fbpx

أغاني الصراع في سوريا(1): الجهاديون الأكثر حزناً وغضباً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تضخ الحركة الجهادية أغانيها بكثافة عبر وسائل التواصل، كما في أنشطتها التعليمية ومعسكراتها.في المناطق التي تسيطر عليها هذه التنظيمات تكون الأغاني الجهادية هي الشكل الوحيد من الموسيقى التي يمكن الاستماع إليه من دون خوف من التعرض للمتاعب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا المقال هو الأول بين أربعة تستند إلى نتائج بحث “ادلجة الغناء” الذي درستُ خلاله مضامين عينة شملت أبرز أنماط أغاني الصراع في سوريا وهي: أغاني السلطة، الأغاني الجهادية، أغاني حزب الاتحاد الديموقراطي وأخيراً الأغاني الثورية.

وسيخصص مقال للحديث عن كل نمط غنائي منها. البحث نال منحة منظمة “اتجاهات – ثقافة مستقلة” ضمن الدورة الخامسة لبرنامج أبحاث لتعميق ثقافة المعرفة..

“أحضروا مكبرات صوت ضخمة وشغلوا نشيد (جلجلت) مرات ومرات بصوت مرتفع حتى قفزنا إلى أرض المعركة من دون أدنى اكتراث بحقيقة أننا نخاطر بحياتنا” هكذا روى (مراد) الشاب السوري ذو الخمسة وعشرين عاماً الذي قاتل سابقاً في صفوف تنظيم جبهة النصرة المعروفة بـ”هيئة تحرير الشام حالياً”. القصة حدثت عام 2014 أثناء معارك السيطرة على مدينة خان شيخون شمال البلاد، التي خاضتها النصرة إلى جانب فصائل الجيش الحر ضد جيش النظام. نجا مراد يومها من تلك المعركة ونجا لاحقاً من التنظيم الجهادي ليبقى شاهداً على خطورة استخدام الأغاني من قبل التنظيمات الجهادية، مثل نشيد جلجلت المنسوب للداعية السعودي خالد الراشد كأداة في اختراق المجتمعات المحلية المناوئة للنظام بخاصة عندما تستهدف فئات عمرية أو اجتماعية محددة.

لم يمض عام على انطلاق الثورة في سوريا عام 2011 حتى سجلت الحركة الجهادية حضورها في الصراع عبر تنظيمات مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، إلى جانب تنظيمات جهادية محلية كانت أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية. هذه التنظيمات وغيرها، على رغم الاختلافات السياسية في ما بينها، إلا أنها تبث وتنتج نمطاً غنائياً ذات ملامح متشابهة من حيث تقديم الخطاب الأيديولوجي في الأغاني ومن حيث البنية النغمية والإيقاعية. فمعظم الأغاني الجهادية لا تستخدم مطلقاً الآلات الموسيقية الإيقاعية، و تستعيض عن ذلك بطبقات متعددة من الأصوات البشرية والجوقات (كورال) والمؤثرات الصوتية كمادة لبنائها الموسيقى، والأصوات البشرية هنا هي فقط أصوات الذكور. وكذلك تكتب معظم الأغاني الجهادية بلغة عربية فصيحة ورصينة يصعب فهم كل كلماتها، والأهم مما سبق تتشارك المفاهيم المركزية ذاتها التي يقوم عليها الخطاب الجهادي كالشريعة والأمة والجهاد والنصر الموعود وغيرها.

الكلمات الأكثر تكراراً في الأغاني الجهادية

“لم يكن الموت مخيفاً في ساحة المعركة، كان خلاصاً من نوع ما… كنا نتسابق في الركض نحو السواتر الترابية للعدو ونقتل كل من يظهر في وجهنا من دون تردد، كنا نشعر بالكثير من القوة مقارنة مع من نهاجمهم” هكذا يصف مراد علاقته مع الموت، بعد أن أشبع به جراء ما سمعه من خطب وأغان تمجد “الموت في سبيل الله” موت يكتسب مشروعية أكبر وسط الجثث الكثيرة التي تخلفها الحرب. يمكن تحليل مجموعة من الأغاني التي أصدرتها حركة أحرار الشام الإسلامية عن معارك إدلب مثلا لفهم كيف يتم صوغ كلمات تلك الأناشيد.

فالقتال والموت ومرادفاتهما شكلت الكلمات المفاتيح الأولى في الأغاني الجهادية، أي الأكثر تكراراً في نصوص الاغاني، وسميت مفتاحية كونها تشكل مفاتيح لرؤية الحركة الجهادية من المنظور الذي تقدم فيه نفسها إلى جمهورها. ومن هذا المنظور تكررت الكلمة المفتاحية الأولى بمتوسط 7.3 مرة في الأغنية الواحدة، ووردت في 8 من أصل الأغاني الجهادية العشر الأكثر شهرة وانتشاراً في سوريا والتي أخذها البحث عينةً. ذلك يعكس المكانة المركزية للعنف القاتل في سياق الخطاب الجهادي المصدر غنائياً. وهو ايضاً عنف مجيد كما تظهر الكلمة المفتاحية الثانية وهي (المجد) فقد تكررت الكلمة ومرادفاتها بمتوسط 5.3 مرات في الأغنية الواحدة، ووجهت بالدرجة الأولى إلى “المجاهدين” ومن يدعمونهم. تمجيد ممارسي العنف القاتل يستند إلى حامل عاطفي يتجسد في الكم الكبير من الألم والحزن الذي يصدره الجهاديون في أغانيهم، وذلك يظهر في الكلمة المفتاحية الثالثة وهي (الألم، العذاب) ومرادفاتها اللصيقة والتي تكررت وسطياً 4.9 مرات في الأغنية الواحدة، ووردت الكلمة في سياقات تراجيدية مثل (صرخات الايامى، دموع الثكالى، جحيم القيود) وغيرها من الصور القاسية. غير أن المفاجئ بعض الشيء بالنسبة إلى الأغاني الجهادية أن كلمتي (الله أو الدين) وغيرهما من الكلمات الدالة على الرموز المقدسة جاءت في المرتبة الرابعة من حيث حجم تكرارتها في الأغاني العشر، وتكررت وسطياً 4.3 في الاغنية الواحدة. ما يبرر الاستنتاج أن الخطاب الجهادي مؤسس على عواطف الحزن والغضب المتأججة أكثر منه على قيم الواجب الديني. وهو أيضاً خطاب يستند إلى المظلومية الإسلامية السنية وحبها للانتقام في تبرير محتوى العنف، الذي يعود للظهور في الكلمة المفتاحية الأخيرة من خلال ألفاظ التهديد حيث تكررت وسطياً 4 مرات في الأغنية الواحدة وتجسدت في كلمات مثل (نسحق، نمحق، نبيد، ندك…)، ولعل الكلمة المفتاحية الأخيرة ما هي إلا تعزيز للأولى. وكل ما سبق لعب دوراً في تشكيل علاقة (مراد) مع الموت في تلك المعركة.

ماذا تقول الأغاني الجهادية موسيقياً؟

يطغى الحزن على البنى الموسيقية للأغاني الجهادية أكثر منه في بقية الأنماط الغنائية التي درست، 9 من أغاني العينة الفرعية العشر لحنت على مقامي النهوند والكرد وهما مقامان شرقيان ذات وقع حزين، لكنهما لا يحتويان “ربع العلامة” المستخدمة في مقامات مثل البيات والراست ذات الوقع الطربي. لا طرب في الأنغام الجهادية بل شجن ذكوري قاتم، وحتى في الأغاني السريعة ذات الطابع الحماسي احتفظت الالحان بشيء من حزنها، وتجسد ذلك أيضاً في ميل الأغاني الجهادية إيقاعياً إلى السرعات المتوسطة والبطيئة بدرجة أكبر من الأنماط الغنائية الأخرى، لكن الانقلابات الإيقاعية من البطيء إلى السريع المفاجئ، تكررت أيضاً في أغان عدة دامجةً بين إثارة الحزن والحماسة العنيفة. وتنبغي إضافة نقطة أخرى بارزة هنا وهي تكرار استخدام الإيقاعات الخليجية والعراقية في الأغاني الجهادية المنتشرة في سوريا، كإيقاعات “الهيوا والدوسري” وهي ايقاعات غريبة تقريباً عن الثقافة الموسيقية التقليدية لبلاد الشام وسوريا ضمناً، وذلك يمكن أخذه كمؤشر على الحضور الثقافي لتلك البلدان في تشكيل الخطاب الجهادي المتفشي في سوريا.

تضخ الحركة الجهادية أغانيها بكثافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام التابعة أو الداعمة لها، كما في أنشطتها التعليمية والدعوية ومعسكراتها التدريبية. أيضاً في المناطق التي تسيطر عليها هذه التنظيمات تكون الأغاني الجهادية هي الشكل الوحيد من الموسيقى التي يمكن الاستماع إليه من دون خوف من التعرض للمتاعب، لذلك يكثر أن تشغل في سيارات النقل العام أو في الأسواق أو الأماكن العامة. وقد شكلت تلك الأغاني أداة مؤثرة في اختراق ثقافة المجتمعات المحلية غير المؤدلجة في سوريا وتكريس أفكار وقيم تعزز هيمنة التنظيمات الجهادية على تلك المجتمعات في المحصلة، والأكثر تأثراً بالطبع هم المراهقون والشباب اليافع ممن وعوا على حرب تلوك مصائرهم وملتحين يبشرون بموت سعيد لا بد أن يغير العالم.

 إقرأ أيضاً: سوريا .. موت في عهدة الحكومة 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!