fbpx

اليوم العالمي للعدالة: لقمان سليم يلاحق قاتله “المعلوم”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يقتل لقمان سليم صدفةً، ولم يقتل بلا سابق إنذار وتصميم، بل قتل بعد سياق تحريضي طويل، وان كان المجرم “مجهول” الهوية إلى اليوم، فإن المحرض غير مجهول.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المفارقة القدرية ليست غريبة على لقمان سليم. فالرجل لا يتوقف، حتى في مماته، عن قضّ مضاجع قتلته، ويلاحقهم، كما كان يلاحق في حياته قتلة اللبنانيين في الحرب الأهلية وفي السلم الأهلي. أن يصادف عيد ميلاد لقمان سليم مع اليوم العالمي للعدالة، فهذا أمر يغري باستحضار صديقة لقمان “الشرّيرة”، لكي “تلعب” على هذه المفارقة، وتذكّر القتلة أن الإفلات من العقاب لن يستمر إلى الأبد.

زوجة لقمان، مونيكا بورغمان، كانت حاضرة في المؤتمر الذي تدعمه مؤسسة هاينريش بول، بالإضافة إلى مؤسسة لقمان سليم و”أمم” للتوثيق والأبحاث: “اليوم كان ليكون لقمان عمره 60 عاماً”، قالت مونيكا، “كانت لديه سنوات كثيرة أمامه ليعيشها، ليعمل في السياسة، أو ليستمع بالحياة بكل بساطة، ولكن لقمان اغتيل، والى الآن، لم يتم اعتقال أحد، ولم يتم اتهام أحد، ولا محاكمة أحد”. 

الخوف من الإفلات من العقاب كان الموضوع الأساسي للمؤتمر، ورغم الاتفاق على المشاكل التي تحول دون التوصل إلى العدالة في لبنان، لم يكن هناك اتفاق بين المشاركين في الندوة حول الحلول. المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية اعتبر، مثلاً، أن نظام الزعامات وتركيبة القضاء وتعيين رؤساء النيابات العامة هو ما يحول دون الوصول إلى الحقيقة، ومحاسبة المرتكبين، وأن القضاء يصطدم بنظام الحصانات في جريمة المرفأ مثلاً، والقاضي لا يستطيع الوقوف بوجه زعامات الطوائف وحده، وأن عدم طرح قانون استقلالية القضاء في المجلس النيابي يعيق أي تقدم في هذا المجال.

لم يوافق روني شطح نجل الوزير السابق محمد شطح الذي اغتيل عام 2013، على ما طرحه صاغية، معتبراً أن النظام الأمني، الذي أسس له “حزب الله” منذ عام 2005 هو الذي أدى إلى كل تلك الاغتيالات، وأن المشكل في الوصول إلى الحقيقة ليس تقنياً، بقدر ما هو سياسي بالدرجة الأولى، لأنه يوجد حزب مسلح في البلاد، وفي فترة 17 عاماً، تم اغتيال جميع معارضي هذا الحزب، وعندما تم التوصل إلى الحقيقة لمرة واحدة فقط في قضية اغتيال رفيق الحريري، لم يسلم الحزب المتهمين إلى العدالة.

بالعودة إلى قضية لقمان سليم، ومحاولة العائلة الوصول إلى العدالة عبر القضاء اللبناني رغم كل الشوائب التي يعاني منها، تبدو القضية عالقة اليوم أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، فأين أصبحت التحقيقات؟

يقول محامي عائلة سليم، في قضية اغتيال لقمان سليم موسى خوري لـ”درج”: “يوجد جلسات تجري بوتيرة سريعة، ويوجد استكمال تحقيق، من بعد التحقيق الأولي الذي تم في مخافر الجنوب، ثم استكمل لدى فرع المعلومات، وأرسل فرع المعلومات حينها إلى المدعي العام في الجنوب الذي ادعى ضد مجهول، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق في بيروت لاستكمال التحقيق”.

ولكن هل فعلاً سيصل التحقيق إلى نتيجة، ويصير هذا “المجهول” معلوماً؟ وما الذي يميز قضية اغتيال سليم، عن جميع الاغتيالات السابقة التي حصلت خلال الأعوام السبعة عشر الماضية؟

يقول خوري في هذا الإطار: “هنالك تعهد قطعته عائلة لقمان على نفسها، بأنها ستتابع قضيته حتى النهاية، وهذا الجهد هو ما يعطي أملاً بالوصول إلى الحقيقة، وأن العائلة ستبذل أي جهد لمعرفة من قام ومن حرض ومن قتل لقمان سليم، وليس فقط من باب المعرفة، بل لإحالة جميع المسؤولين عن مقتله إلى المحاكمات”.

لكن رشا الأمير، الروائية والباحثة، شقيقة لقمان، لا تزال تخاف من النسيان، وأن يتحوّل على ما كتب لقمان، مسائلاً تاريخ حروبنا الأهلية المتناسل، إلى “بعض من العفو العام الذي لا يني هذا البلدُ يعفوه بلا كلالة عن نفسه وسيرته وارتكاباته”. وأضافت رشا: “نحن هنا معًا كي لا ننسى وكي نقرعَ بقوّةٍ أبوابَ عدالةٍ صَمّاء، عدالةٍ مُيَئِّسةٍ تَضِيْعُ الأعمارُ في دهاليزها، عدالةٍ يَهزأ منها الأقوياء مُرتَكبو الشناعاتِ والاغتيالاتِ والمجازر، تنادينا الليلةَ لنكون معًا فلا يمرَّ – كسائر أيّامنا المُظلمة- هذا اليومُ يومُ العدالة الجنائيّة الدُّوليّة ويومُ ميلاد لقمان”.

عمل لقمان سليم لسنوات عدة في الأرشفة، وتأريخ مجازر الحرب الأهلية، كما عمل على عدم نسيان تلك المجازر، والسعي الدائم لتحقيق العدالة فيها. واشتغل على تحقيق العدالة للمخفيين قسراً في السجون السورية. كانت الذاكرة هي الشغل الشاغل للقمان: عدم نسيان الحروب والمجازر، وعدم الإفلات من العقاب. 

انتقل هذا الهم إلى عائلته ورفاقه، أصبح لقمان هو الذاكرة، وأصبح الحمل يقع على العائلة والأصدقاء، ففي بلد الإفلات من العقاب، عليك أن تسعى بنفسك، ولسنين طويلة، للوصول إلى بعض من الحقيقة والعدالة.

تقول مونيكا بروغمان لـ”درج”: “إذا أردت النظر بإيجابية إلى الأمور، فإن التحقيق لا يزال جارياً، بعكس الكثير من التحقيقات في قضايا سابقة مشابهة، رغم عدم توجيه أي تهمة لأحد إلى الآن، ولكني سأعمل ما بوسعي لكي لا تكون قضية اغتيال لقمان شبيهة بقضايا الاغتيالات السياسية السابقة التي لم تصل إلى نتيجة”.

التقت مونيكا بلقمان قبل 20 عاماً، و”كل ما عملناه سوياً طوال تلك المدة، كان محاربة مبدأ وثقافة الإفلات من العقاب، وسأسعى لعدم الإفلات من العقاب في قضية لقمان، هنا في لبنان، أو في أي مكان آخر”.

تشير مونيكا أن هذه الندوة والتجمع جزء من عدم نسيان قضية لقمان سليم، وبما أن العدالة لم تتحقق بعد، ستظل تسعى جاهدةً أن تُبقي هذه القضية حية في الأذهان، رغم أن نظام القضاء اللبناني “لا يعطيك أي أمل”، ولكن هدف مونيكا بالدرجة الأولى أن تعرف من قتل لقمان؟ لماذا؟ ومن أعطى الأوامر؟ وأن يساق إلى المحاكمة.

لم يقتل لقمان سليم صدفةً، ولم يقتل بلا سابق إنذار وتصميم، بل قتل بعد سياق تحريضي طويل، وان كان المجرم “مجهول” الهوية إلى اليوم، فإن المحرض غير مجهول، الذي وضع عبارة “المجد لكاتم الصوت” على جدران منزل لقمان “معلوم”، والذي أحرق خيمة لقمان سليم في وسط بيروت يوم انتفاضة 17 تشرين “معلوم”، والذي حرض في إعلام الممانعة عبر السنين، واتهم لقمان سليم بالعمالة للسفارات “معلوم”. المجهول هو ما تذهب إليه هذه البلاد إذا استمرّت فيها سياسة الإفلات من العقاب.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!