fbpx

عمّال لبنان: مسيرة نضال أطلقتها “وردة” منذ 1946 وتستمر حتى اليوم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هي طبقة تسعى في كل دول العالم لتأمين لقمة العيش فتطمسها الدولة وتحاول إسكاتها. واليوم، يبدو المشهد في لبنان قاتماً بالفعل، انهيار مجتمعي ومأساة تطاول الجميع. فما مصير عمّال لبنان وماذا عن حقوقهم؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المعلومات الواردة في المقال هي أحداث واقعيّة بعضها مأخوذ من فيلم “وردة للعمال”

“ما بتمرقوا الا عأجسادنا”، هي جملة قالتها وردة بطرس ابراهيم وزميلاتها النقابيات عندما تمدّدن على الأرض لمنع رجال الأمن من فتح مستودعات التبغ بالقوّة في إضراب عمال “الريجي” عام 1946. وردة، انة بكفيّا، كانت واحدة من اللبنانيين الذين نزحوا من قراهم إلى بيروت اعتقاداً منهم أن ظروف العمل في العاصمة أفضل. عملت في مصنع للتبغ مع والدها في فرن الشباك في بيروت، وكان راتبها يعادل نصف راتب الموظفين الذكور. العمل في المصنع كان مرهقاً فلم يُعطَ للموظفين الوقت الكافي لتلبية حاجاتهم من مأكل أو مشرب أو حتى الدخول إلى الحمام.

آنذاك، كان كل عامل يطالب بحقوقه يتعرّض للمطاردة أو السجن، ما دفع وردة للانضمام سراً إلى نقابة عمّال التبغ. وأولى مظاهر الحركة العمالية كانت مع حسن الدرزي، وهو موظف في شركة الكهرباء، تقدّم بدعوى ضد الشركة أمام محكمة العدل وكان الحكم لمصلحته. عندها، قرّر عمال “الريجي” التحرّك وساهمت وردة بتوزيع بيان يدعوهم للمشاركة في الإضراب والمطالبة بزيادة الرواتب ودفع بدل غلاء المعيشة الذي كانت أقرّته الدولة.

إضراب عمّال الريجي عام 1946

رفضت إدارة الشركة المطالب وطردت 24 نقابياً ونقابية من عملهم، وهذه كانت من أولى القرارات التعسفية تجاه العمّال في لبنان. وضمن نزاع شركة الكهرباء والدرزي، قدّمت الدولة، كطرف ثالث، اعتراضاً على الحكم الصادر لمصلحة الدرزي. هذا ما دفع عمّال الريجي إلى الاستمرار في إضرابهم ولحقه غضب وزير الداخلية حينها صائب سلام آمراً بفتح المستودعات عنوةً. تمدّدت النقابيات على الأرض لمنع رجال الأمن من اقتحام المستودع، كانت حركة نضاليّة تبعتها 40 دقيقة من الرصاص نتج عنها 30 جريحاً، ومقتل نجم حبيقة والشابّة وردة بطرس ابراهيم.

“وردة للعمّال”، هو اسم الفيلم الوثائقي التي أطلقته “المفكّرة القانونيّة”، من إخراج ديمة أبو رجيلي، وإنتاج سينتيا شقير، وإعداد غادة صالح، وكريم نمور، ونزار صاغية. 

في أواخر 2019 تم تسريح 160 ألف عامل من عملهم. ما دفع بالمفكرة القانونية لعقد مؤتمر صحافي على اعتبار أن ما يحصل شبيه بوباء على سوق العمل ويجب إعلان حالة الطوارئ. من هنا، كانت فكرة إعداد فيلم “وردة للعمّال” المقتبس من اسم وردة بطرس إبراهيم، التي قُتلت برصاص النظام دفاعاً عن حقوق العمّال. برغم انتهاء الانتداب الفرنسي على لبنان، ظلّت أشلاؤه متربّصة بالنظام اللبناني الذي استمر بخنق العمّال حتّى فقدوا أدنى حقوقهم بقوانين بالية.

وهنا يؤكد الباحث القانوني كريم نمّور، معدّ الفيلم، ضرورة التفريق بين الحركة العمالية والنقابية. فالحركة النقابية “تحمل طابعاً مؤسساتياً ومن الصعب أن تكون مستقلة تماماً عن السلطة”، أمّا الحركة العمّالية فهي “تستطيع أن تكون مستقلة وتنشأ من العمّال أنفسهم لتحقيق مطالبهم والمحافظة على حقوقهم”.

في 22 أيلول/ سبتمبر 1946، صدر قانون العمل لكنّ المادة 50 منه كرّست حق صاحب العمل بصرف العمّال كما يريد وهذا كان “انتصاراً وهمياً” تبعه انتهاكات لحقوق العمّال، أهمّها كانت طلب ترخيص لإنشاء نقابات وعدم الاكتفاء بـ”العلم والخبر” كما غالبيّة دول العالم، ما أفسح مجالاً للمقربين من السلطة بإنشاء نقابات مسيّسة بعيدة من حقوق العمّال.

إقرأوا أيضاً:

سيناريو “الريجي” تكرّر في “غندور”

بعد فترة الخمسينات، انقسمت النقابات في لبنان إلى قسمين: يميني مقرّب من السلطة، ويساري معارض. وأقرّ قانون الضمان الاجتماعي عام 1963، وتأسس المجلس الأعلى العمال في 1967. كذلك، نشأ الاتحاد العمالي العام سنة 1970 ووحد النقابات والاتحادات.

استمرت الحركات العمّالية، التي عرضها الفيلم، مع كل تعدٍّ على حقوق العمال. لكنّ أيادي المنظومة خرقتها منذ إضراب عمّال الريجيه إلى “غندور”.  

ضمن مسلسل التعدّي على الحقوق، كان لعمّال معمل “غندور” نصيب وافر، إذ تحرّكوا بعدما كانوا يعملون لأكثر من 12 ساعة في اليوم، للمطالبة بحقوقهم. تكرّر سيناريو الريجيه وأنهى رصاص الأمن حياة ثلاثة أشخاص: يوسف العطّار الذي سقط مدافعاً عن “عاملة البسكوت” فاطمة خواجة التي قُتلت أيضاً إلى جانب طفلة صغيرة، فيما جُرح خمسة أشخاص. عمّت البلاد حالة غضب واعتُقل المتظاهرون واتهموا بـ”الخيانة”. نشأت حينها جمعية “أكثرية عمال وعاملات الغندور” لتدافع عن إدارة الشركة التي سرّحت 79 عاملاً. وفي 2 نيسان/ أبريل 1974 دعا الاتحاد الوطني للنقابات إلى “مسيّرة الرغيف”.

في فترة الحرب الأهلية اللبنانية، تعاونت الحركة العمالية مع هيئات المجتمع المدني للمساهمة في تصحيح الأجور رغم الارتفاع الهائل للأسعار. ومع دخول لبنان فترة الوصاية السورية واستلام رفيق الحريري رئاسة الحكومة، بدأت ليبرالية النظام اللبناني تتجه نحو “النيوليبرالية”. وعمدت السلطة حينئذٍ إلى  وضع يدها على الاتحاد العمالي العام. حيث ارتفع عدد النقابات من 250 إلى 600 وما فوق، وزاد عدد الاتحادات من 32 إلى 62. كما نشأت خلافات داخل الاتحادات حتى انشق بعد إعلان نتيجتين متعارضتين في الانتخابات الثانية له عام 1997. فقد أُعلن عن فوز المرشح غنيم الزغبي داخل مقر الاتحاد، بينما أعلِنَ في الخارج فوز المرشح الياس ابو رزق.

عمّال “سبينيس”

عام 2012، استلم غسان غصن، المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئاسة الاتحاد العمالي العام. وأصدر قرارات كان أبرزها تخفيض الحد الأدنى للأجور من 800 ألف ليرة لبنانية إلى 675 ألف. “وهنا انحاز الاتحاد العمالي العام إلى هذه الأوليغارشية التي تمثل مصالح ضد العمال”، يقول الخبير الاقتصادي محمد زبيب في الفيلم.

“اندلعت حرب ضروس للحصول على إذن تأسيس نقابة لنا، والمؤسسة استخدمت الترهيب والترغيب حتى الضرب”، يقول أحد موظفي “سبينيس” في الفيلم. طردت الإدارة الكثير من العمّال بسبب مشاركتهم النقابية، واستخدمت أسلوب تفريق النقابيين أي نقل كل شخص إلى فرع مختلف عن الآخر. كما غندور سابقاً، ظهر “موظفو سبينيس الأوفياء” لتدعم إدارة المؤسسة. 

طبقة العمّال اليوم: عرضةً للتهميش الاقتصادي والاجتماعي

عام 2019، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير قراراً قضى بإدانة شركة “غراي ماكنزي رايتل”، التي تملك “سبينيس”، ومديرها التنفيذي مايكل رايت. جاء ذلك بعدما رفع الموظفون الثلاثة: ميلاد بركات، وايلي أبي حنا، وسمير طوق دعوى قضائية ضد الشركة ومديرها قبل سنوات. بعد أحداث 17 تشرين من السنة نفسها، تأسست نقابات مستقلة من دون أخذ إذن مسبق من وزارة العمل.

“مجالس العمل التحكيمية التي تنظر بدعاوى العمل، اتّضح أنها كانت عائقاً بسبب وجودها فقط في مراكز المحافظات الاساسية فيما تبعد من أماكن العمل. لذلك ينظر إلى التوجه نحو القاضي المنفرد المدني بدلاً من تلك المجالس”، يقول المحامي كريم نمّور لموقع “درج”. 

العمّال هم أنفسهم الذين انتفضوا عام 1946 وحتّى اللحظة لم تنصفهم القوانين على رغم التعديلات الشكلية التي كان آخرها في السبعينات. فبحسب نمّور، لا يأخذ الموضوع العمّالي اهتماماً أساسياً في لبنان، بل لا يزال مهمّشاً.

“على من يتذرع بأن الفسخ حصل نتيجة لإساءة استعمال الحق أو لتجاوزه، أن يقيم الدعوى بذلك أمام مجلس العمل التحكيمي خلال مهلة شهر من تاريخ ابلاغه الفسخ”، تنصّ المادة 50 من قانون العمل اللبناني.

حقيقةً، لا تمثّل المادة 50 الوضع الراهن في لبنان بشكله الحالي. فالمهلة المعطاة لردّ قرار الصرف أو الطعن فيه هي شهر واحد. بسبب ذلك، خسر كثر من الموظفين عملهم في السنوات الثلاث الأخيرة. وانهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي كان جزءاً أساسياً من خسارة الكثير من العمّال مداخيلهم.

يتخوّف المحامي نمّور من بروز فئات جديدة مهمّشة في المجتمع بسبب الارتهان في النظام اللبناني، “التهميش الاقتصادي يلحقه التهميش الاجتماعي، وهذا يعني السيطرة على كل الفئة العمالية، ما يفقد المجتمع المقومات التي تتيح له أن يصبح ناشطاً”. 

في كل المحطّات التي مرّت بها طبقة العمّال من “الريجي” إلى “غندور” فـ”سبينيس”، يبقى السؤال: “أين تحسّنت أوضاع العمّال؟”. غالباً ما كان ثمن المطالبة بالحقوق المشروعة ينتهي بالقمع ومحاولات التدجين، لتبقى نضالات العمال أرشيفاً لا يمكن نسيانه.

هي طبقة تسعى في كل دول العالم لتأمين لقمة العيش فتطمسها الدولة وتحاول إسكاتها. واليوم، يبدو المشهد في لبنان قاتماً بالفعل، انهيار مجتمعي ومأساة تطاول الجميع. فما مصير عمّال لبنان وماذا عن حقوقهم؟ 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.