fbpx

كيف استغلت إيران نقطة ضعف الصدر ودفعته للاعتزال؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

توقيت الضربة الإيرانية للصدر، ليس بريئا، إذ جاءت قبل يوم على قرار المحكمة الاتحادية بشأن مطلب الصدر بحل البرلمان، ما دفع الزعيم الشيعي إلى التصعيد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رغم كل قوته، السياسية والعسكرية، لكن الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، ليس مرجعاً. لكي يكون بهذه الرتبة الدينية، لابد من شروط، أبرزها، “كبر السن، والتفوق في الفقه، واعتراف أصحاب المقامات الفقهية بهذه المكانة المكتسبة” حسب ما قال الباحث العراقي الراحل، فالح عبد الجبار، في كتابه “كتاب اللادولة”، ملاحظا أن الصدر “يمتلك السلطة (أدوات العنف) لكنه لا يمتلك المرجعية (الاعتراف بالقداسة)”.

هذا النقص الفادح، لم يتمكن الصدر من تجاوزه عبر المرجع علي السيستاني، إذ إن صعوبة تحوّله إلى مقلِد لدى الشيعة، استكملت باستحالة تأثيره على مرجعية النجف، وإخضاعها وجعلها واجهة لنفوذه، فوفق الكاتب حازم صاغية، في مقال طويل بعنوان “مقتدى الصدر أبواب الحوزة الموصدة … وآفاق العراق المسدودة”، “علي السيستاني أستاذ المرجعية وتلميذ أبو القاسم الخوئي، ليس بحاجة إلى مملوك طموح يحرس النجف ثم يملي إرادته عليها وعليه، وبعد كل حساب، ليس السيستاني واجهة لقرار يصنعه غيره. فكيف حين يكون هذا الغير مقتدى إياه، مقتدى الأصغر سنا من ابنه محمد رضا، والمتهم بقتل ابن أستاذه الخوئي، وهذا ناهيك بشدة تقلبه التي يتعذر التكيف معها”.

وبين الاستحالتين، امتلاك المرجعية أو الاستيلاء عليها، لم يكن أمام الصدر سوى معلمه المرجع كاظم الحائري. فالأخير تلميذ عمه، محمد باقر الصدر، وصديق والده، محمد صادق الصدر، وسبق له أن منح مقتدى، عقب الدخول الأميركي للعراق، إجازة تخوله أن يتصرف كوكيل فقهي، قبل أن يسحبها منه، بعد أزمة النجف في إبريل 2004.

الصدر، رد على الضربة الإيرانية عبر الشارع، وفي حين، أن من الصعب التكهن لأي درجة سيصل مدى هذا الرد، وسط مطالبات، بسحب المتظاهرين من “المنطقة الخضراء”

ولأن، الحائري يحظى بأتباع كثر داخل معظم القوى السياسية الشيعية، بما فيها المسلحة، فإن صلة الصدر به تبدو أكثر إلحاحاً، للحصول على مشروعية دينية، تمتد، بطبيعة الحال، إلى تيارات وأقطاب قد تكون على خصومة مع الصدر نفسه.     

صحيح أن هذه الصلة، لم تمنح الصدر غطاء فقهيا يتناسب مع مشروعه الكبير للتحول إلى الزعيم الأول في العراق، وداخل البيئة الشيعية، لكنها كانت تعويضا عن مرجعية مفقودة بأخرى يمكن الاندراج فيها، وهذا تحديدا ما انتبهت له إيران، وحاربت الصدر به، حيث جردته، من آخر سند فقهي.

إذ إن الحائري، أعلن، على ما يبدو بضغط إيراني، اعتزاله العمل الديني كمرجع بسبب “المرض والتقدم في العمر”، والأهم أنه أوصى بإطاعة مرجعية المرشد الإيراني، علي خامنئي. ليسارع الصدر إلى إعلان اعتزاله العمل السياسي، موضحا في بيان : “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فيوضات السيد الوالد قدس سره الذي لم يتخل عن العراق وشعبه”.

أضاف: “على الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يكن من محض إرادته. وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً. إلا إنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام”.

بيان الاعتزال، تزامناً مع إغلاق محمد صالح العراقي المعروف بـ”وزير الصدر” صفحته على “الفيسبوك”. وهذه إشارة إلى قطع التواصل مع المتظاهرين الصدريين الذين كانوا يتلقون التعليمات عبر صفحة العراقي، وترك الاحتجاجات، كما هدد الصدر سابقا، للعفوية أي للتصعيد.

وطبعا، توقيت الضربة الإيرانية للصدر، ليس بريئا، إذ جاءت قبل يوم على قرار المحكمة الاتحادية بشأن مطلب الصدر بحل البرلمان، ما دفع الزعيم الشيعي إلى التصعيد، حيث اقتحم أنصاره مقر الحكومة والقصر الجمهوري، بعد اعتصامهم أمام البرلمان ومقر القضاء. 

لم تتمكن إيران من مواجهة مقتدى الصدر في العراق، بأدواتها التقليدية، من اغتيالات ومليشيات وتخوين، فهذا الزعيم هو ابن هذه الأدوات، إن لم يكن مخترعها،  وصاحب التجربة الطويلة بها. فوزه الكاسح بالانتخابات وعدم قبوله إشراك حلفائها في الحكومة التي يريدها، أحرج الجمهورية الإسلامية، خصوصا وأنها لا تريد حربا شيعية – شيعية، تربك استراتيجيتها في السيطرة على العراق وإخضاع قراره بما يناسبها.

من هنا، لم يكن أمام طهران سوى توجيه هذه الضربة إلى الصدر، ضربة هدفها تجريد الزعيم الواسع الشعبية، من أي مشروعية دينية داخل البيئة الشيعية، أي بمعنى آخر محاولة عزله داخل الطائفة، وجعل سلوكه السياسي بدون سند فقهي.

الصدر، رد على الضربة الإيرانية عبر الشارع، وفي حين، أن من الصعب التكهن لأي درجة سيصل مدى هذا الرد، وسط مطالبات، بسحب المتظاهرين من “المنطقة الخضراء”، يبقى الأكيد أن إيران تريد أن تقضي على الصدر، عبر قطع الهواء الفقهي عنه، فيما لا يجد الزعيم المتقلب، سوى محاصرة المؤسسات الحكومية، عبر أنصاره، للرد على ذلك.

إقرأوا أيضاً: