؤشر الاحتجاجات النسوية، التي تزلزل الأرض تحت أقدام الجمهورية الإسلامية، على وجود قيم سياسيّة ومعرفيّة وحتى أخلاقيّة تُحدث خرقاً في جدار الطبقة السياسية التي تضم نسيجاً يقاوم محاولات التغيير. 

هذه القيم الجديدة والمغايرة تفرض وجودها وتأثيراتها على الأجيال الجديدة التي تقف على النقيض من ممارسات النظام وخطابه. بل تستهدف حلحلة المعايير والأنماط التقليدية. وذلك من خلال طرح القضايا الحقوقية، وتوسيع مجال الحريات المأزومة بإزاحة قبضة الولي الفقيه. 

وإلى ذلك، ثمّة تصعيد على مستوى الخطاب الأيدولوجي والسياسي، في جمهورية الملالي، تجاه الدعوات التي تتبنى مبدأ عدم إلزامية الحجاب، بالإضافة إلى ترسانة التشريعات والقوانين الجاهزة والرادعة للمعارضين، والتي تتراوح بين التوبيخ العلني أو دفع غرامة مالية أو الاعتقال. فقد سبق للمرجع الديني الشيعي محمد علوي جرجاني، أن ذكر في خطاب ألقاه في حضرة القوات الأمنية، بأهمية وضرورة فرض السلطة للحجاب، قسراً أو طواعية.

وقال جرجاني: “لا تدعوا نعمة الحجاب تزول، والتعامل مع عدم ارتداء الحجاب هو مطلب مراجع التقليد. لقد قدمنا بضعة آلاف من الشهداء، وكل هذه التضحيات، كي يحفظ الإسلام، والشرف والحجاب”.

إذاً، لا تعدو الهجمة الأخيرة على الحملة التي قامت بها النسويات في إيران، كونها أمراً عرضياً أو مباغتاً. وقبل أيام، توعد النظام بملاحقة الناشطات. بينما وصف المتحدث باسم القضاء الإيراني، مسعود ستايشي، الحملة بأنّها محاولة لـ”غرس الفحش في المجتمع”. كما أكد وزير الداخلية الإيراني العميد أحمد وحيدي، بأنّه “لن يتم التسامح معها”. وقال إنّ “النساء اللاتي يعترضن على الحجاب الإلزامي سيواجهن تحذيرات أكثر جدية والكثيرات منهن سيتم اعتقالهن بعد تلك التحذيرات بسبب اصرارهن على عدم اتباع القانون”. 

وزير الداخلية الإيراني تحايل على المشهد الاحتجاجي لجهة التخفيف من أثره الحاد. وقال: “بعض الصور ومقاطع الفيديو التي جرى تداولها وبثها لا علاقة لها بإيران، بل يتم تصويرها خارج البلاد وإدارتها من قبل جماعات عادة ما تكون مرتبطة بوكالات استخبارات أجنبية”.

كما شدد ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في مدينة قم على ضرورة تنفيذ إجراءات قصوى ضدّ معارضي الحجاب. وقال رئيس التوجيه السياسي والعقائدي للجيش: “الحجاب هو الساتر الأول، إذا سقط، فإنّ بقية السواتر سوف تسقط”.

ممثل المرشد الإيراني اعتبر آنّ بعض الناس يعارضون الحجاب بدافع العداء والبعض ينخدع. وقال: “يجب أن نصلي من أجل المخدوعين ونوجّههم، ولكن يجب التعامل بشكل حازم مع من يتصرفون بدافع العداء وبشكل ممنهج”.

ضمن حالة الاصطفاف بين أجنحة النظام الإيراني ضد الحملة الحقوقية، قال رئيس منظمة التوجيه العقائدي والسياسي للجيش عباس محمد حسني، ردًّا على احتجاجات النساء ضد الحجاب الإجباري: “إذا ضاع الحجاب والعفة كأول ساتر ضد حرب العدو الناعمة، فسوف نخسر سواترنا الأخرى أيضًا”.

وأضاف: “لقد استخدم العدو كل قوته لهدم هذا الساتر ويجب أن نكون قادرين على إقناع المجتمع المستهدف بأنّ الحجاب هو العامل الأهم في مواجهة حرب العدو الناعمة”.

فيما طالب مساعد الأركان العامة والناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، أبو الفضل شكارجي، بالتعامل مع معارضي الحجاب الإجباري. وقال: “لدينا واجبان أساسيّان اليوم وهما الأمر بالمعروف وبث الوعي بين جماهير الشعب، والنهى عن المنكر، وفي مجال الحكم، يجب علينا أيضًا أن نتعامل مع من ينشرون الفجور”.

وأردف شكارجي: “بعض القائمين على الشؤون الثقافية في البلاد  قصّروا في مجال الحجاب والعفة، وبينما يرون الضرر الذي يلحقه هذا الفيضان الخطير بالمجتمع الإسلامي، فإنّهم لا يتخذون أيّ إجراء خاص”.

المرجعيات الدينية والحوزوية التقليدية، تحديداً المنتمية إلى الخط الولائي، تتخوّف من خلع الحجاب، بينما تشعر بالريبة من تمرد المرأة وعدم خضوعها وانصياعها. فالاستثمار السياسي للجسد يجعل الأفراد مجرد عناصر فئوية ملونة داخل مربعات طائفية، تمارس الدعاية الأيدولوجية لنمط الحكم القائم. وعليه، لم يتوان النظام في إيران عن اعتقال رجل الدين الإيراني يوسف أشكفاري، المحسوب على التيار الإصلاحي، لأنّه يرفض إلزامية الحجاب وفرضه بالإكراه. واعتبر النظام موقف أشكفاري، الذي هو بالأساس مجرد خلاف فقهي على مفهوم الولي الفقيه بين مدرستي النجف والولائيين “أحد مصادر تهديد وتهديم مبادئ الثورة الإسلامية”.

ولذلك، نبّه المرجع الإيراني جعفر السبحاني من تراجع وانخفاض عدد المحجبات في إيران. وقال في آب/أغسطس من العام 2020: “إنّ الحجاب أخذ في الانخفاض في البلاد، وينبغي أن تؤخذ قواعد الحجاب والمعايير الدينية في الجامعات على محمل الجد”. غير أنّ مرجعاً آخر هو أحمد علم الهدى انتقل من التحذير إلى تعبئة عناصر الشرطة ضد غير الملتزمات بالحجاب. وثمّن اعتداء عناصر الشرطة الإيرانية عليهن. وقال: “لا ينبغي استجواب قوّات الشرطة التي لبَّت نداء الشعب في الكوارث المختلفة بسبب خطأ ضابطة، فهم يعملون للتصدي لأحد المنكرات الشرعية-خلع الحجاب”.

وتتولى شرطة الأخلاق في طهران مراقبة جميع النساء البالغ عددهن أكثر من 40 مليون، بهدف “إيقافهن وفحص ملابسهن، وتقييم عدد خصل الشعر الظاهرة للعيان، خصلة خصلة، وطول البنطال الذي ترتديه المرأة ومعطفها، وكمية مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها”. بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية.

ووفق المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، فإنّه حتى عندما تغطي المرأة شعرها بغطاء الرأس، يمكن أن تعتبر مقصرة في الانصياع لقوانين الحجاب القسري، إذا ما ظهرت بعض خصل شعرها، مثلًا، أو رأت شرطة “الأخلاق” أنّ ملابسها تزدهي بالألوان، أو ضيقة أكثر مما ينبغي. وثمة حالات عديدة يحفل بها السجل الحقوقي في إيران بخصوص خروقات شرطة “الآداب”. إذ تُصفع النساء على وجوههن، وتُضربن بالهراوات، ويلقى بهن في عربات الشرطة بسبب طريقة لبسهن.   

إقرأوا أيضاً: