fbpx

لبنان: وائل عرقجي يصدّ هجمة ميقاتي المرتدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاستثمار السياسي في الرياضة بشكل عام، وبكرة السلة بشكل خاص، هو فعل منبوذ لطالما اقترفته السلطة. لكن استثمار الماضي كان يفترض أن لا يمر هذه المرة، وفي راهن مزدحم بالمآسي. وهو ما كان بطله وائل عرقجي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عجيب أمر السيد نجيب ميقاتي. رئيس حكومتنا يحاول من جديد أن يمنحنا أملاً لا يملكه، وهو أحد قاتليه. إنه أمل يأتي من مكان آخر تماماً، إنه في أندونيسيا.

 بعد فوز منتخب لبنان بكرة السلة على نظيره الأردني، اصرَّ نجيب ميقاتي بعد المباراة ان يستبيح وجداننا مرةً اخرى، وأن يحتكم إلينا في منازلة ارادها أخلاقية بينه وبين قائد الفريق اللبناني وائل عرقجي.

  يستحق نجيب ميقاتي دون شك “بلوك شوت” آخر، كان وائل عرقجي قد فعله ضد “رميته ” الكلامية التي تلت فوز لبنان على الصين، حين رفض عرقجي مباركة ميقاتي بوصفه أحد المسؤولين عما آل إليه لبنان. لكن “البلوك “هذه المرة قد لا يبادر إليه عرقجي نفسه. هو على الأرجح على عاتق اللبنانيين المحتكَم إليهم وهم يقارعون مآسي السلطة التي يقف نجيب ميقاتي على رأسها، بالفرح الآني الذي يصنعه عرقجي ورفاقه. 

  في وجدان أكثر اللبنانيين، كان “البلوك شوت” السياسي الذي صنعه وائل عرقجي، يعادل او يتفوق على مثيله الذي صنعه في الثواني الأخيرة من مباراة الفريقين اللبناني والصيني اللاعب “المجنس” جوناثان ارليدج، والذي منح فريقنا بطاقة التأهل إلى نصف نهائي البطولة الآسيوية.

 الاستثمار السياسي في الرياضة بشكل عام، وبكرة السلة بشكل خاص، هو فعل منبوذ لطالما اقترفته السلطة. لكن استثمار الماضي كان يفترض أن لا يمر هذه المرة، وفي راهن مزدحم بالمآسي. وهو ما كان بطله وائل عرقجي. 

  المفارقة أن نجيب ميقاتي بدا الضحية الوحيدة لتغريدة عرقجي، رغم أن سياسيين آخرين كانوا سبقوه إلى استحضار مفردة الأمل، ومنهم رئيسي الجمهورية ومجلس النواب. وعرقجي في تغريدته لم يوفر هؤلاء وإن أصاب ميقاتي أولاً، فهو لم يفته في مذمته أن يعطف على الأخير أمثاله من السياسيين.

  لنعود إلى المنازلة التي أراد نجيب ميقاتي أن يحتكم فيها إلى اللبنانيين. 

  هي عموماً منازلة بين السياسة في كل مفاصلها، وبين حدث رياضي أفضى إلى فرح، ولو مؤقت، وفي زمن بؤس عميم هو صنيعة الأولى. نحن والحال أمام منازلة بين القبح والحُسن، بين الدنس والفضيلة، وبين البؤس والفرح. ومنازلة كهذه أسوأ ما فيها أن نجيب ميقاتي يعتقد خائباً أنه سينتصر فيها على وجداننا قبل ان ينتصر على وائل عرقجي .

  وعرقجي وقد مثلَّنا، كان النموذج المانع للإستثمار السياسي أولاً، ثم، وهذا ليس بتفصيل، انَّ اللاعب الموهوب وهو يصنع هذا الرادع الأخلاقي، يصنعه من موقع معيشي لا يقاس بأحوال وأهوال معظم اللبنانيين. فاللاعب ميسور على الأرجح قياساً على ما يجنيه من احترافه للعبة ترتبط بالمال، وهذا لا يعيبه قطعاً. فها هو عرقجي يكتب تغريدته مثقلاً بمآسينا، بقدر ما هو مفعم بالفوز، وهو ما يصنع فارقاً هائلاً يفضي إلى حسم المنازلة الأخلاقية التي أرادها ميقاتي بين السياسي والرياضي لصالح الأخير. نحن والحال أمام انعدام الأخلاق في حالة الأول، بقدر كثافتها في حالة الثاني.

  في مباراة لبنان والصين، يستدرجنا “البلوك شوت” الذي فعله اللاعب المجنس جوناثان ارليدج، إلى منازلة أخرى بين السياسة والرياضة، وبينهما التجنيس.

   غالباً ما ارتبط منح الجنسية اللبنانية لغير اللبنانيين بمصالح انتخابية وسياسية ومالية، كما في المرسوم 5247 الصادر في حزيران/يونيو 1994، والمرسوم 2942 الصادر في آيار/مايو 2018. المرسوم الأول منح الجنسية اللبنانية لأكثر من 200 ألف شخص أغلبهم من السوريين والفلسطينيين، وكانت علته أنه ذو بعد انتخابي استفاد منه بشكل أساسي الراحلين رفيق الحريري وميشال المر، فيما الثاني تنكبه رئيس الجمهورية ميشال عون، وشمل 405 أشخاص بينهم رجال أعمال مقربين من النظام السوري.

  جوناثان ارليدج هو آخر من حصل على الجنسية اللبنانية، وبمرسوم هو من الفضائل النادرة لميشال عون. وهو اللاعب الذي باشر اللبنانيون فرحهم الراهن في أعقاب “البلوك شوت” الذي فعله في مباراة الصين.

  نحن إذن أمام منازلة أخرى تحسمها الرياضة لمصلحتها، وبطلها ليس إلا جوناثان ارليدج، والذي أجاب بالمناسبة، على السؤال الساخر لوئام وهاب عن الخدمات التي سيقدمها للبنان جراء منحه الجنسية.

   والحال، وإذا كنا محكومين بالأمل على ما قال سعدالله ونوس، فهو أمل بين أيدي وائل عرقجي ورفاقه، وليس بما يهرقه نجيب ميقاتي وأمثاله. وهو، أي الأمل، وإن كان سيفضي إلى فرح مؤقت سيعيشه اللبنانيون أبطالاً أو وصافة، فإنه أيضاً سيخضع لاختبار مناعته أمام الخيبة. الأخيرة غالباً ما كانت صورة تذكارية يتوسط فيها رئيس البؤس صانعي الأمل.

إقرأوا أيضاً: