fbpx

“فطرة”: حملة لملاحقة المثليين وتشريع العنف ضدهم باسم الدين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تتوقف رسائل التهديد والتشهير التي تلاحق أحمد حتى الآن بعد أن ترك مصر واستقر في كندا. كل ما فعله أحمد هو رفع علم قوس القزح في حفل مشروع ليلى في مصر عام 2017، ومنذ ذلك الحين يتعرض لحملة تضاعفت بعد ظهور “فطرة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مشكلة مجتمع الميم مع الدولة قائمة طيلة الوقت، لكن الخطر الأكبر كان ولايزال في المجتمع نفسه الذي يمارس سلطة وصلاحيات تتواطأ ضدنا، كتطوّع أفراد من الناس لتتبع النسويات وأفراد مجتمع الميم لجمع معلومات عنهم، معرفة أماكن سكنهم وحسابات أهلهم على مواقع التواصل. مجتمع الميم كان بيتقبض عليهم من الشوارع ومن تطبيقات المواعدة. ده مرعب جدًا”.

يروي الناشط المصرى أحمد علاء لـ”درج” ما عاشه بعد ظهور حملة “فطرة” على فيسبوك، وهي الحملة التي أخذت على عاتقها نشر ما تعتبره حملات إعلامية “رافضة للانحرافات البشرية والشذوذ” بحسب بيان مطول على صفحتها على فيسبوك. الصفحة لم تصمد طويلاً أمام سياسات فيسبوك التي حذفتها وحظرت مؤسسيها من ممارسة أي نشاط لمدة معينة بسبب التحريض على الكراهية ضد فئة معينة.
بعد الحظر تم إنشاء عدد من الصفحات الداعمة للحملة انضم اليها آلاف المتابعين، بالإضافة إلى مجموعات تضم مشتركين، وأخرى متطوعين.

لم تتوقف رسائل التهديد والتشهير التي تلاحق أحمد حتى الآن بعد أن ترك مصر واستقر في كندا. كل ما فعله أحمد هو رفع علم قوس القزح في حفل مشروع ليلى في مصر عام 2017، ومنذ ذلك الحين يتعرض لحملة تضاعفت بعد ظهور “فطرة”.
يعتقد أحمد علاء أن “فطرة” بدأت ردًا على تصريحات شركة ديزني بخصوص خطتهم دمج شخصيات مثلية وعابرين وعابرات في أفلامهم، وهذه هي بداية الموجة: “هذه الحملة ليست أول موجة كراهية اختبرها، لست مغيبًا عن واقعنا وأعرف أننا نعيش وسط إرهابيين، إذا تمكنوا مني أو من غيري هيصفونا في الشوارع. تحدثت عن موت نيرة أشرف لأنها كانت صديقتي ووصلني مئات الرسائل كلها تهديدات بالقتل عند نزولي لمصر وهناك من قال سنتوعدك حتى في كندا. كتير منهم كان حاطط شعار الحملة بتاعت فطرة”، يقول أحمد.

يبدو السؤال الأكبر الآن: من يدعم “فطرة”؟ ما الذي تخشاه هذه الحملة؟ وما الذي يرعبها من الميول الجنسية المختلفة للأشخاص؟
الإجابة نقتبسها من شعارات الحملة نفسها التي تصف مجتمع الميم بأنه “أيديولوجية هدفها الهجوم وإلغاء الطبيعة البشرية والعمران الإنساني ومنظومة الأسرة السليمة”.
هذه الإجابة غالباً ما تتكرر بصيغ مختلفة في كل حديث عن الميول الجنسية وتأثيراتها على الأسرة كمنظومة حاكمة.

اختار مؤسسو فطرة وهم مجموعة من الشباب المصريين -عبدالله عباس وأصدقائه – اللونين الأزرق والوردي ليكونا شعار حملتهم الفيسبوكية الرافضة لألوان “الرينبو”.
تقول الحملة إنها ستعيد المنحرفين إلى حجمهم الطبيعي لذا فهي تسعى لإعلاء صوت الأغلبية الصامتة من أصحاب “الفطرة السليمة”.
يتجاور رفض حملة فطرة مع مطالبات مجتمع الميم حول العالم بالمساواة وحماية حقوقهم فتعكس هذه المعادلة حجم الاختلال ثقافيا وقانونيا واجتماعياً.

تكشف شعارات الحملة وتعليقات المؤيدين لها أفكارا مغلوطة بدرجة كبيرة تضع هذا المجتمع في قالب التنظيم السري الذي يهدف للسيطرة على العالم من أجل القضاء عليه، والوصول بالبشرية إلى الفناء أو المصير الذي أصاب قوم لوط من قبل، بحسب الرواية الدينية. هذه الكراهية ونظريات المؤامرة توجه دفة الجماهير إلى اتجاه واحد لا يدعو إلى فهم الآخر المختلف عنه بقدر ما يروج له كعدو يسعى إلى هدم وجوده، وهذا هو المفتاح الرئيس الذي يتولد منه كل هذا الحقد على المثليين.

متى ولماذا فطرة؟


انطلقت حملة “فطرة” في 22 حزيران/ يونيو الماضي وكان اختيار هذا الشهر بالتحديد مقصودًا ليتزامن مع شهر الفخر Pride Month الذي يحتفل فيه مجتمع الميم حول العالم بإعلاء صوتهم باعتبارهم جزءاً من نسيج المجتمع.
في الشهر نفسه انتشرت اللافتات الإعلانية استعدادًا لإنطلاق منصة “ديزني بلس” الترفيهية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هوجمت المنصة بحملات مقاطعة لتثني الجمهور عن الاشتراك فيها خاصة أن هذا الإعلان تزامن مع إعادة نشر حديث مع كاري بيرج رئيسة المحتوى الترفيهي في “ديزني” تقول فيه إن الشركة تنوي وضع المزيد من المحتوى المتعلق بمجتمع الميم، وهو ما أشعل غضبًا كبيرًا في عدد من الدول، وأيضًا في المنطقة العربية.

تصاعدت حدة اللهجة العدائية وخطاب الكراهية ضد مجتمع الميم وتصاعدت دعوات مقاطعة “ديزني” وإيجاد بدائل، والمقصود البدء في إنتاج محتوى كارتوني ترفيهي يروج لهوية “الفطرة”، وانشاء منصات تواصل اجتماعي بديلة. الحل، بحسب هؤلاء، هو إيجاد بدائل تعزل الفرد داخل أفكاره، يرى الحياة بلونين فقط دون الألوان الأخرى.

تعيدنا حملات المقاطعة والإقصاء إلى الدائرة المفرغة ذاتها، حيث لا مجال للتحاور وطرح النقاش حول التوعية بالفروق بين الهوية الجندرية والتوجهات الجنسية، وتأكيد أن الميول المتنوعة لا تعني بحال أنها تجبر أحدًا على تغيير ميوله الجنسية، الأمر يتمحور حول التصالح مع فكرة وجودها بالأساس من أجل خلق مجتمعات صحية ينعم فيها الناس -بكل اختلافاتهم- بالحرية والحق الآمن في الحياة.
لكن ما تنتجه حملة “فطرة” ليس أكثر من تراشق أخلاقي ساخر يعمم الصور النمطية ويعزز التمييز ضد شرائح واسعة مهمشة تاريخياً.

إقرأوا أيضاً:

السعودية ترفض

في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في كانون أول/ ديسمبر 2021 تحت البند 74 بشأن مناقشة مشروع قرار “تعزيز دور الأمم المتحدة في تشجيع إرساء الديمقراطية وزيادة إجراء انتخابات دورية ونزيهة” ظهرت عبارة “الفطرة السليمة” في سياق خطاب السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي الذي أعلن بشكل حاسم رفض السعودية والدول الصديقة اعتبار الهوية الجنسية أمرًا مرتبطًا بالديموقراطية، وأعلن تعجبه من وجود علاقة بين الممارسات الإنتخابية الديموقراطية وبين حرية الهوية الجنسية للناخبين، وأن طرح مثل هذه الأفكار يتعارض مع “الفطرة السليمة” واعتبر السفير طرح الفكرة للنقاش في حد ذاته نهجًا غير ديمقراطي وأمرًا محسومًا لا رجعه فيه.

في الشهر ذاته أعلنت وزارة الخارجية السعودية فرض رقابة لضبط كافة السلع والمنتجات المخالفة لـ”الفطرة السليمة”، بالأحرى لن تسمح بدخول منتجات إستهلاكية تحمل شعارات تدعم مجتمع الميم.

يأتي هذا الرفض السعودي/ الخليجي أيضاً في إطار سلسلة طويلة من الأفلام الأجنبية الممنوعة من العرض السينمائي بحجة أنها تحوي على مشاهد تروج للشذوذ في مقابل تمسك الشركة المنتجة للأفلام -“مارفل”- بعدم حذف تلك المشاهد.

ما يتحرك على أرض الواقع وفي مواقع التواصل الإجتماعي هو صوت السلطة التي تأخذ شرعيتها من الثوابت الأخلاقية، وعليه أي صوت يخالف تلك الشريعة الاخلاقية يهد ثوابت السلطة، وحملة فطرة وغيرها من حملات مشابهة تدعم السلطة الأخلاقية التي يعد المساس بها تهديدًا لسلطة الدولة نفسها.

خطة استراتيجية

بإمكاننا تتبع التناقضات التي تعبر عن نفسها في بيان الحملة الأول. تقول فطرة أنها لا تنتمي لأي توجه أو تيار أو فصيل أو كيان في تعارض بيّن مع الخلفية الإسلامية التي أعلنت بها عن نفسها.

تتوافق حملة “فطرة” ومضمون أهدافها مع الخطة الاستراتيجية التي أعلنها الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بإطلاق حملة موسعة استمرت فعالياتها على مدار أسبوعين تحت عنوان: “فطرة سليمة ومجتمع قويم” بمشاركة وعاظ وواعظات من الأزهر.

في آخر مقال للراحلة سارة حجازي عام 2018 كتبت عن “تصفيق القطيع” في إشارة إلى أن الأرضية الوحيدة التي يتفق فيها الإسلاميون مع الدولة هي رفض مجتمع الميم، في تواطؤ معلن من الطرفين على تعميم العنف والكراهية ضدهم. هذا التواطؤ دفعت سارة ثمنه بالاعتقال أولاً، التحرش والتعنيف ثانيًا والانتحار أخيرًا. هنا تتبلور السلطة الأبوية القامعة في أوضح صورها، حيث الدين والدولة يفرضان يدًا عليا على الأجساد والأفكار. هذه السلطوية لا تختلف كثيرًا عن الذكورية التي تجعل الذكر أكثر استحقًاقا من الأنثى، والعرق الأبيض الذي يراه البعض أرقى السلالات البشرية.

تعرض سارة حجازي للاعتقال وتعرض غيرها من مجتمع الميم لعقوبات قانونية يفتحان بابًا للبحث عن السند القانوني الذي يجرم الممارسات الجنسية المختلفة باعتبارها -بحسب القانون المصري- ترويجًا للمثلية الجنسية، وتحريضًا على الفسق والفجور.

ضغط على القانون

تصل العقوبات على مجتمع الميم في عدد من الدول إلى حد الإعدام، وتتفاوت الأحكام بين السجن والغرامات المالية. المحامي محمد هشام يوضح أن القانون المصري لا يوجد به مادة تنص بشكل صريح على عقوبة تتعلق بالممارسات الجنسية المثلية لكن محكمة النقض المصرية استقرت على إضفاء صفة “الفسق والفجور” على العلاقة المثلية.
يؤكد هشام “لا يوجد نص قانوني صريح يجرم أو يعاقب على المثلية ولا حتى ممارستها، ومدة العقوبة تتفاوت بحسب ظروف وملابسات كل قضية ومن الممكن أن يصل حكم القاضي إلى سبع سنوات سجن”.

تستند مواد القانون المصري في تشريعاتها على الدستور المصري بالأساس، وحيث أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع في الدستور، فالتشريعات في عمومها تستند إلى الدين، وتعارضه فقط في الأحوال التي لا تعتمد على نص قرآني صريح. ولأن القرآن لم يجرم بشكل حاسم هذه الممارسات فالأحكام تكون نسبية، في هذا السياق يكمل محمد هشام موضحًا “وقت وضع القانون الحالي لم يكن ينظر في مسألة المثلية الجنسية في أوروبا تحت بند “الحرية الشخصية” بهذا الشكل الذي ينظر إليها بها الآن وبالتالي لم يكن لها نصوص واضحة، فتركت فضفاضة دون نص صريح. لا ليه حقوق ولا ليه عقوبة واضحة صريحة”.

منذ عام 2017 وبعد حادثة انتحار سارة حجازي، تضغط دوائر تقليدية ودينية على اللجنة التشريعية في البرلمان المصري لتشريع قانون يتم فيه تجريم المثلية الجنسية، وبالفعل هناك أكثر من مشروع قانون “لتجريم العلاقة الجنسية المثلية” لكنه لم يصدر حتى الآن. والتخوفات المجتمعية -بعد حملة “فطرة”- تمتد في عدد من الدول العربية التي تصعّد من لهجتها باتجاه تمرير قوانين لتشريع عقوبات رادعة لمجتمع الميم.

رغم كل هذا التحريض والعنف إلا أن البعض يرى ملامح فرصة في المشهد الحالي، فالناشطة داليا تعيش بشكل يومي ملاحقة مجتمعية دائمة لانها تنتمي إلى مجتمع الميم: “لو بنتين بيعبروا عن حبهم في مكان عام بيضايقوهم، أصحابي لما بينزلوا في Date صاحب الكافيه لو شك فيهم بيمشيهم” لكن داليا ترى ايضا ان حملة “فطرة” لها انعكاسات ايجابية بعض الشيء على مجتمع الميم الذي تنتمي إليه لأنه بحسب وصفها “أصبح متشاف” وهذه هي الضريبة.
تقول داليا “لكي تحصل على التغيير يجب أن تكون مرئيا بالأساس، أن يكون لك صوت مسموع وكيان ملموس، بالتأكيد حملة “فطرة” تشكل عبئا على ناس من مجتمع الميم اختاروا أن يكونوا غير مرئيين، محض هامش، لكنها ميزة لمن يبحث عن حقوقه في المجتمع ويكون فردا فاعلاً ومعترف به، اعتقد دي بداية. كلامي متفائل لكنها في رأيي بداية حوار معنا، هذا ما حدث في الدول الغربية، رفض ثم حوار وفيما بعد يحدث التغيير”.

كل حديث عن الحريات يضعنا أمام مشهدية موازية لغيابها. لذا يمكننا قراءة حملة “فطرة” في إطار مشهد اجتماعي وسياسي مهين تغيب فيه الحريات وتكمم فيه الأفواه وترفض فيه الأصوات الثورية العالية. قبل أسابيع تعرضت حملة “باتمان حلوان” في مصر إلى القبض على مؤسسيها، وهي بالأساس حملة ساخرة بدأت بنكتة حول شخصية باتمان وانتهت بالعرض على النيابة العامة باعتبار هذه الحملة دعوة للتظاهر والتجمهر. فإذا كنا نعاني من إشكالية في الحريات وسطوة الرقابة فإن ممارسات حملة “فطرة” هي جزء من سلطوية الدولة التي ربما يعاني منها نفس مؤيدي حملة فطرة ذوي الخلفية الإسلامية الذين يفكرون طويلاً قبل أن يعبروا علانيًا عن انتمائاتهم.

حملة “فطرة” أشبه بمحطة سنتذكرها ونعيد التفكير فيها لاحقا كلما انتشرت في مجتمعاتنا حوادث اعتداء وعنف وتجريم لمجتمع الميم دون رادع اجتماعي أو قانوني، خاصة أن الحملة تنتشر وتلقى صداها في عدد من الدول العربية، في حين أن الأصوات الرافضة لهذا العنف المبطن تقابل بتهكم وسخرية وتهديدات تخلو من الإنسانية.

إقرأوا أيضاً: