fbpx

اعتقال قسري وتعذيب… سجون إماراتية للتنكيل باليمنيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صادقت دولة الإمارات على اتفاقية مناهضة التعذيب الخاصة بالأمم المتحدة عام 2012، قبل بدء تدخلها في اليمن، ويمكن أن تتحمل مسؤولية انتهاكاتها الواقعة خارج حدودها الوطنية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في نهاية أيار/ مايو 2016، احتجز سمير في ظروف غامضة بعدما استدعاه أمن المنطقة الثانية في محافظة حضرموت للتحقيق، ثم نُقِلَ بعد التحقيق إلى سجن الريان، حيث مكث أكثر من خمسة أشهر، يقول إنه طوال تلك الفترة كان يظل لأوقات طويلة مكبل اليدين ومعصوب العينين، ويشير إلى خضوعه للاستجواب من قبل ضباط إماراتيين لأكثر من مرة تحت ضغوط نفسية وجسدية شديدة القساوة.
يصف سمير الوضع داخل الزنزانة بالمخيف. كانت الغرفة تضم عدداً كبيراً من السجناء، لكنه لم يستطع تمييزهم أو معرفتهم، لأن الوجوه كانت مغطاة، غير أن المكان كان مزدحماً للغاية على حد قوله، يتذكر سمير أنّات المحتجزين خلال ساعات التعذيب الطويلة، يتذكر الآهات التي كان مجبراً على كبتها. تحمّل سمير الكثير منذ احتجازه دون أي مسوغ قانوني أو ذنب وحتى لحظات الإفراج عنه بعد التزامه بعدم الانخراط بأي جماعة متطرفة، وإطلاق سراحه بطريقة تثير الشبهات ورميه على أحد أرصفة شوارع المكلا.
سمير من ضحايا عنف القوات الإماراتية والقوات التابعة لها في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تمارس فيها أبشع الجرائم غير الإنسانية منذ سنوات، بمقابل صمت مختلف الجهات المعنية.
وكانت الإمارات العربية المتحدة لعبت دوراً رئيسياً في حرب اليمن منذ بداية تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات في آذار/ مارس 2015، كما كان لها دور مهم في استعادة عدن ومحافظات جنوبية أخرى من سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في العام ذاته، ولم يمر الكثير من الوقت حتى ظهر نهج انتهاكات إماراتية مريعة بحق مدنيين ومحميين بالقانون الدولي، في المناطق التي تسيطر عليها، أو تقع تحت إدارة حكام محليين موالين لها.
وبرغم أن الإمارات، أعلنت في منتصف عام 2019، انسحاب قواتها من اليمن، غير أن طائراتها كانت لا تزال تنفذ عمليات جوية، إضافة إلى القوات المحلية التي تدعمها، إلى انتشار عناصر لها في بعض المواقع الجنوبية، ما جعل فريق الخبراء المعني باليمن يصف الإمارات في تقريره الأخير، الصادر في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، بالدور الذي يصعب فهمه، بخاصة بعدما سحبت كامل قواتها وقدمت في وقتٍ آخر دعماً سياسياً ولوجستياً للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة وقوات أخرى.
وكانت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، قد وضعا، تقريراً مشتركاً بشأن الممارسات والانتهاكات التي قامت بها قوات تابعة لدولة الإمارات وأخرى محسوبة عليها، على طاولة الدورة الـ(74) للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
واعتمد التقرير على أبحاث ارتكزت على مصادر أساسية ومقابلات أجرتها مواطنة مع الناجين من الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز وعائلاتهم، كما أوضح التقديم دور الإمارات في إدارة سجون خاصة بعيدة من الجهات الحكومية اليمنية، حيث قامت باحتجاز مدنيين تعسفياً، في ظروف قاسية ولا إنسانية.
واستند التقرير إلى معلومات جمعها باحثون ميدانيون ومحامو الدعم القانوني التابعون لمنظمة “مواطنة” من 2015 وحتى 2022، وقد استخدم الباحثون أساليب تحقيق صارمة وخاضعة لمراجعة النظراء أثناء التحقيق في الوقائع المزعومة، إضافة إلى أن التقديم اعتمد على مصادر ثانوية ومنظمات وهيئات دولية مستقلة مهتمة بالمجال ذاته.

سمير من ضحايا عنف القوات الإماراتية والقوات التابعة لها في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تمارس فيها أبشع الجرائم غير الإنسانية منذ سنوات، بمقابل صمت مختلف الجهات المعنية.

دور القوات الإماراتية

أشار التقرير إلى دور الإمارات منذ بداية الصراع في بناء قوات عسكرية كبيرة موالية لها خارج سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً. وتَزعم الإمارات أنها تقاتل (الجماعات الإرهابية والمتطرفة) مثل “القاعدة” و”داعش” (تنظيم الدولة) مع القوات التابعة لها، غير أن الواقع يقول العكس، فالقوات التابعة للإمارات مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وغيرها، استخدمت لقتال القوات التابعة للحكومة المعترف بها دولياً ما هدد السلم والأمن في تلك المناطق.
وتناول التقرير القوات التي شكلتها الإمارات ودربتها وسلحتها كما قامت بدفع رواتب المنتسبين إليها، كل هذا خارج منظومة الحكومة اليمنية، حتى أصبحت قوة موازية لها وقدمت لها الدعم السياسي واللوجستي. ففي البدء قامت بتشكيل قوات المجلس الانتقالي عام 2015، ثم شكلت قوات الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والحضرمية، واختارت قادة لها.
وعملت هذه القوات تحت أوامر الإمارات، وفي شهري تموز/ يوليو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019 أخضعت هذه القوات لبعض التغييرات وانضمت قوات الحزام الأمني في عدن إلى المجلس الانتقالي الجنوبي في آب/ أغسطس، وتفككت قوات النخبة الشبوانية، وعلى رغم إعلان الإمارات انسحابها من الحرب في اليمن، إلا أن فريق الخبراء المعني باليمن قال إن الإمارات ظلت تمارس مهماتها على تلك القوات وتقدم لها كامل الدعم.
وظلت هذه التشكيلات تمارس مهمات أخرى غير التي أعلنتها الإمارات (إعادة السلطة للحكومة المعترف بها دولياً)، إذ شنت حروباً ومواجهات على قوات الحكومة، واندلعت مواجهات من أجل السيطرة على عدن وأبين وشبوة والتي ظلت معظمها تحت سيطرة القوات التابعة للإمارات.
وبعد تصاعد الخلافات بين القوات التابعة للإمارات والقوات الحكومية عقد الطرفان مؤتمر الرياض في تشرين الثاني 2019، والذي اتفق الجميع فيها على دمج القوات المسلحة تحت راية الحكومة. ادعى المجلس الانتقالي أن جميع قواته العسكرية والأمنية أدمجت في القوات الحكومية، غير أن الحكومة المعترف بها دولياً نفت ذلك تماماً.

اتفاقية مناهضة التعذيب

يشير التقرير إلى أن الإمارات لم تكتف بإنشاء جماعات مسلحة خارج الدولة تعمل تحت رايتها فقط؛ بل تطور الحال إلى ممارستها العنف بأنواع مختلفة على المواطنين وإنشاء سجون سرية وخاصة تنكل فيها بخصومها بظروف غير إنسانية ومهنية. وقد صادقت دولة الإمارات على اتفاقية مناهضة التعذيب الخاصة بالأمم المتحدة عام 2012، قبل بدء تدخلها في اليمن، ويمكن أن تتحمل مسؤولية انتهاكاتها الواقعة خارج حدودها الوطنية.
وتتضمن اتفاقية مناهضة التعذيب أحكاماً على الدول الموقعة، وعليها الالتزام في أي إقليم يخضع لاختصاصها واعتبر التقديم مفهوم الاختصاص أساسياً في تحديد نطاق تطبيق الاتفاقية خارج الحدود الإقليمية. وأشار التقديم إلى أن الإمارات لا تزال ملزمة بتنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب، غير أنها رمت الاتفاقية وكل القوانين التي تجرم هذا الفعل عرض الحائط، غير مبالية بما قد ينتج عن هذا الانتهاك الخطير.

إقرأوا أيضاً:

التعذيب وسوء المعاملة

كشف التقرير- أيضاً- تورط الإمارات في حالات اختفاء قسري واسعة النطاق، إضافة إلى تعذيب وسوء معاملة المحتجزين. كما أن فريق الخبراء المعني باليمن وثق الكثير من حالات الانتهاك، كما وثقت منظمتا “مواطنة” و”هيومن رايتس ووتش” حالات أخرى.
وكشف فريق الخبراء المعني باليمن احتجاز قوات الإمارات حوالى 200 شخص في أحد سجونها، فيما وثقت “هيومن رايتس ووتش” احتجاز 38 شخصاً عام 2017، وعام 2018 تحققت “منظمة العفو الدولية” من 51 حالة تم حرمانها من الحرية من قبل قوات تابعة للجيش الإماراتي وقوات أخرى موالية له، وكشفت الأخيرة عن انتهاكات خطيرة طاولت تلك الحالات، أما “مواطنة لحقوق الإنسان” فوثقت 152 حالة تعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للإمارات والقوات التابعة لها.
وذكر التقرير مجموعة من الأماكن التي حوّلتها قوات الإمارات أو القوات التابعة لها إلى أماكن احتجاز ومارست فيما انتهاكات ضد المحتجزين، فعام 2015 حولت القوات الإماراتية مطار الريان في محافظة حضرموت إلى محطة احتجاز غير رسمية، كما حولت منطقة ربوة خَلْف في المكلا إلى مكان احتجاز آخر، إضافة إلى أن هناك أماكن أخرى كانت تحت سيطرة القوات التابعة للإمارات مثل سجن 7 أكتوبر، الذي تديره قوات المجلس الانتقالي في محافظة أبين، ومعسكر الجلاء في مدينة عدن وقاعدة وضاح، وأماكن أخرى.
ووثقت “مواطنة” ومنظمات مستقلة أخرى مئات الحالات التي تعرضت للتعذيب وسوء المعاملة والتي وصلت في بعض الأحيان إلى الموت في هذه المعتقلات وأماكن أخرى.
وخلُص التقرير إلى أن جميع المحتجزين تقريباً الذين وثقت قصصهم، تعرضوا للتعذيب من قبل القائمين على المعتقلات، كما أنهم تعرضوا لأبشع المعاملات القاسية وغير الإنسانية، والغريب أنه برغم حجم الانتهاكات، لم يكن هناك أي جهود تبذل من أجل محاسبة المسؤولين.
ويحظر الدستور اليمني الاعتقال والتفتيش والاحتجاز دون أمر قضائي أو أمر من قبل النيابة، كما يحظر الاحتجاز خارج الأماكن التي تحددها الجهات المعنية. تحظر أيضاً الممارسات المهينة أو غير الإنسانية، وهو ما يحرمه القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان المتعارف عليها، أيضاً.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!