fbpx

هل القضية الفلسطينية حكر على المغايرين جنسياً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يسهل على بعض منتقدي إسرائيل اتباع مسارها بالتعامل مع الفئات التي لا يحبذونها في المجتمع. فيرفضون العنف إذا مورس عليهم ويقبلونه اذا مارسوه على اخرين واستهدفوا به فئات لا تروق لهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صدحت أصوات في الآونة الأخيرة ترفض تقاطع القضية الفلسطينية مع قضايا مجتمع الميم عين ولا ترى مسألة الحق الفلسطيني بوصفها قضية تحرير وطني عابر للهويات بل بوصفها قضية وطنية بمظلة دينية. 

تصاعدَ خطاب يزاوج بين القضية الفلسطينية والبعد الديني وهو ما فجر مساراً شرساً إعلامياً وقانونياً وسياسياً، اعتمد على شيطنة مسائل الهويات بوصفها “دنساً” يؤثر في القضية.

تبرر هذه الجهات مناهضة حقوق الأقليات الجندرية بالاستناد الى تفسيرات دينية تحديداً إسلامية، وهذه التفسيرات اختزالية خصوصاً كونها تضيق الخناق على قضية تتسم بأنها قضية جامعة ضد الظلم والاحتلال والاستيطان. هكذا أمست بالنسبة إلى البعض القضية الفلسطينية بوصفها حكراً على المغايرين الإسلاميين، يتمسكون بالدين كسلاح ضد المثلية.

ينتقد إسلاميون ومحافظون الكويريين لطرحهم شكلاً مختلفاً للحب وللأسرة،  ويرفضون تحويل حراك مجتمع الميم عين إلى حراك سياسي عام يتقاطع مع قضايا الحقوق بمظلتها الواسعة. 

يريد هؤلاء المتسترون بالدين أن يحارب  كل الناجين من النظام الأبوي نظامهم على حدة ليهزم كل واحد منهم على حدة، متناسين أن كل قضايانا مسيسة، فالسياسة والقوانين والمجتمع، تدخل حتى الى فراشنا لتحدد خياراتنا الشخصية. 

يريد المدافعون عن القضية الفلسطينية من بوابة الدين والأخلاق من منظورها التقليدي، الاهتمام بأولويات السياسة والاقتصاد لكن مع إنكار تام لتسييس المجتمع لعلاقاتنا، متناسين أن السياسة تحاكمنا على خياراتنا الشخصية فتحدد لنا من نتزوج ومن نرفض، تثني علينا اذا امتثلنا جندرياً وتعاقبنا إذا لم يكن خيارنا وفق تصورها. 

ينتقد إسلاميون ومحافظون الكويريين لطرحهم شكلاً مختلفاً للحب وللأسرة،  ويرفضون تحويل حراك مجتمع الميم عين إلى حراك سياسي عام يتقاطع مع قضايا الحقوق بمظلتها الواسعة. 

حميميتنا شأن ثقافي وتنطبع بأحاديثنا اليومية، وعندما ندافع عنها، نتصدى للغة الكارهة لحرية الجسد وحق صاحبه بالاختيار بالنيابة عن جسده. لذا، تجب محاسبة الجهات المؤثرة التي تعرف عن نفسها بأنها “تهتم بصناعة محتوى عن فلسطين “عندما ترفض هذه الجهات المؤثرة أن تغطي الانتهاكات الإسرائيلية لمجتمع الميم عين الفلسطيني كأنها لا تتقاطع مع القضية الفلسطينية. أو كأن كل ظلم أو استبداد يجب أن يحاسب على حدة ولا يتقاطع بإطار سياسي واحد. وتعتبر انتقاد سكوتها عن هذه القضايا “رقابة على الصمت”.  

تتخوف هذه الجهات من تفتيت الدفاع عن الأقليات المشروع الاستقلالي للأكثرية. بذلك، تفصل الفلسطينيين الى مجموعات تدافع كل منها عن حقها على حدة فيسهل على الاحتلال أن يغلبها. كما أنها تضحي بجزء من الفلسطينيين معتبرة أنهم غير جديرين بلقب “مقاومين” لأنهم لا يتفقون مع الصورة النمطية عن الفلسطينيين التي تسعى هذه الفئات إلى تكريسها، فتتركهم لسطوة الاحتلال وعيش ضعف الاستبداد كعرب وأقلية جندرية تحت الاحتلال. وتقسم القضايا إلى تلك التي لا تستحق النضال وأخرى تستحقه فتصب مجهودها بتلك التي تستحق النضال وتهمش الأقلية التي تتهمها هذه الجهات بأنها أعادت تحديد القيم الاجتماعية. 

بما يشبه نظرية المؤامرة، تريد هذه الجهات أن تقنعنا بأن الأقلية الجندرية ترمي الى السيطرة على المجتمع. من يحمي الأقلية الجندرية في هذا السيناريو المهول؟ لا أحد. وهل كانت سترفض وتخون الأقلية الجندرية إن لم تفضح ميولها؟ طبعاً لا.  

رفض تقاطع القضايا في الحالة الفلسطينية ليس رفضاً للغسيل الوردي كما يعتبره البعض بل هو رفض للتحرير الكويري. يمنع هذا الرفض مجتمع الميم عين، وغيره من المجموعات ذات القضايا “الهامشية”، من الإفراط في مواجهة الاحتلال والاستيطان لأنهم لا يستطيعون أن يثقوا بالحليف المفترض، كما يعلمنا ماكيافيللي. فيتعثر مسار التحرير بسبب فشل بعض المدافعين عنه في رؤية أن التحرير ليس حكراً عليهم وليس مفصلاً على قياسهم. 

إقرأوا أيضاً:

أي “شمولية” أخرى لا تقتصر إلا على المسلمين المغايرين تنزلق بسرعة نحو تخوين المجموعات الأخرى وتخويفها، فتفشل بدعم مقاومة جمعية فيحارب كل منا عدواً داخلياً وآخر خارجياً. هذا تماماً ما لمسه منظمو “مهرجان عشتار لمسرح الشباب” في رام الله أخيراً، والذين تعرضوا للضرب والشتم والترهيب والتكسير والتحرش الجنسي من قبل معتدين ظنوا أن المسيرة مرتبطة بشهر الفخر لحملهم علم قوس القزح. بينما كانت مسيرة موسيقية بمناسبة عيد الأضحى.

ترفض جهات عدة تقاطع القضية الفلسطينية مع النسوية وقضية المثليين، معتبرة أن هذه القضايا مستمدة من ثقافة غربية، وتشكل جزءاً من تطبيق أجندات خارجية لذا يجب دحضها باعتبارها صورة جميلة عن الاستعمار. نظرية مضحكة بعض الشيء إذا ما قرأنا التاريخ والأدب العربيين المتخمين بالمثلية التي لا تشتهر لأن الجهات التعليمية ووسائل الإعلام تأبى تطبيع المثلية في ذهن التلامذة والجمهور. من هذه الأعمال بيت من الشعر أنشده أبو نواس في قصيدة (دع عنكَ لومي فإن اللوم إغراء):

مِنْ كف ذات حِرٍ في زيّ ذي ذكرٍ ** لَها مُحِبّانِ لُوطيٌّ وزنّاء 

هذه الجهات ترفض المثلية كونها ليست “طبيعية”. وهذا زعم تبناه رجال الدين الأوروبيون كتوماس أكويناس الذي قال: “لكل شيء في الطبيعة غايته الطبيعية لأنها مشيئة الرب”. استخدمت هذه الحجة باعتبار طاعة الملك أمراً طبيعياً، يوصي به الله. نرى أن “الطبيعي” ما زال يلازمنا الى يومنا هذا ويتروج لهذه النظرية الجهات التي تلوم الكويريين لتماهيهم المزعوم مع الاستعمار. 

هكذا، يسهل على بعض منتقدي إسرائيل اتباع مسارها بالتعامل مع الفئات التي لا يحبذونها في المجتمع. فيرفضون العنف إذا مورس عليهم ويقبلونه اذا مارسوه على اخرين واستهدفوا به فئات لا تروق لهم. مجبرين هذه الفئات على تذكيرهم بحقها بالحياة تماماً كما تجبر إسرائيل الفلسطينيين بأن يذكروها بحقهم بالعيش. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!