fbpx

ما بين أربعينية “حزب الله”… وأربعينية بشير الجميل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 راهناً، واكثر من أي وقت آخر، يقيم أمين عام “حزب الله” على تماس مع بشير الجميل في المزاج اللبناني العام. فيما الغياب والحضور يتبدّيان رافدين عميقين للذاكرة بعيداً عن طباق اللغة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

  يروي مدير عام الأمن العام الأسبق زاهي البستاني، بوصفه أحد  أركان فريق بشير الجميل ، أن الأخير ، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، كان يفكر، بمبادرة منه تجاه المسلمين، بإعطاء حاكمية المصرف المركزي لهم.

  سأل البستاني حينها بشير الجميل: هل بدأت بالتخلي عن صلاحيات المسيحيين، مع ما يعنيه الأمر من قهر لهم؟ رد الرئيس المنتخب كان :”ألا يكفي المسلمين قهراً أن يكون رئيسهم بشير الجميل؟”.

   في العام 2009، صار إميل رحمة نائباً في البرلمان اللبناني عن دائرة بعلبك الهرمل، وعلى لائحة حزب الله”. 

  109 آلاف صوت ، جعلت إبن دير الأحمر، والقواتي السابق، النائب الأكثر حصولاً على أصوات المقترعين في لبنان، وهي في أغلبها أصوات جمهور” حزب الله”.

  نيابة رحمة بهذه الكثافة العددية بدت حينها “ميني” قهر لجمهور مسيحي عريض لا يزال يبحث منذ أربعين عاماً عن “المسيحي القوي” الذي جسده بشير.

   راهناً، هناك من يذكِّر اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، بالقهر الذي تحدث عنه بشير الجميل ونقله زاهي البستاني: إميل رحمة رئيساً محتملاً للجمهورية اللبنانية! 

   يعيش مسيحيو لبنان اليوم الذكرى الأربعين لانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، و”حزب الله” يحتفل  بمرور أربعين عاماً على تأسيسه .

“أربعون ربيعاً” هو الوسم الذي أطلقه “حزب الله” على احتفاليته. و”أربعون خريفاً” هو على الأرجح الوسم الذي يصحّ في أحوال مسيحيي بعد اغتيال بشير الجميل. يتقدم “حزب الله” بثبات نحو دولته المقنَّعة. وتسود عند المسيحيين  الأقنعة التي تحاول ان تُخفي حسرتهم على دولتهم المغدورة. “لبنان القوي” أو” الجمهورية القوية” ليسا أكثر من سِمتين تحاولان عبثاً محاكاة ماضٍ تليد ووري مع بشير تحت ركام بيت الكتائب في أيلول /سبتمبر من العام 1982.

    الحدثان مغريان لا شك في افتعال مقاربة بين ماضي قائد القوات اللبنانية  بشير الجميل وحاضر أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله. 

  ظل بشير الجميل، قبل الإغتيال وبعده، شخصية جدلية في تاريخ لبنان الحديث. وهو بهذا المعنى مرادف لكل زعماء الحروب: أبطال وعملاء في آن، كتصنيفين متضادين. ومرهونون بالضرورة للمواقع السياسية التي خاضوا الحروب من خلالها.

  وحده بشير لم يتخفّف من هذه الجدلية، كما تخفف منها أقرانه . الأخيرون أسعفهم في ذلك سلماً مديداً وهشاً أتاحت فيه مدنيتهم  المصطنعة هذا التخفف، وإن بتدليس اكتشف اللبنانيون في راهنهم أن الحرب معهم  كما السلم لحظتان مؤسستان للخراب .

إقرأوا أيضاً:

 راهناً، واكثر من أي وقت آخر، يقيم أمين عام “حزب الله” على تماس مع بشير الجميل في المزاج اللبناني العام. فيما الغياب والحضور يتبدّيان رافدين عميقين للذاكرة بعيداً عن طباق اللغة.

   الحرب، وفقط الحرب،  ومن موقعين مختلفين، هي من أسست وكثفت شخصيتي بشير الجميل وحسن نصرالله في الوجدان المسيحي كما الشيعي. قاتل بشير مسيحيين آخرين، لكن حربه مع السوريين والفلسطينيين هي من صنعت “أسطورته”. وقاتل “حزب الله” شيعة آخرين وباقي اللبنانيين، لكن قتال إسرائيل  راكم “اسطورة” نصرالله في بيئته. فكيف والحال أننا امام شخصين قدَّما قرابين بشرية وأرواحاً في حروبهما.

     لم تخلُ سيرة زعيم لبناني من سمة فوق بشرية يضفيها عليه جمهوره. لكن التدقيق في هكذا سِمات يفضي غالباً إلى أمرين: شغب كلامي كما هي الحال في زعماء كثر، ومسلّمات تتكثف بقوة كما في حالتي بشير ونصرالله.

  “بشيرحيٌّ فينا” في أغلب الوجدان المسيحي، و”وفدا إجر السيد” في غالبية الوجدان الشيعي، “مسلّمتان” لا تحتملان ان تخضعا للشغب الكلامي. نحن أمام لازمتين رافدتين لتكثيف الشخص في الوعي الجمعي، تتبدّيان كنشيد يومي على أفواه جمهور عريض محكوم بالأساطير والمخلصين.

   تحدث بشير الجميل عن لبنان الـ10452 كيلومتراً مربعاً. الأخير سيكون بعد العام 2000 ضالة حزب الله في البحث عن مشروعية سلاحه الذي تحول منذ تلك اللحظة إلى مشروع انقسام لبناني لا يزال أغلب المسيحيين، والبشيريين تحديداً، يتصدرون معارضته.

  والمواءمة بين حديث بشير، وضالة الحزب، هي مواءمة محكومة بالشكل: أراد بشير مخاطبة وجدان لبناني عام من خلال استحضار فكرة لبنان محرر من الجيوش الغريبة، فيما المآل باعتقاده معقود للمفاوضات لا الحرب.

 يفاوض المسلمون سوريا، والمسيحيون يفاوضون إسرائيل. ويرتضي كل طرف بما يتفق عليه الطرف الآخر. تلك كانت فكرة بشير الجميل لمآل أساسه انسحاب الجيشين السوري والإسرائيلي من لبنان، ويتيح للبنانيين حواراً متخففاً من سطوة “الغرباء”.

  هنا تحديداً ينتفي التقاطع بين ماضي الجميل وحاضر نصرالله على مساحة الـ10452. فكرة بشير لا مكان فيها للحرب، فيما الحرب من المسلّمات لدى نصرالله. 

   عود على بدء.  بين انتخابه واغتياله، تغير على الأرجح شيء ما في بشير الجميل. وبدا أن كلامه الكثير عن مستقبل لبنان، والشراكة الإسلامية المسيحية، والعلاقة مع سوريا،  وجد قابلية لدى زعامات إسلامية كصائب سلام. فيما لقاء نهاريا العاصف مع رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن، ورفضه توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل بمعزل عن المسلمين، بعد تسلمه الحكم، كان مؤشراً لمحاولة الهروب من الثمن المباشر لرئاسة آلت إليه بفعل غزو إسرائيل للبنان.

“وعدتكم بمعاهدة سلام حين كنت قائداً للقوات اللبنانية، وأنا الآن رئيساً للبنان”،  قال بشير لبيغن.      

   الكاتب الإسرائيلي زئيف شيف روى الكثير من وقائع ذلك اللقاء في كتابه “كرة الثلج”، وأن بيغن خرج من ذلك اللقاء بحتمية وحيدة: خدَعَنا بشير الجميل. وأغلب الظن أيضاً أن اغتيال الأخير وقع تحت العين الإسرائيلية ، وقبل أن يتاح للبنانيين تلمّس مصداقية  الكثير من نواياه في أن تتحول إلى وقائع تخفف عن خصومه القهر الذي تحدث عنه زاهي البستاني.

إقرأوا أيضاً: