fbpx

“راتبي بالكاد يكفي لسداد فاتورة الكهرباء”… 72
% من الأهالي عاجزون عن تحمّل تكاليف التعليم في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التعليم الذي كان تاريخياً أحد أهم القطاعات في لبنان، بات مهدداً بشكل لم يشهده تاريخ لبنان حتى خلال الحرب اللبنانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“راتبي الذي كان يساوي 2000 دولار أصبح اليوم نحو 80 دولاراً بعد تدهور الليرة”، تقول رحاب وهي أستاذة ثانوية تعلّم منذ عشرين عاماً في مدرسة رسمية في جبل لبنان.

هذا الواقع دفع رحاب للبحث عن وظيفة ثانية بسبب انهيار قيمة راتبها وما خلّفه ذلك من تبعات اقتصادية ثقيلة عليها، خصوصاً أنها أم لولدين، لكنها لم تتمكن من ردم الهوة وتخفيف الضائقة التي هزّت حياتها وأسرتها في العمق. 

“لم أعد أستعمل السيارة، أذهب سيراً إلى المدرسة لتوفير الوقود. ما نجنيه أنا وزوجي نخصصه للأساسيات، فمرتبي بالكاد يكفي فاتورة الكهرباء…”.

رحاب هي واحدة من آلاف الاساتذة الذين إما تركوا قطاع التعليم أو يفكرون بذلك، جراء الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019. فسعر صرف الدولار الأميركي لامس عتبة 34000 ألف ليرة لبنانية، أي أن العملة الوطنية خسرت نحو 22 مرة من قيمتها. 

هذا الواقع انعكس فوضى وارتفاعاً في الأسعار وتراجعاً هائلاً في القطاعات الرسمية وشحاً في المواد الأساسية.

التعليم الذي كان تاريخياً أحد أهم القطاعات في لبنان، بات مهدداً بشكل لم يشهده تاريخ لبنان حتى خلال الحرب اللبنانية.

في دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات اللبنانية في الجامعة اللبنانية الأميركية، دلالات مقلقة عن وضع التعليم على مستوى تراجع قدرات الأهل والمعلمين بشكل بالغ. “73 في المئة من الأساتذة يفكرون بترك قطاع التعليم”، بحسب الدراسة التي تمت تحت إشراف مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية في الجامعة، والباحث في المركز محمد حمود. 

 دراسة “تحديات العودة إلى المدارس للاساتذة والأهل”، أجريت عبر استبيان “أونلاين”، وشملت 1512 معلماً و2700 شخص من أهالي الطلاب موزعين على الأقضية الثمانية في لبنان. 

الأزمة الاقتصادية تفاقمت في السنوات الأخيرة ووصلت إلى ذروتها مع فقدان العملة المحلية في كل سنة تعليمية وتزداد حدّيتها. 

هذا الواقع الهشّ طرح أسئلة حول مصير القطاع الذي غابت عنه أساليب المعالجة. ورحاب هي واحدة من الأساتذة الذين “قطعت المهنة أنفاسهم” وباتت مصدراً للخيبات المتتالية في وقتٍ أصبح فيه “المعلّم فرق عملة”.  

أشار أساتذة العيّنة التي شملتها الدراسة إلى أن الأزمة أثّرت بنسبة 89 في المئة على وضعهم النفسي، و69 في المئة على تحفيزهم للتعليم و28 في المئة على أدائهم، وهو بالطبع ما يطاول الطالب الذي يعيش في فوضى تعليمية وحياتية. تعتبر رحاب أنّ هذا العبء النفسي الذي يعيشه الأساتذة لا يمكن إلّا أن يؤثر في جودة تقديم المادة التربوية “لأنهم ببساطة بشر”. والأساتذة في القطاع الرسمي خصوصاً، يضطرّ كثر منهم إلى الدفع من جيبهم للوصول إلى المدرسة، في ظل ارتفاع تكاليف فواتير الكهرباء والإنترنت، التي تشكل كلفة سدادها 139 في المئة من معدّل الدخل الشهري لغالبيّتهم. 

وتتّسع الفجوة خصوصاً بين المدارس الرسمية والخاصة، أي بين القطاع الحكومي المهمّش، والقطاع الخاص الذي يحاول “سيسرة أموره” بالحد الأدنى. فحال المدارس الرسمية كحال الجامعة اللبنانية، وحال الجامعات الخاصة التي اعتمدت “الدولرة” الجزئية هو حال المدارس الخاصة التي لجأت إلى الأسلوب ذاته. لكن ذلك لا ينفي سوء أوضاع المدارس في القطاعين، وهذا ما أكّده أساتذة العينة الذين قالوا إن 24 في المئة من المدارس غير جاهزة لاستقبال العام الدراسي 2022/ 2023. 

حال الأساتذة في كلا القطاعين سيئة، لكن يختلف الأمر قليلاً مع وجود “مروحة” أو “إنترنت”، في المدارس الخاصة فيما تنعدم هذه “الخدمات” البديهية في المدارس الرسمية. يعني ذلك أنّ الأساتذة لا يشعرون بأنّهم متساوون في القطاعين. 

“اضطررنا أنا وعدد من زملائي الأساتذة أن نفتتح صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لبيع الثياب “أونلاين”، تقول سمية، وهي أستاذة ثانوية في مدرسة خاصة. فبعد أزمة التعلّم عن بُعد، ابتكرت المعلمات والاساتذة وسائل لتغطية جزء ولو قليل من نفقاتهم المعيشية. وهذا ما تشير إليه الدراسة التي تكشف أنّ 66 في المئة من الأساتذة اضطروا إلى اللجوء للعمل في وظيفة ثانية.

بحسب سميّة، يلجأ كثر من الأساتذة حالياً إلى المداورة في استخدام سياراتهم، “نستخدم كل يوم سيارة أحدنا”، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات. في الواقع، ما ذكرته الدراسة أنّ “6 من أصل 10 من الأساتذة يتغيّبون عن عملهم بسبب ارتفاع تكلفة التنقل”.

لا يقتصر الضياع والفوضى على الأساتذة فقط، فبحسب الدراسة، تبيّن أنّهما يؤثران في الطلّاب، الحلقة الأضعف. أشار ثلث الأساتذة المشاركين في الإستبيان إلى تراجع الأداء الأكاديمي للطلّاب بنسبة 32 في المئة. وهو ما أكّدته سُميّا التي تابعت تلامذة لثلاث سنوات متتالية، “بدأت أستغرب من تصرفاتهم، شخصياتهم لم تعد كما كانت”.  وأضافت الدراسة أن الأزمة أثّرت على الطلاب أيضاً، بنسبة 15 في المئة لناحية الرسوب المدرسي، و10 في المئة في مسألة التسرب المدرسي، وانعكست بنسبة 9 في المئة على توجههم إلى سوق العمل. 

“أصبحت ألاحظ حالات نوبات الذعر Panic Attacks في كل صف تقريباً، فيما زادت نسبة الطلاب الذين يعانون من أزمات نفسية لم نكن نلاحظها سابقاً أبداً”، تقول سُميّة. يعكس هذا الواقع، تأثر الطلاب بكل ما يدور حولهم، وهو ينعكس بطبيعة الحال على أدائهم وصحتهم النفسية، لا سيما مع تراجع مستوى تحفيز الأساتذة، الذي ينعكس أيضاً على الطلّاب. وبالأرقام، الأزمة أثرت بنسبة 33 في المئة في الأداء الأكاديمي و32 في المئة في وضع الطلاب النفسي.

اليانا أم لأربعة أولاد، اثنان منهم في مدرسة وجامعة خاصة. والآخران في القطاع الرسمي. تعمل اليانا سكرتيرة في مستوصف، بينما زوجها متقاعد في الجيش اللبناني وكلاهما يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية. وهما لا يمتلكان أي مصدر آخر للدعم المادي. وهما بالتالي ينتميان إلى نسبة  79 في المئة ممن لا يتلقّون هذا النوع من الدعم، بحسب الدراسة. 

 اضطرّت اليانا أن تُبقي ابنها (13 سنة) في المدرسة الخاصة، لأنّه عام الامتحانات الرسمية المتوسطة، ولا تريد أن “تتغيّر عليه بيئة المدرسة فيؤثر الأمر سلباً فيه”.

إقرأوا أيضاً:

في الدراسة، 75 في المئة من الأهالي أشاروا إلى أنّ مدارس أطفالهم تطلب إيفاء جزء من القسط بالدولار. المدرسة الخاصة تطلب من إليانا جزءاً بالدولار وهو نحو 300 دولار إلى جانب 7 ملايين ليرة لبنانية تقريباً. هذا من دون احتساب تكاليف النقل إلى المدرسة والتي  بات 92 في المئة من الأهالي يواجهون صعوبة في تغطيتها.

“منذ بدء الأزمة بدأنا نبحث عن قرطاسية وكتب مستعملة ليستخدمها أولادنا”، تؤكد اليانا بعد الغلاء الباهظ الذي طاول قطاع الكتب والقرطاسية. وهو ما تطرقت إليه الدراسة، فـ72 في المئة من الأهالي “قد لا يتمكنون من الاستمرار في تحمّل تكاليف تعليم أطفالهم”. 

أما عن ابنتها في المدرسة الرسمية، فوضعت اليانا لها أستاذاً خاصاً يعطيها دروساً خصوصية في المنزل، بعدما تراجعت الجودة التعليمية للمدرسة الرسمية مقابل عدم اكتساب غالبيّة الطلاب المعلومات الكافية. فـ5 من أصل 10 من الأهالي نقلوا أولادهم في الفترة الأخيرة من المدرسة الخاصة إلى الرسمية، بحسب الاستبيان. وهو ما أشارت إليه الباحثة مها شعيب: “طلاب المدرسة الخاصة والمدرسة الرسمية باتوا يلتقون في الثانوية أو في الجامعة ويكتشفون أنّ هناك الفرق بينهم. فغالبيّة الأهالي يستهلكون أموالهم في وضع أولادهم في القطاع الخاص بالتعليم الأساسي، ومن ثم ينقلونهم إلى ثانوية رسمية لأنهم يعتبرون أن الطالب تأسّس”. 

من ناحية أخرى، ترى شعيب أنّ المساعدات التي تتلقاها الدولة اللبنانية من المجتمع الدولي غير منظمة وغير متكافئة. تدخل هذه المساعدات إلى الخزينة منذ بداية الأزمة، ولكن تغيب عن وزارة التربية والتعليم العالي الخطة السنوية المتعلقة بالموازنة والصرف، لنصل في نهاية العام من دون معرفة كيف استخدمت هذه الأموال، “وهو ما جعل دول مانحة تعتكف عن مساعدة لبنان بسبب النظام الفاسد”، بحسب شعيب.

تحت عنوان، “لا يستطيع الأطفال في لبنان تحمّل خسارة سنة دراسية جديدة: لقد حان الوقت لوزارة التربية والتعليم العالي لإعداد خطة إنقاذ”، أطلق مركز الدراسات اللبنانية نتائج الدراسة التي أجراها. ناشد المركز المعنيين بتعديل رواتب الأساتذة لتتلاءم مع الوضع المعيشي، بما في ذلك بدل النقل. إضافة إلى تأمين الأدوية اللازمة والخدمات الطبية لهم، بعدما جعلتهم الأزمة محرومين من التغطية الصحية بسبب انهيار الضمان الاجتماعي. وبالنسبة إلى الطلاب، فقد أوصى المركز بمراجعة المنهج الحالي، وبشكل أساسي استخدام مبدأي الشفافية والمساءلة للسير في حلٍّ جذري ملائم ودائم. 

إقرأوا أيضاً:

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…