fbpx

عاشوراء “حزب الله” وحركة “أمل”: عشرة أيّام من “القلق”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس غريباً على حزبٍ دينيّ، ينتمي إلى الطائفة الشيعيّة، أن يحيي مناسبة تخص هذه الطائفة، إلّا أن توظيفها لغايات سياسية ودمجها بهذا الزخم يحمل طابعا سلطويّا أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كل ما يحيط بي يصبح غريباً واستفزازياً في هذه الأيام العشرة”، تقول ريما وهي شابة عشرينية تعيش مع عائلتها في ضاحية بيروت الجنوبية. وريما واحدة من الذين تشكل لهم طقوس إحياء ذكرى عاشوراء همّاً سنوياً.

عند كل صباح، خلال موسم إحياء ذكرى مقتل، الإمام الثالث لدى الشيعة الإثني عشريين الحسين بن علي، يستيقظ المقيمون في الضاحية الجنوبية على أصوات مكبّرات الصوت تصدح من خلالها خطب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ممزوجة بأناشيد ولطميات دينية. فيما تكسو الشوارع أعلام ورايات سوداء وينتشر شبان على زوايا الأرصفة ويرفعون لافتات للمناسبة.
كثر من سكان هذه المناطق ينخرطون في الذكرى لجهة الحداد وارتداء الزي الأسود والامتناع عن الأفراح والمشاركة في طقوس العزاء اليومية، أما من يعتبر هذه الطقوس عراضة مبالغ فيها، فإما يغادرون المنطقة بانتظار انتهاء الطقوس، وإما يصمتون على مضض.

في هذه المناسبة من كل سنة، ترتفع وتيرة “القلق” لدى بعض المقيمين في المناطق الواقعة تحت نفوذ “حزب الله” وحركة “أمل”، والذين ربما لا يريدون إحياء عاشوراء بأسلوب هذين الطرفين، حيث يتحول المشهد إلى ساحة لاستعراض القوّة وإثبات السيطرة المُحكمة من خلال شعارات دينية تستحضر كل سنة وفق حاجة اللحظة السياسية. في العقود الثلاثة الأخيرة استحضر “حزب الله” شعائر جديدة إلى الطقس العاشورائي اللبناني، وجرى تكثيف المضمون السياسي الراهن لهذه الشعائر وتوظيفها في نزاعاته السياسية، فجرى إقحام المظلومية الحسينية في المواجهات الأهلية المذهبية التي خاضها ويخوضها الحزب في لبنان وسوريا واليمن.
بحسب الباحثة الصحافية بادية فحص، في عاشوراء يتم ابتكار قيم تناسب سياسة الطرف المسيطر أيديولوجياً وثقافياً على “المنبر الحسيني”. لهذا فمن الطبيعي أن يتم “إسقاط ما دار في موقعة كربلاء، على ما يدور في الواقع الشيعي” كون المواجهة التاريخية كانت بين فريقين واضحين، لا ثالث لهما، واحد يمثل الخير أو الحق والآخر يمثل الشر أو الباطل.

عندما تتجوّل ريما في أروقة الضاحية تصادف مجموعة من الشبّان بلباسهم الحزبي، ولا تتعدّى مسافة الحاجز عن الآخر مترين: “حقيقةً، تتخيّل نفسك في ساحة المعركة ضد “إسرائيل” وكأنهم على أهبّة الاستعداد للقتال”، تقول ريما.

هو مشهد قريب إلى حركة يقوم بها هؤلاء ليجبروا بها من يريد، ومن لا يريد، على معايشة هذه الطقوس بالقوة. فمن يريد أن يحضر مجلساً عاشورائياً يخيّر بين خيمتي “حزب الله” أو حركة “أمل” والاحتمال الثالث قد يكون مصادفة خيمة لا تمت بصلة للحزبين لكنّها تحت أنظارهما، وبموافقتهما. ومن لا يريد حضور المجالس، يكون خاضعاً لسلسلة من الاجراءات والاستعراضات، مفادها تأكيد السطوة الحزبية على المنطقة، وتكريس فكرة أن “الأخ الأكبر يراقبكم”.

تقول فحص إنّ مكبرات الصوت هي تقنية جديدة “ظهرت تزامنا مع الانفلاش السكاني بحيث تضمن وصول التعليمات الحزبية السياسية من خلال التعاليم الدينية إلى مسامع أبعد الناس، حتى الذين كان الابتعاد خيارهم الشخصي”.

“لا يمكن الفصل بين المقاومة الإسلامية وكربلاء وعاشوراء والإمام الحسين والسيدة زينب عليهما السلام”، قال نصرالله في إحدى خطابات ليالي إحياء عاشوراء الأخيرة. تحمل هذه المقولة كمّاً من الاستثمار السياسي الذي يحاول الحزب توظيفه على مرّ السنين.

ليس غريباً على حزبٍ دينيّ، ينتمي إلى الطائفة الشيعيّة، أن يحيي مناسبة تخص هذه الطائفة، إلّا أن توظيفها لغايات سياسية ودمجها بهذا الزخم يحمل طابعا سلطويّا أيضاً. وكأنهم يحاولون القول: “أنا من أحيي عاشوراء بالشكل الذي أريده وأنا من أشرح لكم كيف كان مصرع الحسين بالطريقة التي تناسبني”، شيء أشبه بما قاله نصرالله في خطابه الأخير: “حل عنّي، أنا الله وكّلني”.

في الجنوب، إحياء الواقعة الحسينيّة ليس جديداً. المناطق الجنوبية كانت منبع إحياء هذه المناسبة التي كانت تُحيى قبل وجود أي طرف سياسي لبناني يحييها. وإذا أمكن الحصر، فإن جبل عامل تتبع مدرسة النجف العراقية من حيث التعاليم والطقوس الدينية. لكن بدأ الاختلاف مع دخول مدرسة قم الإيرانية.

وتقول فحص، وهي من مدينة النبطية الجنوبية، إن الحسينيات فيها تكاد تكون الوحيدة التي تخلو من أي شعار حزبي. في النبطية “تمثّل حوزة النجف وكل المظاهر والطقوس والشعارات والندبيات تقام مع مجالس العزاء بمصادقة النجف، وأحيانا يحيي الأيام العشرة شيخ عراقي يستضاف خصيصا من أجل المناسبة”.

وتضيف أنّ عاشوراء النبطية تعرّضت إلى محاولات اختراق عديدة وكثيفة من قبل “حزب الله”، فقد تعمدوا عبر سنوات متتالية إقامة خيمة عزاء على مقربة من الحسينية لاستقطاب الجماهير وكسر مركزية الحسينية وحصرها بيدهم، لكن الحسينية والمدينة صمدا ودافعا عن خصوصية النبطية “بصبر جميل ونفس طويل”.

عاشوراء بما تمثّله من قيم يفترض، أنها تناهض الظلم وتناصر الحقّ، تم إضعاف رسالتها للاستثمار السياسي، وهي اليوم تخضع لاحتكار مباشر من “حزب الله” لتوظّف في حروبه. واقعة عاشوراء، بما تحمله من معان وقيم، تنطبق اليوم في لبنان على ما يعيشه اللبنانيون من ظلم وطمس للوقائع. و”هيهات منّا الذّلة” هي صرخة يطلقها اللبنانيون ضد من يستغل أوجاعهم ويتلاعب بمأساتهم استخفافاً. فيما تبقى هناك أسئلة معلّقة لدى ريما وأشباهها: “لماذا يرتفع منسوب القلق كل سنة في عاشوراء؟ ولماذا كل هذه الفوضى في الأيام العشرة؟”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.