fbpx

تعذيبٌ ومحاولات ترحيل:
غموضٌ يطوّق مصير عاملة كينية محتجزة في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيما تتجه الدول المتحضرة إلى المزيد من احترام حقوق الإنسان وكرامته، تنشغل السلطات اللبنانية ببث المزيد من العنصرية واتخاذ القرارات المجحفة بحق المهاجرين والعمال الأفارقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هي معزولة تماماً عن كل الجهات الداعمة التي قد تكون سنداً لها”، تقول إحدى أعضاء فريق إدارة قضيّة الناشطة والعاملة الكينيّة ن.م. في حركة “مناهضة العنصرية”. وصلت ن.م. إلى لبنان عام 2015، وعادت إلى كينيا في 2020 وتعرّضت هناك للاعتداء والتهديد بالقتل ومُنعت من الإقامة. عادت إلى لبنان في العام نفسه، وتعرضت للتعذيب والعنف الجسدي وتمّ الادعاء عليها بتهمة غير معلومة، واحتجزت منذ 4 نيسان/ أبريل الماضي 2022. نُقلت إثر ذلك إلى الصليب الأحمر اللبناني الذي أعطاها بعض الأدوية من دون تحويلها إلى المستشفى. بعد تحقيق الأمن العام، أسقطت التهمة عن ن.م. لـ”غياب الأدلّة”، إلا أنّ احتجازها استمر في العدليّة حتى اللحظة لانتهاء مدّة إقامتها.

مضت أشهر على معاناة العاملة ولا معالجات حقيقية لمأساتها في واحدة من أخطر حالات انتهاك حقوق العاملات الأجنبيات التي تضاعفت كثيراً في لبنان في السنتين الأخيرتين خصوصاً بعد الانهيار المالي.

سلمى صاقر، مديرة برنامج المناصرة في حركة “مناهضة العنصرية”، تشير إلى أن العاملة امتنعت عن السفر إلى كينيا بسبب “وجود خطر على حياتها هناك”. “يوم 3 آب/ أغسطس، عملولها فحص PCR تحت ذريعة تفشّي كورونا في السجون، لكن النية كانت ترحيلها إلى بلادها”. وأكّدت صاقر أنّ الأمن العام “يكذب على محامي الحركة وممثلي المفوضية ويحجب المعلومات حول وضعها القانوني ومكان وجودها في يوم محاولة الترحيل”. 

تلقّت “حركة مناهضة العنصرية” اتصالاً من العاملة يومئذٍ وهي خائفة من أن يكون هذا الفحص باباً لترحيلها. تحوّل هذا الشّك إلى واقع، ففي يوم ذكرى انفجار مرفأ بيروت علِمَت صاقر أن الأمن العام ينقل العاملة إلى المطار لترحيلها. تواصلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع ضابط في الأمن العام، إنما كان غائباً في هذا اليوم، وجزم وجود ن.م. في المخفر.

لا يزال نظام الكفالة اللبناني يتعسف بحق عشرات آلاف العاملات المنزليات اللواتي أصبحن محاطات بـ”كومة” من الاستغلال الذي يعيدنا إلى مرحلة عبودية.

“عملنا دوشة في المطار لحد ما يرجعوها”، تضيف صاقر. تقصّد الأمن العام اختيار يوم 4 آب نظراً لانشغال معظم المنظمات والجمعيات بمتابعة تحرّكات هذا اليوم، فيما نفى مساعد القنصل الكيني قاسم جابر أن تكون القنصلية قد وردها أي رسالة من الأمن العام اللبناني بشأن ن.م.، وأنّ “أحد موظفي القنصليّة علم بشأنها مصادفة من موقوفات كينيّات”. 

صنّفت الأمم المتحدة العاملة كـ”طالبة لجوء”، وهذا ما أعطاها جرعة من الأمل. طالب اللجوء هو الشخص الذي يطلب الحماية الدولية ويطلب اللجوء في بلد أجنبي بسبب الاضطهاد أو خطر حقيقي لكن لم يتم تقييم طلبه بعد. فتحت المفوضية تحقيقاً لتقييم الحالة، لكن لم زيارة الناشطة كانت ممنوعة، فبقي ملفها معلّقاً. وهكذا، تتجاوز السلطات اللبنانية التفويض القانوني للمفوضية عبر ترحيل قسري لطالبة لجوء مسجّلة.

رفعت العاملات والناشطات الكينيّات أصواتهنّ في 2020 و2021 ضدّ القنصلية الكينية أمام مقرّها في بدارو، وكانت ن.م. من المشاركات. هذه القنصلية الفخرية، بموظفيها اللبنانيين، شكّلوا منبعاً لأولى حالات التعسّف ضد الكينيّات. فتوجّهت أصابع الاتّهام للقنصل سيد شالوحي ومساعده قاسم جابر، وهما لبنانيان، بتهمة “النصب والاحتيال” على العاملات، حيث كانت تتفاوت الأرقام التي تتقاضاها القنصليّة منهن بحجّة “مساعدتهن في العودة إلى كينيا”، وصل بعضهن لدفع 1500 دولار للقنصل. كما أفصحت بعضهن عن التعرض للاستغلال والاعتداء الجنسي من شالوحي وجابر. ووصل الأمر للطلب من بعض العاملات الكينيات العمل في الجنس “لادخار رسوم إعادتهن إلى الوطن”.

اليوم، يتهم مساعد القنصلية، ن.م. وناشطات أخريات، بـ”ارتكاب جرائم متعددة”، وكان زار العاملة في مركز احتجازها وهددها بالترحيل، وضغط عليها للاعتراف كذباً بالتهم الموجهة ضدها ورفضت الناشطة التحدث إليه مرة أخرى. 

ولم يتلقَّ “درج” أي رد على اتصالاته المتكررة للقنصلية الكينية أو الأمن العام اللبناني. فيما ذكرت “المفكرة القانونية” أنّ جابر نفى أن يكون قد تواصل مع العاملة بشكل شخصي مؤكّداً أنّ “القنصليّة لم يردها أي رسالة من الأمن العام اللبناني بشأن ن.م.، وأنّ أحد موظفي القنصليّة علم بشأنها مصادفة من موقوفات كينيّات”.

إقرأوا أيضاً:

 بحسب المحامي ربيع قيس، فإن إنتهاء مدّة الإقامة تُمكّن الأمن العام من احتجازها، إلا إذا استُنسبت بحق التجديد، أي أن تخرج من لبنان وتعود. والعاملة الكينية التي لا تريد العودة إلى بلادها لأن “حياتها ستكون في خطر هناك”، تعيش اليوم حالة من الصراع. تتشابه قضيّة هذه الناشطة بقضايا اللاجئين في لبنان، الذين لا يجدون في بلادهم مكاناً آمناً ويتعرّض بعضهم للاضطهاد. يربط قيس هذا الوضع ببعض اللاجئين السوريين الذين لا يرغبون بالعودة إلى بلادهم إذا كانوا مطلوبين من الأمن السوري. وتعود بنا الذاكرة لأولئك الذين تعرضوا للتعنيف عند عودتهم إلى سوريا. “طالبة اللجوء تحتاج إلى تقييم رسمي من الدولة لتحدّد وضعها القانوني، فإذا كانت حياتها فعلاً في خطر لا يحق للأمن العام ترحيلها”.

لا يزال نظام الكفالة اللبناني يتعسف بحق عشرات آلاف العاملات المنزليات اللواتي أصبحن محاطات بـ”كومة” من الاستغلال الذي يعيدنا إلى مرحلة عبودية. فبحسب تقرير لـ”هيومان رايتس ووتش“، هناك نحو 250 ألف عاملة منزلية في لبنان لا تشملهن حمايات قانون العمل اللبناني، بما في ذلك اشتراط حد أدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعي، وأجر العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات. تندرج العاملات الكينيات تحت هذا التعسّف، بحيث يصبح مجحفاً أكثر عندما يكون من قنصليّة بلادهن.

تطرح هذه القضيّة أسئلة حول مستوى الإدارة ومراعاة الشروط الأخلاقية والإنسانية في السجون اللبنانية، وسجن الأمن العام تحديداً. على رغم تغيير مكان الأمن العام وتجديده حيث “تحوّل إلى مركز يطابق المعايير الدولية لحقوق الإنسان فوق الأرض”، إلا أنّ هناك تجاوزات قانونية وإنسانية كثيرة كما حصل في قضية ن. م. ويبدو تواطؤ القنصلية الكينية مع الأمن العام اللبناني شبه واضح مع التضييق الذي يطاول العاملة وغيرها سابقاً. 

فيما تتجه الدول المتحضرة إلى المزيد من احترام حقوق الإنسان وكرامته، تنشغل السلطات اللبنانية ببث المزيد من العنصرية واتخاذ القرارات المجحفة بحق المهاجرين والعمال الأفارقة… ولا يملك هؤلاء شيئاً للدفاع عن حقوقهم المهدورة وكرامتهم المستباحة. هكذا بهذه البساطة تبقى ن.م محتجزة ويبقى مصيرها معلّقاً ومجهولاً.

إقرأوا أيضاً: