fbpx

الرقص علاجاً: هل ينجح الجسد في تحريرنا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الباليه والسالسا والهيب هوب والرقص الشرقي وغيرها من فنون التعبير الجسدي، تنتمي، كما هو شائع، إلى المجال التعبيري والفني أو الرياضي، وهي تساهم طبعاً في تحسين الأوضاع النفسية للأشخاص الذين يمارسونها، من دون إشراف متخصصين بالعلاج النفسي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ترقص نيفين يقظان كما لو انها تتكلم. بالأحرى هي تعجز عن التعبير عن نفسها بشكل مريح بالكلام، كما تقول، لهذا لجأت إلى الرقص لتُخرج ما في داخلها، وتخفف عن نفسها. ببساطة ترقص كطريقة للعلاج. لدى خروجها من إحدى جلسات “العلاج النفسي من خلال الرقص والحركة” DMT، تعبّر يقظان عن امتنانها من التجربة: “أهم شعور أخذته معي من الجلسات كان السلام الداخلي، وإحساسي إني بقدر اتحرك بحرية من دون ما احكم على حالي”.

لكن ما هو هذا النوع من العلاج؟ هل هو مجدٍ فعلاً؟ وهل الرقص قادر حقاً على تحسين حالتنا النفسية خصوصاً في بلاد تواجه أزمات كالتي نعيشها؟

الباليه والسالسا والهيب هوب والرقص الشرقي وغيرها من فنون التعبير الجسدي، تنتمي، كما هو شائع، إلى المجال التعبيري والفني أو الرياضي، وهي تساهم طبعاً في تحسين الأوضاع النفسية للأشخاص الذين يمارسونها، من دون إشراف متخصصين بالعلاج النفسي. لكنها تختلف عن “العلاج النفسي من خلال الرقص والحركة”، الذي يعتبر من أساليب العلاج المعتمدة علمياً في الصحة النفسية، بعدما  أثبتت الدراسات والأوراق البحثية المعتمدة على التجارب السريرية  فوائدها على الصحة النفسية بالتوازي مع الجسدية. 

في لبنان، ظهرت الحاجة إلى هذا النوع من العلاج في السنوات الأخيرة مع تفاقم الأزمات، الاقتصادية والأمنية والسياسية والصحية، وانعكاسها على اللبنانيين. وتم افتتاح مركز متخصص في لبنان بإشراف المعالجة النفسية بالرقص صولين دكاش.

تعمل دكاش في مجال المسرح الاجتماعي والفنون العلاجية كالدراما والحركة والرقص، وتعرف عن نفسها كناشطة اجتماعية في المسرح الاجتماعي. تبدأ دكاش الحديث بالإشارة إلى حداثة هذا العلاج نسبياََ في المنطقة العربية وقدرته على المساعدة في علاج التوحد والعنف والصدمات الناتجة عن العنف والصراعات المنزلية، إضافة إلى صعوبات التواصل الاجتماعي، وتضيف: “العالم أوقات بيجوا ليجربوا أو لأنه بحبوا الحركة. وأوقات بيجوا لأنه صعب عليهم التعبير بالكلام، وفي أشياء لازم تطلع”.

يساعد العلاج النفسي من خلال الرقص والحركة في التخفيف من وطأة المشكلات النفسية والجسدية والإدراكية. ويعتبر القلق والاكتئاب واضطرابات الطعام وانخفاض الثقة بالنفس، إضافة إلى القلق الناتج عن الصدمات، من المشكلات النفسية التي يتدخل هذا العلاج في حلها. بالنسبة إلى نيفين يقظان التي تختبر هذا النوع من العلاج، تمثل هذه الجلسات “مساحة آمنة وحرّة” للتعبير عن نفسها والتعلم ممن حولها، وتقول: “قررت بلش إحضر الجلسات لإني حدا بده شوية وقت ليقدر يعبّر بالحكي عن اللي بحسه، فكان عبالي إختبر إذا بالحركة بقدر إتوصل لهيدا الشي”. 

بحسب دكاش، يناسب هذا العلاج الناس في كل مكان، ويحتاجه اللبنانيون بشكل خاص بسبب الظروف الصعبة، التي نشرت مساحات التعب والحزن والقلق، وصارت حالات الاكتئاب شائعة جداً في ظل الأزمات الكثيرة. لذلك، أصبح من المهم أن نسترجع التواصل مع أجسادنا التي خزّنت الكثير من الهموم والأوجاع والصدمات، وتحريكها لتلتقي وتتخطى الخوف من الآخر بسبب الأفكار والمعتقدات الإقصائية التي زرعها فينا المجتمع.

ليست المشكلات النفسية والاجتماعية الوحيدة التي يمكن عبر الرقص والحركة التدخل للسيطرة على تأثيرها أو حدتها، بل أيضاً المشكلات الجسدية، كالآلام المزمنة والشره الممتد منذ الطفولة والسرطان والتهاب المفاصل وارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية. ويعد تعثر العمل الوظيفي للدماغ ومشكلات التواصل من الحالات الإدراكية التي يتوجه إليها هذا النوع من العلاج أيضاً.

إقرأوا أيضاً:

على رغم الفوائد المثبتة علمياً للرقص في تحسين الصحة النفسية، إلا أنه يختلف عن العلاج النفسي من خلال الرقص، لذلك، يتم الخلط بينهما في معظم الأحيان. الحركة في المساحة المخصصة للعلاج النفسي من خلال الرقص ليست مجرد تمرين جسدي. فتترجم الخطوات والانسيابية والحركة كلغة تواصل أكثر من كونها تمارين. بالإضافة إلى الاختلاف بين المدربين في كل من الحالتين، فالرقص العادي يعتمد على مدرب مختص أو راقص محترف، أما في حالة العلاج من خلال الرقص، فيقوم معالج مختص بمراقبة الحركات ولغة الجسد لتقييمها، ومتابعة السلوكيات غير اللفظية والانفعالات العاطفية لتطوير التدخلات العلاجية التي تخاطب الاحتياجات الخاصة بالمريض.

تقول يقظان بنبرة تشجيعية: “الحركة بالجلسات بسيطة ومألوفة، يعني أغلبها منعيشها بحياتنا اليومية أو مختبرينا يمكن نحنا وصغار، لهيك مش مطلوب مننا مهارات محددة. بهالطريقة، بيرجع الواحد يتواصل مع نفسه بطريقة كتير بسيطة، ما بدها خبرة ولا جهد، لهيك أي حدا وبأي عمر فيه يشارك”.

أثرت جائحة “كورونا” في قدرة الناس على التواصل جسدياً ونفسياً، وفرضت مسافات أثرت بدورها على التواصل مع الذات أيضاً. تعلّق يقظان على الموضوع قائلة: “التمارين اللي منعملا بتعطي إحساس إنك جزء من جماعة. منرجع منتواصل مع حالنا ومع الناس بمطارح كنا ناسيين إنه مسموح إلنا نتواصل فيها”.  

تعتمد دكاش بروتوكولاً علاجياً معيناً. تبدأ الجلسة بالإحماء الذي يتطور تدريجياً لعملية حماية الجسد وبناء العلاقة معه ومع الآخرين ومع المكان، بخاصة إن كان الأمر جديداً أو غير مألوف. ومن ثم يتم الانتقال خطوة بعد خطوة إلى صلب الجلسة التي تتم في إطار أو setting محددين، حيث يحصل الاستكشاف والتواصل والدمج لإحدى الأشياء التي تفعلها أو اكتشفها المتدربون. بإمكان التعلم أن يكون إعادة اكتشاف لحركات من الجسم تم نسيانها، وكل شيء له علاقة بالتواصل والتعاطف مع الآخرين. 

 في القسم الأخير من الجلسة يتم التحضير للخروج منها بطريقة آمنة ومريحة للجسم والعقل والنفسية، فنحصل على نوع من التنظيم للطاقة أثناء الخروج. ونختم في النهاية بطقس معين قد يكون رقصة جماعية أو شيء آخر كحركة بسيطة إلى جانب الكلام الختامي لنكون جاهزين للعالم الخارجي، تقول يقظان. 

تشرح دكاش التحديات التي تواجه عملها وتبدأ بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر فيها البلاد فتقف عائقاً أمام مشاركة الناس في الجلسات لسببين، أولهما الوضع المادي والآخر أزمة المحروقات التي تعطل حركة الناس ووصولهم إلى المركز. لذلك، تكون أغلب الجلسات أو المشاريع مدعومة من المؤسسات لتأمين التعويض المالي لي، ولكن تبقى مصاريف التنقل عقبة مهمة على رغم مجانية الجلسات.

ويكمن التحدي الثاني في وصول هذه المشاريع إلى شريحة محددة من الناس التي تتمثل بالشباب، ويعود الأمر غالباً لاستخدام فئة الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر من الأعمار الأخرى. تعلق دكاش على المشكلة قائلة: “نحنا بحاجة نبذل مجهود أكبر لتأمين وصول هذا النوع من الأنشطة لفئات عمرية واجتماعية أوسع”.

تنعكس مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في لبنان على استمرارية النشاطات وفاعليتها، وتعاني معظم المراكز من مشكلة تأمين المازوت اللازم للمولدات. تحكي لنا دكاش تجربتها خلال هذه المرحلة الصعبة، وتقول: “مرة من المرات اشتغلنا على لمبات تشريج، ومرات على ضو البطارية اللي كان يضوي بس ربع المكان. استغلينا هالمشكلة لصالحنا وصرنا نرقص ونتحرك مع خيالاتنا. تعبنا كتير حتى أمّنا الإضاءة المناسبة، لأنه لازم نعمل كلشي منقدر عليه حتى ما نخسر فرصة انه نلتقي ونتحرك ونطالب ونوصل”.

إقرأوا أيضاً: