fbpx

كيف صحّحت أنا وابني “وضع” القدس في المنهاج الهولندي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان من المهم هنا في الدرجة الأولى أن يتعلم ابني بيانات صحيحة في المدرسة. فالقدس ليست عاصمة إسرائيل، كما أن جدّة ليست عاصمة السعودية وباريس ليست عاصمة البرازيل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يفترض أن يأخذ الأمر شكلاً روتينياً، يعود ابني البالغ من العمر 11 عاماً من المدرسة ويخبرني بموعد امتحان مادة التاريخ خلال دردشة حول أحداث يومنا على طاولة العشاء. هذه المرة كان الأمر مختلفاً عندما جلسنا لاحقاً لمراجعة كتاب التاريخ والتحضير للامتحان. كان الكتاب يتحدث عن مدينة القدس وتاريخها وحاضرها ويقدم مجموعة من “الحقائق” بطبيعة الحال دون الخوض في أي تحليل أو اتخاذ موقف أو تبني رأي طرف ما في صراع سياسي أو ديني. على الأقل هذا ما تلتزم به المناهج التعليمية في المدارس العامة التي تضمن المادة 23 في الدستور الهولندي احترامها “لجميع الأديان وأنماط التفكير ومعتقدات الحياة” بما يشمل المواقف السياسية الخلافية بطبيعة الحال، إلا أن محتوى الكتاب (المنهاج) كان ينصّ هنا وضوحاً على أن “القدس عاصمة دولة إسرائيل، وهي مدينة مقدسة لكل من اليهود والمسيحيين والمسلمين”. يقدّم الكتاب هذه المعلومة كحقيقة دون أن يستطرد في شرح أي سياق، بحيث يبدو الأمر كمعطى جغرافي وسياسي بديهي يفترض أن يتعلمه الطفل في المدرسة ويكبر عليه.
يشرف فريق من المختصين الأكاديميين على تفاصيل إعداد المناهج المدرسية التي تنتجها شركات خاصة متعاقدة مع هذه المدارس لتزويدها بالمادة العلمية المطلوبة لكل مرحلة تعليمية. ثم يشرف فريق تحرير مختص تابع لهذه الشركات على وضع النصوص في صيغتها المبدئية قبل إعادة تدقيقها النهائي بعد التصميم والتحرير ثم الطباعة. بحسب مقدمة الكتاب المعني هنا فإن خمسة أكاديميين على الأقل عملوا على إصدار كتاب التاريخ هذا بصيغته النهائية.

كان لافتاً أن أحداً في المدرسة أو وزارة التعليم أو من المعارف والأصدقاء في محيطي ممن طرحت عليهم القضية، وغالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية، لم يكن يعلم أن القدس ليست عاصمة إسرائيل أو أن المعلومة بدت له غريبة بعض الشيء.


كان من المهم هنا في الدرجة الأولى أن يتعلم ابني بيانات صحيحة في المدرسة. فالقدس ليست عاصمة إسرائيل، كما أن جدّة ليست عاصمة السعودية وباريس ليست عاصمة البرازيل. مهما كان من الموقف السياسي هنا فإن الأمم المتحدة في وثائقها الرسمية لا تعترف بالقدس عاصمة لا لإسرائيل ولا لغيرها كما أن هذا هو موقف الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي، وهو موقف كل الدول الأعضاء في الإتحاد بما فيهم هولندا نفسها. في أحدث المواقف الحكومية الهولندية من الموضوع أن وزير الخارجية قدم مراجعة شاملة أمام البرلمان بخصوص هذه القضية بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وخلصت المراجعة إلى ما حرفيته بأن “القرار الأميركي غير حكيم وأحادي الجانب ومخالف للقانون الدولي بما فيه قرار مجلس الأمن رقم 478”. وفي تصويت سابق للبرلمان الهولندي حول القضية رفض 149 نائباً الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مقابل دعم 17 نائباً فقط مقترحاً كهذا. ما هي المرجعية التي اعتمد عليها المؤلفون إذاً في وضع هذه المعلومة في كتاب مدرسي؟
كنت أستطيع تصحيح المعلومة لابني وشرحها له وننتهي من قضية (المعلومة الخاطئة) عند هذا الحد. لكن هل سيكون ذلك كافياً لوضع السياق الصحيح لوجود هكذا معلومة في كتاب مدرسي؟ وأي إشارات سلبية سوف يلتقطها ويتعلمها طفل داكن البشرة من أصول شرق أوسطية حول هويته وانتمائه لمجتمعه الهولندي وبلاده هولندا؟ وماذا عن تعلم ابني ممارسة قناعاته والمساهمة في النقاش العام، كما تريد له المدرسة أيضاً ويضمن له دستور بلاده؟ ماذا عن مسؤوليته تجاه أي خطأ عام في مجتمع يبالغ في اعتناق الفردانية وتقديم شؤون الفرد فوق العام؟ سيل من الأسئلة غير المرتبطة بالضرورة بالمعلومة نفسها وقيمتها وأهميتها. قاد نقاش شكل هذه الأسئلة البسيط مع ابني إلى إبداء رغبته في طرح الموضوع على مدرّسته ومديره.

إقرأوا أيضاً:

لم تكن المدرسة معتادة على طرح كهذا، الطاقم الإداري والتدريسي بدا مرتبكاً ومندهشاً من أن هذه المعلومة بحاجة لتصحيح أصلاً. كما كان من الواضح أن إدارة المدرسة تتجنب التورط في مسألة قد يكون فيها التباسات حول انحياز عرقي أو ديني أو سياسي. جواب المدرسة بعد الاجتماع مع إدارتها كان أن لا سلطة لديهم على المناهج التعليمية وأن الموضوع هنا أكبر من قدرتهم على التأثير ونصحوني بالتوجه للشركة المنتجة للمنهاج التعليمي وفريقها العلمي. كذا فعلت في اليوم التالي لجنة مختصة في وزارة التعليم عندما خاطبتها عبر قناتها الرسمية وتلقيت إجابة مفادها بأن عليّ التوجه إلى الشركة المنتجة. هكذا كان. قمت بتسجيل شكوى رسمية ضد الشركة وتلقيت على الفور تأكيداً على استلام طلبي وتحويله إلى المؤلفين والمشرفين على المادة العلمية للمناهج. مرت أشهر دون أن يصلني أي رد حول محتوى طلبي وبعد اتصالي المباشر معهم وطلب الرد فوراً على رسالتي رمت الشركة في وجهي ذرائع مختلفة حول التأخير. نقلت لهم مجدداً وبوضوح جدّية الأمر وعدم استعدادي لترك القضية تموت مع الوقت، ما دفعهم بعد أيام لإبلاغي أخيراً ومن خلال صيغة رسمية من قبل المؤلفين حول الاعتراف بالخطأ الوارد في كتاب مادة التاريخ للصف السابع واعتذارهم عنه، مع توضيح أنهم ليسوا بصدد تعليم الأطفال معلومات خاطئة عن قصد، وبالتالي سوف يصار فوراً إلى تعديل النص في المنهاج بما يتناسب مع الحقائق الفعلية وحذف عبارة “القدس عاصمة دولة إسرائيل” من نص المنهاج.

هل كان الخطأ متعمداً؟ لا أعلم، لكن كان لافتاً أن أحداً في المدرسة أو وزارة التعليم أو من المعارف والأصدقاء في محيطي ممن طرحت عليهم القضية، وغالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية، لم يكن يعلم أن القدس ليست عاصمة إسرائيل أو أن المعلومة بدت له غريبة بعض الشيء. كما أن التحفظ الذي قوبلت به عند طرح المسألة كان لافتاً خاصة أنه يتعلق بمعلومة خاطئة داخل منهج دراسي، حيث قدمت في كل حين الوثائق الرسمية الهولندية والأوربية وتلك الأممية ذات الصلة وقوبلت بوجوه مستغربة دائماً، إما لغرابة المعلومة أو لعدم اعتيادية الطلب أو ربما للجرأة على طلب تعديل كهذا.
على المستوى الشخصي، أشعر وابني بالانتصار. كلٌّ لأسبابه، لأن لكل منا له حساسياته وقضاياه. لم أرغب في أي وقت أن أورثه شؤوناً وأعباء صراعات في غير مكان من العالم. كنت فقط أريده أن ينتصر للحقيقة ويؤمن بقدرته على معالجة التزوير والزيف، البريء منه أو المتعمد.

إقرأوا أيضاً: