fbpx

علانيّة الإعدام في إيران: عروض مروعة لسلطة الولي الفقيه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الأشهر الستة الأولى من هذا العام، أعدمت السلطات الإيرانية شخصًا واحدًا على الأقل يوميًا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعاود المشانق ظهورها، مجددًا، في الساحات والميادين العامة، إثر  تنفيذ إيران أول حكم إعدام “علني”، منذ ما يقارب العامين أو أكثر، بما يخلق “مسرح رعب” يؤسّس طقس عبور، تخرج منه السلطة على الجمهور وقد حققت انتصارها المدّوي بفعل الأجساد المذعنة. 

وفي تلك الثنائية تتحقق انعكاسات حبل المشنقة، بشكل فوري، من خلال جسد انضباطي وآخر متمرد أو ثاثر يتم إحالته للتقاعد أو بالأحرى الإبادة. 

هذا النمط من العقاب الوحشي يلازم نظام “الولي الفقيه”، في نسخته الخمينية، على مدار أربعة عقود. ولم يكن حكم الإعدام العلني بحق شاب على خلفية إدانته بقتل شرطي، في مدينة شيراز، جنوبي طهران، سوى محاولة قصوى ونهائية لإلحاق الأذى المباشر بالجسد الاجتماعي الذي يحاول الخروج عن طواعية السلطة مع تزايد الاحتجاجات المجتمعية، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بينما يتمرد على بقائها في ظل الإكراهات العديدة، المادية والمعنوية، التي يقع تحت وطأتها.

وتسجل إيران حالات إعدام مرتفعة، في التقارير الحقوقية، المحلية والأجنبية. وهي تحتل المركز الثاني عالميًا بعد الصين. وثمّة مجموعة هائلة من الاتهامات التي تصعد بمرتكبيها إلى منصة الإعدام بإيران، منها: “القتل والاغتصاب والسطو المسلح وحيازة المخدرات والاتجار بها والتجسس والفساد الاقتصادي والانتماء لجماعات معارضة مسلحة وسب الرسول والكفر والعلاقة الجنسية بين المثليين والزنا والحكم على شرب الخمر للمرة الرابعة”. 

لذا، تتولى قوى المجتمع المدني محاولة تبديد هذه الصورة القاتمة، أو تخفيف حدتها. وقام نشطاء، من داخل إيران وخارجها، بتدشين حملة حقوقية مؤثرة مناهضة للإعدام تحت وسم (#إعدام نكنيد)، باللغة الفارسية، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعني “أوقفوا الإعدام”. 

ونجحت هذه الحملة في تعليق حكم الإعدام بحق ثلاثة شباب، تحديدًا بعد نشر الممثلة الإيرانية، ترانه عليدوستي، صورهم على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “انستغرام”، ويتجاوز عدد متابعيها أكثر من ستة ملايين. وكان قد تمّ اعتقالهم أثناء احتجاجات عام 2019، بينما لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا. 

ومن بين الأشخاص المنخرطين في تلك الحملة داخل طهران، المخرج الإيراني، محمد رسول آف، والذي سجن، مؤخرًا، مع سينمائيين آخرين منهم المخرج جعفر بناهي. 

ورسول آف توج فيلمه: “لا وجود للشيطان”، الذي يمعن من خلاله في تقديم سردية فنية بصرية حول قضية الإعدام باعتبارها معضلة الاستبداد والأنظمة الشمولية التي تولد الشر والعنف، بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي، بدورته السبعين، عام 2020.

بالتزامن مع لجوء النظام الإيراني للإعدامات العلنية، وصفت منظمة العفو الدولية طهران بأنّها تخلق موجة “مروعة” في الأشهر الأخيرة بخصوص أحكام الإعدام. ووثقت التقارير الأممية تنفيذ الإعدام بحق 250 شخصًا في النصف الأول من عام 2022، أيّ أكثر من ضعف عدد الذين أُعدموا خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.

ويهدف الحكم بالإعدام على الشاب المتهم بقتل شرطي في مدينة شيراز إلى “تخويف الناس وترهيبهم حتى لا يتظاهروا”، حسبما توضح “منظمة حقوق الإنسان الإيراني”، ومقرّها النرويج. 

وبالعودة إلى المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، فقد ذكرت ديانا الطحاوي، مساعدة مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنّه في “الأشهر الستة الأولى من هذا العام، أعدمت السلطات الإيرانية شخصًا واحدًا على الأقل يوميًا”. كما اعتبرت أنّ عدد الإعدامات هذا العام (2022) يذكرنا بإعدامات عام 2015 التي شهدت “قفزة مروعة” في عدد الإعدامات.

وتلفت الطحاوي إلى أنّ النظام الإيراني “يشن هجومًا شنيعًا على حق الناس في الحياة، ويرتكب مجازر على نطاق واسع في عموم إيران”.

من ضمن آليات وإجراءات العقاب الوحشية التي تنفذها الجمهورية الإسلامية، العقوبات البدنية، مثل بتر أعضاء الجسد في حالات السرقة، فضلًا عن الجلد وسمل أو فقء الأعين. هذه العقوبات، التي تتماثل مع ما تنفذه الجماعات المتشددة والراديكالية مثل داعش وبوكو حرام، تخضع في مرجعياتها التاريخية إلى ما تقره الشريعة، في نسختها البدائية، والتي هي، في الأساس، امتداد للمنظومة العقابية في الفترة السابقة على الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية.

ودانت منظمة العفو الدولية، مطلع الشهر، استخدام السلطات الإيرانية مقصلة لبتر أصابع رجل أدين بالسرقة، نهاية الشهر الماضي، بينما هناك ما لا يقل عن ثمانية سجناء آخرين أمام المصير ذاته. كما ذكرت أنه قبل أقل من شهرين، في 31 أيار/مايو، بترت السلطات الإيرانية كذلك أصابع “سيد برات حسيني، دون تخدير. وهو منذ ذلك الحين مسجون في الحبس الانفرادي في سجن إيفين ومحروم من الرعاية الصحية العقلية والبدنية الكافية التي يحتاجها بسبب الالتهابات والصدمة النفسية التي يعاني منها جرّاء بتر أصابعه”.

وصفت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “العفو” الدولية عمليات البتر هذه بـ”عروض مروّعة لمدى ازدراء السلطات الإيرانية لحقوق الإنسان وكرامته”. وأضافت: “إنَّ البتر هو تعذيب مشروع في القضاء الإيراني، والتعذيب يعدّ جريمة بموجب القانون الدولي، وينبغي محاكمة جميع المتورطين في تنفيذ وإصدار الأمر بتنفيذ هذه العقوبات البدنية في محاكمات عادلة”.

وثقت منظمات حقوقية إيرانية، صدور أحكام بالبتر بحق 237 شخصاً على الأقل في الفترة بين مطلع عام 2000 وحتى 24 أيلول/ سبتمبر 2020.

وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، إن هذه الأحكام نفذت في 129 حالة على الأقل.

الاحتجاجات التي تطوق سبع محافظات، على الأقل، في إيران، مؤخرًا، تتسع وتيرتها إلى الدرجة التي تجعل النظام يقف على أطرافه. مع الوضع في الاعتبار أنّ الوضع الاقتصادي المأزوم يؤشر إلى تنامي قاعدة التظاهرات، خاصة مع وصول العجز في الميزانية إلى 21 مليار دولار، بينما التضخم يلامس نسبة 40%. 

وبذلك، تبدو فئات متفاوتة في المجتمع الإيراني مرشحة للانخراط في صدام مع حكومة إبراهيم رئيسي التي جاءت في ظل أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات. 

رئيسي، الذي تضمنت وعوده الانتخابية إنعاش الاقتصاد وتوفير 4 ملايين فرصة عمل، وتحسين أوضاع الأسر الفقيرة والمتوسطة، تضاعفت أسعار المواد الغذائية في عهده لنحو 300%. في حين قفزت مخصصات ونفقات الحرس الثوري وما يتصل به من أمور بحثية وتنفيذية في المجال العسكري إلى نسبة 58%، بزيادة 2.4 مرة عن موازنة العام الماضي. 

وعليه، تتجاوز الاحتجاجات مطالبها الفئوية الملحة (والمؤقتة، ربما)، والتي تتراوح بين الاجتماعي والحقوقي، إلى التخلص من النظام السياسي برمته. 

بطش السلطة، في إيران يطاول القطاعات كافة، بدءاً من الأقليات الدينية والقومية، والفئات الضعيفة منها المرأة، مروراً بالعاملين في قطاعات الدولة ومؤسساتها، فضلًا عن المتقاعدين، وحتى النخب السياسية والدينية والثقافية المعارضة. 

هذا البطش لم يستثنِ رجل الدين الإيراني المعارض، وحيد هروآبادي، والذي حكم عليه بالسجن، لمدة عامين، مطلع شهر آب/ أغسطس الحالي. بينما سبق وتمّ اعتقاله في حزيران/ يونيو الماضي أثناء محاولته النجاة بنفسه ومغادرة البلاد من معبر “بازركان”، شمال غربي طهران. 

وتقرر تجريد هروآبادي من زيّه الديني، وكذا حظره من مغادرة البلاد لمدة عامين آخرين، بعد إتمام حكم السجن. إذ تطاوله إتهامات جمّة منها “إهانة المرشد علي خامنئي ونشر أكاذيب بقصد تشويش الرأي العام والدعاية ضد النظام”.

واللافت أنّه بعد إعدام المصارع الإيراني نويد أفكاري، قبل عامين، والذي تماثل قضيته في تفاصيلها ما جرى مع الشاب الذي نفذ بحقه حكم الإعدام العلني في مدينة شيراز الإيرانية (كلاهما متهم بقتل شرطي أثناء موجة الاحتجاجات الممتدة بين عامي 2020 و2022)، كشف استطلاع رأي لمركز “كمان” الإيراني لقياس اتجاهات الرأي العام، أنّ 70% من الإيرانيين ضد تطبيق عقوبة الإعدام، بشكل مطلق.

وهناك استثناءات طفيفة للقبول بعمليات الإعدام، منها حالات القصاص في جرائم القتل. ووثق المركز، مقره هولندا، معارضة 44% من الإيرانيين لعقوبة الإعدام على نحو تام، في حين يؤيدها 26% في حالات محددة وضيقة، منها القتل المتسلسل، ثم المذابح والتي حازت أعلى نسبة تأييد لتطبيق الإعدام (50%).

وفي المقابل، تتخوّف المحامية الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي، الحائزة جائزة نوبل للسلام، من أنّ “أكثر من 30 شخصاً في السجون الإيرانية ينتظرون حالياً عقوبة الإعدام، وهم في طريق الموت”. 

كما طالب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إيران بضرورة مراجعة عقوباتها الجنائية، ودعا في حزيران/ يونيو الماضي”إلى إلغاء أيّ شكل من أشكال العقوبة البدنية، بما في ذلك بتر الأطراف والجلد والرجم، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وبما يتماشى مع توصيات آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.”

كما ذكرت الباحثة المختصة بالشأن الإيراني لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش الأميركية” تارا سبهري فر أنّ “ما من سبب يدعو للاعتقاد بأنّ عمليات التوقيف تتعدّى كونها خطوات خبيثة لردع الغضب الشعبي حيال إخفاقات الحكومة واسعة النطاق”. بينما اتهمت الحكومة الإيرانية بأنّها تضطر إلى “رد فعلها القمعي التلقائي القائم على توقيف المعارضين المعروفين”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!