fbpx

إدارة المياه في النظم الهشة… الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموذجاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تترتب على سوء استجابة المؤسسات لقضايا المياه، فوضى اجتماعية، اضطرابات مدنية واحتجاجات كما لوحظ على مر السنين في إيران، اليمن، العراق والجزائر

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتفاقم وتيرة الأزمة المائية التي تتمدد إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يوماً بعد يوم. ازدياد الطلب على المياه، ندرة الأمطار الفصلية بسبب التغييرات البيئية، موجات الحرّ الشديد، التناقص والتبخر، التوسع العمراني، الانفجار السكاني وافتقاد البلدان لإدارة رشيدة وكفوءة في إدارة المصادر المائية، تضع كل هذه الأسباب المنطقة أمام تحديات جمة وتضعف قدرتها على ضمان أمنها المائي والغذائي بطبيعة الحال.

ووفق تقرير أصدره كل من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) خلال الأسبوع العالمي للمياه في ستوكهولم (25-31 آب/2018)، فإن نطاق شحة المياه في المنطقة غير مسبوق في التحديات التي تشكلها أمام بلدان المنطقة حيث كانت.

ويقول التقرير، “في طليعة تطوير ممارسات ومؤسسات لإدارة الموارد المائية الشحيحة في سياق مناخ تغلب عليه الطبيعة القاحلة والتقلب الشديد، لكن نطاق أزمة المياه الراهنة غير مسبوق، ويتطلب تدابير منسقة عبر المؤسسات في أماكن كثيرة”.

تشكل ندرة المياه والأخطار البيئية التحديات بالدرجة الأولى أمام الزراعة في السنين المقبلة حيث تواجه فيها المنطقة الكثير من الإنتاج، الكثير من الدخل، إنما القليل من الماء. تالياً، إن صورة تناقص الثروة المائية ومصادرها الضعيفة، ناهيك بالتنافس عليها من قبل قطاعات كثيرة، تؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي في المنطقة التي تعاني من أوضاع أمنية وعسكرية غير مستقرة. ويرى البنك الدولي ومنظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة بأن تأثر اقتصاديات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتغييرات البيئية وندرة المياه، سيكون أكثر من غيرها من المناطق في العالم في السنين المقبلة. وسيؤدي ذلك إلى خفض الدخل الوطني بنسبة 6 إلى 14 في المئة بحلول عام 2050، ومن شأن هذا الانخفاض إدامة تراجع الإنتاج الزراعي وخلق ضغوط كبيرة على قدرة الأفراد والمجتمعات على الحفاظ على أمن سبل كسب العيش والاستقرار السياسي.

ويمكننا أن نتعرج هنا إلى ما تشهده مدينة البصرة في جنوب العراق من الاحتجاجات على الأوضاع الخدمية المتدهورة وافتقاد سكانها للخدمات الأساسية والأحوال المعيشية، حيث تبقى المياه الملوثة والمالحة عنوانها الرئيسي. لقد قتل متظاهرون في البصرة (الرابع من أيلول 2018)، وقد تزيد رقعة الاحتجاجات والعنف وتشمل مناطق أخرى في العراق، ذاك أن عدم استجابة الحكومة العراقية إلى مطالب المواطنين أدى إلى إزالة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. وفي هذا السياق، أشار تقرير البنك الدولي ومنظمة الفاو في تقريرهما إلى أن فشل السياسات في إيجاد الحلول للتنافس على الموارد المائية الشحيحة يمكن أن يؤدي إلى مضاعفة المخاطر في سياقات هشة مسبقاً. ويقول التقرير: ” تترتب على سوء استجابة المؤسسات لقضايا المياه، فوضى اجتماعية، اضطرابات مدنية واحتجاجات كما لوحظ على مر السنين في إيران، اليمن، العراق والجزائر”.

تأثر اقتصاديات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتغييرات البيئية وندرة المياه، سيكون أكثر من غيرها من المناطق في العالم في السنين المقبلة. وسيؤدي ذلك إلى خفض الدخل الوطني بنسبة 6 إلى 14 في المئة بحلول عام 2050

إن الأوضاع الهشة التي تتصف بضعف المؤسسات وعدم فاعليتها، والتاريخ الحافل بالصراعات، ونظم كسب العيش غير المستدامة، والبنى التحتية المتهالكة تزيد التحديات تعقيداً في مواجهة الإدارة المستدامة للمياه. ولا يجب أن يُلام الجفاف فقط كما جاء في التقرير قائلاً: “إننا لا ندعي وجود روابط سببية مباشرة بين أزمات المياه أو التوترات الاجتماعية أو القلاقل أو الهجرة أو التجليات الأخرى للهشاشة، إنما الواضح هو أن المؤسسات والخيارات على صعيد السياسات، يمكنها أن تخفف من وطأة الآثار المتعلقة بالمياه على البشر والاقتصاديات”. إن ترك قضايا المياه من دون معالجة وإيجاد حلول، يقوض شرعية الحكومات ويزعزع الأوضاع الهشة أساساً.

ما الحل؟

يستوجب التصدي لندرة المياه والهشاشة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحولاً من التركيز بشكل رئيسي على الاستجابات الآنية القائمة على رد الفعل إلى اتباع نهج متوازن طويل الأمد. وسيبني هذا النهج بحسب البنك الدولي ومنظمة الفاو “قدرة موجهة نحو تعزيز النمو في وجه الصدمات والأزمات التي طال أمدها، وينصبّ تركيزه على إدارة الموارد المائية وتقديم الخدمات على نحو يتسم بالاستدامة والكفاءة والإنصاف”. وتقتضي مثل هذه السياسة، التوجه نحو تشاركية للامركزية، ذلك أن مشكلات المياه والزراعة تتسم بسمات محلية، ويعتبر التشاور مع المجتمعات المحلية ومشاركتها والزامها بالبحث عن إيجاد الحلول لها، عنصراً حيوياً ولا تقل أهميته عن أهمية العمل مع أي حكومة محلية موجودة على الأرض. ويتم ذلك من خلال تمكين المجتمعات المحلية، تزامناً مع تطوير المؤسسات من أجل توصيل الموارد على نحو مسؤول وشفاف. ولا تمكن كتابة النجاح لأي سياسة مائية من دون الاستثمار في الممارسات المبتكرة، البحوث والتكنولوجيا الحديثة، ذاك أن الوسائل القديمة في إدارة المياه لم تعد قادرة على مواجهة التحديات.

يعتبر التعاون داخل البلدان وعبر حدودها الإقليمية بطبيعة الحال عنصراً مهماً لمعالجة المشكلات الناتجة عن ندرة المياه، وذلك نظراً إلى نطاق التحديات وتفشيها، ناهيك بطبيعة الأنهار الدولية أو العابرة للحدود إذ لا يمكن الاستغناء عن العمل الجماعي والشراكة في هذا الخصوص. ولئن المياه والزراعة أساسيان للتعافي والاستقرار، وبناء السلام في نهاية المطاف، يتطلب العمل من أجل إدارتها وإيجاد الحلول للمشكلات الناتجة عن ندرتها، “بناء القدرة على مواجهة التحديات في النظم المائية والزراعية في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراعات”. كما يتطلب أخذ كلٍّ من مشاريع طويلة المدى، وقصيرة المدى بعين الاعتبار في التخطيط، وسد الفجوة تالياً، بين الجهود الإنسانية والإنمائية.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

إقرأ أيضاً :

العراق .. حقوق منتهكة بمياه ملوثة 

 10 في المئة من غابات العالم التهمتها الحرائق