fbpx

بيروت بعد عامين: مدينة من دون نبض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

راحلٌ عنكِ يا بيروت إلى بلادٍ أخرى، فأنا لا أزال أريد أن أحلم، وأنتِ تعتبرين الحلم جريمة، راحلٌ عنكِ أبحث عن مدينةٍ أخرى، مدينة تتّسع لي ولخيباتي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ها قد مضى عامان.
مضى وقتٌ طويلٌ وثقيلٌ على الذين مرّ عليهم الانفجار وترك نبضاً في قلوبهم.
أتذكّر ما بعد الرابع من آب/ أغسطس 2020، حينها كنّا نطلب الثأر والعقاب، والحال، أننا اليوم بعد عامين، نخوض آخر معاركنا في هذه البلاد، معركة الحفاظ على الذاكرة.
كيف طلبنا المحاسبة والعقاب حينها ونحن نعرفهم منذ عقود؟ نعرف أنهم قتلوا في السابق، وأنهم يقتلون اليوم، وأنهم سيقتلون في المستقبل. نعرف أنهم منذ لحظة الانفجار، منذ اللحظة التي تصاعد فيها الدخان من المرفأ، تواطأوا واتّفقوا جميعهم على أنّ العدالة ستكون، كما دائماً، ممنوعة عن أهل هذه البلاد. فلا عدالة في هذه البلاد طالما أنهم يحكمونها فوق حطامها.
واليوم يريدوننا أن ننسى الرابع من آب، أن ننسى إجرامهم، أن ننسى فظاعة ما اقترفته أيديهم. ونحن، لن ننسى ذلك اليوم، فكلّ ما بقيَ لنا من هذه البلاد هي هذه الذكرى، وشعورٌ بالغضب نورّثه جيلاً بعد جيل. شعورٌ بالغضب نورّثه ونقول إنهم هم سببه، إنه في عهدهم؛ في عهد ميشال عون، حسن نصرالله، نبيه برّي، سمير جعجع، وليد جنبلاط، وسعد الحريري، فُجِّرت بيروت. هم ذاك الزجاج اللعين الذي أمطر المدينة، هم ذلك الموت الذي وقف خلف ذاك الدخان الأحمر، هم تلك الدماء التي لطّخت المدينة وهزمتها، هم صدى الضحكة التي تسخر من صرخات الذعر والألم، هم ذاك الندب على خدّ تلك الطفلة، هم ذاك الخراب الذي انقضّ على المدينة ومزّق روحها، هم لا يعرفون إلّا القتل، ولن يتوقّفوا عن القتل.


مضى عامان، والمدينة حزينة، تائهة، مكسورة، غارقة في مآسيها. المدينة استسلمت بعد ذلك اليوم، بيروت لا تريد مزيداً من المعارك، ولا مزيداً من الأحلام، ولا مزيداً من الأمل، ولا تريدنا نحن. بيروت التي انفجرت في وجوهنا في 4 آب، تقف اليوم وحيدةً وترفضنا، تقسو علينا نحن أبناءها التي أبكتنا مرات ومرات، تبصقنا بعيداً منها وتجبرنا على الرحيل.
تتناسى بيروت أننا عشنا ذلك اليوم أيضاً، تتناسى أننا صرخنا وبكينا وخفنا، وأننا قمنا في اليوم التالي نحمل خيباتنا على أكتافنا ونرفع مدينتنا من تحت الردم. بيروت تتناسى أنّه قُدِّر لنا أن نرى مدينتنا تسقط مثقلة بآلامها وتكسر روحنا. هي تعرف أنه مهما كانت الأخطاء التي اقترفناها بحقّها، فقد دفعنا ثمنها في ذلك اليوم.
تعرف هذه المدينة كلّ المرتكبين وكلّ المذنبين لكنّها ترمي بثقلها علينا وتلومنا نحن. بيروت مدينة ظالمة وقاسية، وأنا اعتدت على ظلمها وقساوتها. ولكنني مرهق، مرهق من هذه البلاد، مرهق من تتابع الأزمات والنكبات، مرهق تماماً كما كل الذين أراهم في المدينة. وجوهٌ لا تبتسم فهي تستشرف مستقبل البلاد، أجسادٌ خرجت من 4 آب فيها القليل من النبض يكفيها لتعيش كلّ يومٍ بيومه من دون أي حلمٍ أو غاية للغدّ.


بيروت، أعترف لكِ بأنّي لم أحبّك يوماً، لم أكنْ أحبّك قبل الرابع من آب، لم أحبّ ضوضائكِ ولا حاناتكِ ولا مقاهيكِ ولا زحمتكِ. ولا أحبّك بعد الرابع من آب، لا أحبّ هدوءكِ وخضوعكِ وقساوتكِ وانكساركِ.
بيروت، منذ عامين وعدناكِ بأنّ لنا ثأراً من 4 آب سنأخذه، واليوم أشعر بالذنب لأننا لم نستطع أن نفعل ذلك. سامحيني يا مدينتي، فقد ثرنا، تظاهرنا، هتفنا، انتخبنا، كتبنا، ولكن كنّا نعرف جيّداً أننا سنُهزم، فلطالما زرعنا فيكِ الأمل والأحلام والوعود ولم نحصد سوى الخيبات.
بيروت، ها قد مضى عامان، وأنا راحلٌ عنكِ وعن هذه البلاد بعد أيّامٍ قليلة، راحلٌ عنكِ أحمل في قلبي ذكرى انفجارٍ أعدكِ بأنّني لن أنساه، راحلٌ عنكِ أحمل في قلبي لعنة هذه البلاد وشعوراً بغضبٍ لا ينطفئ.

راحلٌ عنكِ يا بيروت إلى بلادٍ أخرى، فأنا لا أزال أريد أن أحلم، وأنتِ تعتبرين الحلم جريمة، راحلٌ عنكِ أبحث عن مدينةٍ أخرى، مدينة تتّسع لي ولخيباتي، مدينة لا تمنع الحلم، مدينة لا تضيق بالقليل من الأمل، مدينة لا تبحث عن نبضٍ ودقّات قلبٍ تحت الأنقاض، أو فوقها…

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.