fbpx

“حتى الأبقار لم تسلم من الحرب”…
من ينقذ مربي الحيوانات في سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدو واقع تربية المواشي في سوريا في أسوأ أحواله، وبخاصة في ظل عزوف الجيل الجديد عن العمل في تربية المواشي التي لن تؤمن لهم مستقبلاً مضموناً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“اضطررتُ إلى بيع بقرتي الوحيدة، لم أعد أستطيع تحمل التكاليف، ولم يعد إنتاجها من الحليب كافياً لتغطية نفقاتها ودخلنا”، هكذا يختصر سامر (اسم مستعار) أزمة مربي الحيوانات في سوريا، الأزمة القديمة الجديدة والتي باتت خانقة بعد عقوبات قانون قيصر، ما أدى إلى ارتفاعٍ جنوني في أسعار علف الحيوانات، بسبب صعوبة استيراد الحبوب، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية، “حتى الأبقار لم تسلم من الحرب”، يعقب سامر ساخراً.

ليست المشكلة الوحيدة هي غلاء أسعار الأعلاف، فارتفاع سعر الغاز المنزلي وشحّه يشكلان الأزمة الأكبر للمربين، وبخاصة الصغار منهم والذين لا يمتلكون ما يكفي من رأسمالٍ، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المواصلات وشكوى المزارعين من فعالية الأدوية الطبية، إذ إنهم يشترونها بسعر مرتفع، دون الحصول على النتيجة المرجوة، فيلجأون إلى الأدوية المستوردة بأسعارها الأعلى، إضافة إلى  تسبب القحط في تراجع المراعي الطبيعية، من جهة أخرى وخلال سنوات الحرب تعرضت قطعان المواشي للذبح العشوائي والتهريب والسرقة، كان هذا سبباً في الارتفاع الجنوني لأسعار الأجبان والألبان، ما أدى إلى انخفاض قنوات التصريف بسبب ضعف القوة الشرائية لدى الناس.

يصل سعر الحليب إلى 2500 ليرة سورية أي أكثر من نصف دولار أميركي واللبن الرائب إلى 2800 أما كيلو اللبنة فحوالى 13000 ليرة سورية أي حوالى 3 دولارات وكيلو الجبنة 15000 ليرة سورية، أي نحو 4 دولارات، بينما متوسط راتب الموظف شهرياً حوالى 30 دولاراً أميركياً، وقد تختلف الأسعار بحسب الجودة إذ أن أسعار معامل الألبان والأجبان أقل من تلك التي تصنع في مزارع صغيرة أو تقوم النساء بإعدادها في المنازل والتي كان يفضلها المستهلكون بسبب جودتها المرتفعة وتأكدهم من عدم الغش في استخدام المواد.

لا يستطيع اليوم تحمل تكاليف تربية الماشية سوى أصحاب المزارع الكبيرة أو من يملكون آباراً في أراضيهم، ما يساعدهم على زراعة محاصيل لإطعام ماشيته، أما أكبر المتضررين فهم المربون من ذوي رؤوس الأموال الصغير ومن يمتلكون عدداً قليلاً من الماشية. ينطبق الأمر ذاته على تربية الماعز والأغنام، إذ باتت رؤوس الماشية تباع بأسعار زهيدة للغاية أو يتم منح القطيع لمربي آخر يستفيد من المنتج ويأخذ المواليد الجدد ليعيد القطيع لصاحبه في العام التالي. وكان مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام السوري، أعلن عن فقدان الثروة الحيوانية في سوريا نحو 40 إلى 50 في المئة من قطيعها. 

بدأ بعض الناس بشراء الحليب الخام وتصنيع اللبنة في المنزل بما أنهم يستطيعون التحكم بمستوى التجفيف وتركه رخواً وهذا يعني كمية أكبر من اللبنة، برغم أن مقدار التوفير قليل لكنه أفضل من اللاشيء.

لا حلول قريبة

تواصل الأزمات الاقتصادية ملاحقة الفئة الأكثر ضعفاً، ينتشر الفقر في منطقة الساحل، ويعتاش أفراد عائلات من تربية بقرة واحدة، إذ لا يستطيعون شراء غيرها، ويصرّفون منتجاتها عبر أفران الصاج المنتشرة على الطرقات، إذ يصنعون فطائر اللبن والجبن القريش وغيرها بانتظار السياح، ما يساعدهم على مواجهة قسوة الانهيار، إلا أنهم كانوا من أكبر المتضررين وبخاصة بعدما أتت الحرائق في السنوات الأخيرة على الكثير من المراعي التي كانت تعينهم، وأمام معضلة تجاوز الأزمة اضطر كثيرون إلى بيع مصدر دخلهم الوحيد ليواجهوا طوفان الفقر المدقع.

تلافي هذه الأزمة يبدو مستحيلاً إلّا في حالات الغش باستخدام بودرة الحليب أو النشاء لضمان تماسك اللبنة. ولتخطي هذه الأزمة دون خسارة مصدر الرزق يقوم عدنان (اسم مستعار) بشراء المخصصات التي توزعها الدولة على المربين الذين باعوا ماشيتهم، لكنهم ما زالوا مسجلين في سجلات الدولة، فأسعار أعلاف الدولة أقل لكنها أيضاً ذات جودة منخفضة، يستعين عدنان بإضافة الفيتامينات والكالسيوم ومضاد الفطريات إلى عناصر أخرى لرفع جودة العلف، يصل سعر كيس العلف الجيد وزن 50 كغ إلى نحو 110000 ألف ليرة سورية (28 دولاراً أميركياً قريباً)، بينما يشتريه عدنان من المربين السابقين بنحو 73000 ألف ليرة سورية بعد منحهم مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية على كلّ كيس، وهكذا ومع إضافة العناصر الغذائية يصبح سعر الكيس نحو 85000 ليرة أي 21 دولاراً أميركياً تقريباً.

إقرأوا أيضاً:

“أشباه الألبان والأجبان”

تدهورُ تربية الماشية يشكل سبباً اليوم في سوء التغذية وبخاصة للأطفال، يقول أحمد (اسم مستعار): “كنت أشتري لأبنائي بشكل يومي 2 كيلو حليب لدعم نموهم بعد نصيحة الطبيب، لكن وبعد ارتفاع الأسعار الجنوني ما عدت قادراً سوى على شراء 2 كيلو في الأسبوع بطوله”، من ناحية أخرى توجّه بعض الناس إلى شراء احتياجاتهم من المعامل أو من الأسواق الرخيصة، في الغالب يستخدم هؤلاء الحليب المصنع من البودرة، وهذا يعني أن طريقة التصنيع قد تكون غير صحية أو تضاف إليها مواد كالنشاء، “كنتُ أشتري لعائلتي  2 كيلو من اللبنة والجبن في كل أسبوع أما اليوم فأكتفي بكيلو واحد”.

بدأ بعض الناس بشراء الحليب الخام وتصنيع اللبنة في المنزل بما أنهم يستطيعون التحكم بمستوى التجفيف وتركه رخواً وهذا يعني كمية أكبر من اللبنة، برغم أن مقدار التوفير قليل لكنه أفضل من اللاشيء.

تقصير الحكومة السورية في مساندة المربين أدت إلى مفاقمة الأزمة، أمّا الأعلاف التي تمنحها بأسعار رخيصة ليست بكافية، إذ إنها تمنح في كلّ دورة علفية (من شهرين إلى ثلاثة أشهر) 150 كلغ من العلف بينما البقرة الحلوب تحتاج 15 كيلو من العلف يومياً أي 150 كغ في 10 أيام.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أصدرت العام الفائت، في محاولة لتلافي الأزمة، قراراً يسمح لمعامل الألبان والأجبان بتصنيع منتجات “أشباه الألبان والأجبان”، وهي بحسب توصيف الوزارة “منتجات غذائية يدخل في تركيبها الأساسي الحليب ومشتقاته، ويضاف إليه بحسب الرغبة الزيوت النباتية غير المهدرجة والنشاء المعدل وأملاح الاستحلاب والمنكهات الغذائية المسموح بها”. وهذا ما يعني التصريح بتداول مواد غذائية بجودة أقل وأرخص حتى تناسب الطبقات غير القادرة على شراء منتجات ذات جودة جيدة.

يبدو واقع تربية المواشي في سوريا في أسوأ أحواله، وبخاصة في ظل عزوف الجيل الجديد عن العمل في تربية المواشي التي لن تؤمن لهم مستقبلاً مضموناً، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والغذائية التي بدأت بالفعل بالتسبب في موجة سوء تغذية للأطفال والكبار أحد أوجهها هو العجز عن شراء منتجات الألبان والأجبان.

إقرأوا أيضاً: