fbpx

فرارٌ وبحث عن مهنٍ أخرى… عناصر الأسلاك العسكرية في لبنان رهائن الانهيار 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بات الفرار من الخدمة الحلّ الوحيد والأخير المتبقي أمام بعض عناصر قوى الأمن الداخلي، إذ تجاوز عدد الفارين في العام المنصرم 400 عنصر، على رغم تكتم المديرية التام عن الأمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نعتذر على تأخيركِ، عدد العناصر هنا لا يكفي، أغلبهم قد هرب”. 

بهذه العبارة برّر عنصر من الأمن العام طوابير الانتظار للمسافرين في المطار، عندما سألته إحدى المسافرات عن سبب وجود عنصرين فقط، فيما الزحمة في المطار خانقة. 

عبارة العنصر لم تحمل مفاجأة فهناك نقص في الموظفين فعلاً، إذ بات فرار عناصر الأسلاك الأمنية والعسكرية من الخدمة أو عدم الالتحاق بوظائفهم أمراً معلوماً جراء الانهيار الاقتصادي وتدهور رواتبهم إلى حدّ لا يكفي لمواصلاتهم حتى، إنما صراحة العبارة وشت بتطبيع مع انهيار مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسة قوى الأمن الداخلي، حتى بات الحديث عن فرار عناصرها أمراً سهلاً وعادياً.

“حاولتُ الهرب وأعادوني”

رامز (اسم مستعار)، هو شاب عشريني انخرط في مؤسسة قوى الأمن منذ نحو 10 سنوات، وكان يتقاضى ما يُقارب ألف دولار شهرياً، أما اليوم فراتبه بات يُساوي 60 دولاراً تقريباً. 

حاول رامز الهرب من الخدمة كما المئات غيره. لكنه سُجن 15 يوماً وأُعيد قسراً إلى العمل. 

يروي رامز لـ”درج” كيف تغيّر نمط حياته وتراجع إلى أدنى المستويات بعدما بات راتبه لا يكفي حتى للمواصلات الشهرية للوصول إلى العمل. إذ يسكن رامز في إحدى القرى النائية، بينما يخدم في بيروت، الأمر الذي يكلفه نحو 120 ألف ليرة وفق ما رواه. حينها قرّر التوقّف عن الذهاب إلى العمل، ولكن سرعان ما صدرت بحقّه مذكرة بحثٍ وتحرٍ وأُوقف عمل بطاقته العسكرية، وبالتالي بات رامز مسلوب الحرية، إذ تُصادر المؤسسة جواز سفر وهوية عناصرها. وهو ما أجبر الشاب على العودة إلى عمله قسراً. 

رامز، وغيره من عناصر السلك العسكري في لبنان، لجأوا إلى ممارسة أعمال ومهن أخرى لتأمين مدخولٍ إضافي. هو مثلاً، قرّر العمل بالزراعة وبيع محصوله، فيما عمل آخرون ممن تواصل معهم “درج” في مهنٍ أخرى، على سيارة أجرة، أو في تركيب لوائح طاقة شمسية، ومنهم من عمل نادلاً في مطعم أو حارس أمنٍ شخصياً. 

العمل بـ”السُخرة”

تعكس قصة رامز، وغيرها من قصص مئات الموظفين في المؤسسات الحكومية، كيف باتت المؤسسات الأمنية وتحديداً مؤسسة قوى الأمن الداخلي مهددة بنيوياً بسبب الأزمة المعيشية في لبنان. ذلك أن راتب الفرد بات لا يكفي كفاف يوم عائلته، بعدما فقد قيمته بنسبة 95 في المئة، فضلاً عن محاولات الاقتطاع التي بلغت الامتناع عن صرف المستحقات الاستشفائية والتعليمية للعناصر. 

سُجلت آلاف حالات الفرار من المؤسسة، إضافة إلى مئات العناصر الممتنعين يومياً عن الالتحاق بمراكزها، إذ علم “درج” أن حوالى 100 عنصر حُوّلوا من مراكزهم الأساسية إلى المطار، بهدف تأمين خدمة أفضل، لا سيما مع تزايد عدد الوافدين، إلا أن معظمهم لم يلتحق بسبب كلفة المواصلات العالية، خصوصاً أن أغلبهم يسكن خارج إطار العاصمة. كل ذلك يأتي عقب ما يُقارب 3 سنوات على توقيف التوظيف في الأسلاك العسكرية، وبالتالي توقيف التسريح الذي نصّ عليه قانون موازنة عام 2019، وحكم العناصر بعملٍ يشبه السخرة حتى إشعارٍ آخر.

الأزمة التي يُعانيها عناصر قوى الأمن تنسحب على كل عناصر السلك العسكري في لبنان، إلا أن المفارقة أن الأزمة لا تحط بثقلها على عناصر الجيش اللبناني مثلاً. فعدد عناصر الجيش يبلغ تقريباً 80 ألف عنصر، فيما لا يتجاوز عناصر قوى الأمن الداخلي 5 آلاف عنصر، وهو ما يسمح للقيادات العسكرية بالتساهل مع عناصر المؤسسة الأولى أكثر منه مع الثانية، لا سيما في ما يتعلّق بالإجازات وتخفيف أيام الخدمة والمساعدات. ففي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن دعم مالي بقيمة 60 مليون دولار للجيش اللبناني، وذلك عقب الإعلان عن صعوبات كبرى تتعلّق بتأمين حاجاته الأساسية من غذاء وأدوية وصيانة عتاد. وسبق ذلك وصول سفينة تركية إلى بيروت، تحمل 80 طناً من المواد الغذائية هدية للجيش. هذا عدا دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني بقيمة 67 مليون دولار، وفق ما أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند. كل ذلك يأتي فيما لم تتجاوز المساعدات المادية المقدمة إلى مؤسسة قوى الأمن سوى مليون و400 ألف ليرة شهرياً للعنصر، بدأ العمل بها منذ شهرين فقط، وفق ما علمه “درج”. ويُشار إلى أن المساعدات التي تصل لقيادات الجيش قد لا تُطاول العناصر، إذ تواصل “درج” مع عدد من عناصر الجيش وأكّدوا جميعهم أن المساعدات المالية التي حصلوا عليها لا تتعدّى 300 دولار خلال عامٍ واحد. كما أكّدوا أنهم تلقّوا وعوداً بحصول كل منهم على مبلغ 100 دولار شهرياً، وهو ما لم يُطبّق حتى الآن. 

الفرار… الحلّ الوحيد

بات الفرار من الخدمة الحلّ الوحيد والأخير المتبقي أمام بعض عناصر قوى الأمن الداخلي، إذ تجاوز عدد الفارين في العام المنصرم 400 عنصر، على رغم تكتم المديرية التام عن الأمر. فموظفو السلك العسكري ممنوعون من العمل في مكانٍ آخر، وفقاً للقانون. علماً أن قيادات الأجهزة الأمنية تُحاول عبر ضباطها التعامل مع العناصر بتساهلٍ وتفهّم بالغين، حتى مع حالات الفرار والتمرّد، إذ يتم التعامل بمرونة وتخفف العقوبات مهما كانت المخالفات في حال كانت ناتجة عن تأزم الوضع المعيشي. إذ قال رامز، وغيره ممن تواصل معهم “درج” من قوى الأمن، إن “المؤسسة تعلم بالمهن الأخرى التي نمارسها، وتغضّ النظر عن ذلك”. هذا عدا تخفيف ساعات العمل لدى كثر.  

على صعيدٍ موازٍ، تُرفض طلبات تسريح العناصر منذ أكثر من 3 سنوات، على رغم انتهاء عقود تطوّع كثيرين. أما مأذونيات السفر، فترفض دائماً، بعدما لجأ إليها موظفون كثر. حتى حصول هؤلاء على هويات وجوازات سفرهم للفرار والبقاء خارج البلاد، باتت متعذرة. وهو ما يطرح الهرب كحلٍ وحيد. 

عقب الفرار، يحوّل ملف المنتسب إلى المحكمة العسكرية، والتي تتخذ بحقه حكماً بالسجن من 30 إلى 60 يوماً، ويتم تحويله إلى المجلس التأديبي، ومن ثم يتم طرده من المؤسسة. أما اليوم، فتتم معاقبة العسكري الفارّ بالحبس وكسر الرتبة، ومن ثم يعاد إلى المؤسسة، وفقاً للقانون رقم 17 لتنظيم قوى الأمن الداخلي. وفق المحامية ديالا شحادة، التي تتابع قضايا بعض العناصر في المؤسسة المذكورة، فإن “للمؤسسة السلطة الاستنسابية في تسريحه أو عدم تسريحه، ولا يحق لها حرمانه مستحقاته المالية وإنما التحفظ عليها إلى حين تنفيذ حكم القضاء العسكري”. وإلى ذلك الحين، فإن أغلب عناصر الأسلاك العسكرية في لبنان، تحت الإقامة الجبرية. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!