fbpx

الدورة الشهرية: لماذا هي مشكلة سياسية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقدر البنك الدولي أن 500 مليون فتاة وامرأة على مستوى العالم لا تستطيع الوصول إلى أدوات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية، وهذه الظاهرة تترك أثراً سيئاً على صحة الفتيات، وتعليمهن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الفيلم الوثائقي “Period. End of Sentence” تقول فتاة هندية إن كبير العائلة أخبرها أنه في فترة الدورة الشهرية تكون الصلوات غير مسموعة، مهما صلت النساء، لذا عليهن ألا تذهبن إلى المعبد في تلك الفترة.
يغوص الفيلم عبر حكايات فتيات ونساء هنديات في عمق الوصم الذي يلحق النساء في الهند ومن حول العالم والمرتبط بفترة النزف الشهري.
لا تزال الدورة الشهرية مرتبطة بـ”وصمة” اجتماعية، وثقافية، مثل كل شيء يخص أجساد النساء. تشعر الفتيات منذ الصغر وحتى عمر متقدم بالخزي من أمر طبيعي مثل الدورة الشهرية، بدءاً من إخفاء الفوط الصحية في أكياس سوداء، والتحدث عنها دائماً بهمس وخجل وقلق، كأنه ذنب تحمله النساء على أكتافهن، مروراً بالخرافات الكثيرة عن الدورة الشهرية، مثل أنها عبارة عن دم فاسد، وأن النساء تكنّ “غير طاهرات” في هذه الفترة، واتهام النساء بالهيستيريا وأن هورموناتهن تجعلهن يتصرفن بجنون.
حتى أنه يُنظر إلى مطالبة النسويات بضرورة وجود إجازة عمل من المنزل شهرية في وقت الدورة الشهرية باستخفاف، بينما يرى البعض بأنها ضد دعاوى المساواة بين الجنسين، مع أن البديهي أن المساواة لابد أن تراعي الاحتياجات البيولوجية. هذه الوصمة تجعل كثيراً من الفتيات جاهلات بمعلومات أساسية عن الدورة الشهرية، وعن كيفية الاهتمام بأنفسهن في هذه الفترة.

المشاكل المرتبطة بالدورة الشهرية تتعدى الإحراج من شراء الفوط الصحية من المتجر أو الصيدلية، إذ تشير التقديرات إلى أن 30% من الفتيات في جنوب إفريقيا لا يذهبن إلى المدرسة في أوقات الدورة الشهرية، بسبب عدم توافر فوط صحية لديهن، وهي ظاهرة تُعرف باسم “فقر الدورة الشهرية”، وتؤثر على المجتمعات محدودة الدخل إلى المتوسطة.
يقدر البنك الدولي أن 500 مليون فتاة وامرأة على مستوى العالم لا تستطيع الوصول إلى أدوات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية، وهذه الظاهرة تترك أثراً سيئاً على صحة الفتيات، وتعليمهن. والأمر لا يقتصر على عدم القدرة على الوصول إلى الفوط الصحية فقط، لكن في الحصول على مياه، ومنظفات لاستخدامها في الحفاظ على النظافة الشخصية، وصعوبة في الحصول على رعاية صحية مناسبة. ويتسبب سوء التنظيف أثناء فترة الدورة الشهرية بمتاعب جسدية للفتيات، والتهابات بولية وتناسلية.

لمجابهة هذه الظاهرة القديمة بدأت أصوات نسوية تعلو في دول ومجتمعات عدة لكسر الصمت حول الأمر.
مؤخراً نشطت نسويات سودانيات بغية نقاش قضية فقر الدورة الشهرية.
النسويات السودانيات كان لهن دور بارز في الثورة السودانية، وكن دائمأً في الصفوف الأولى، وفي خضم الصراعات، أو النزاعات، مثل الاقتتال الأهلي في إقليم النيل الأزرق، والكوارث مثل الفيضانات. لكن كما في كل الأزمات تُنسى الاحتياجات الأولى للنساء، ومن أهم التحديات التي تواجهها النساء في مناطق النزاعات هي ضعف الخدمات الصحية، والوصول إلى الفوط الصحية، وأدوات النظافة الشخصية.
“فوطة تسدّ الخانة” مبادرة سودانية مهمّة تهدف إلى جعل الدورة الشهرية “مسيّسة”، أي أن تدخل ضمن سياسات الدولة، لأنه كما قالت النسويات الأوائل”الشخصي سياسي”. وتهدف المبادرة لأبعد من توفير الفوط الصحية، لإزالة الوصمة المرتبطة بالدورة الشهرية.

وعد فائز عضوة مبادرة “فوطة تسد الخانة” تقول لـ”درج”، إن المبادرة عبارة عن سلسلة من الحملات والمشاريع التي بدأت في عام 2020، لتوصيل فوط صحية إلى المتضررات من الفيضانات، ولتقليل أثر الفقر على الدورة الشهرية، عن طريق توفير الفوط الصحية للنساء في المنازل والملاجئ والمعسكرات والزنازين وفي الأرياف والمدن. وقد بدأت الحملة بـ”صدمة حميدة”، عن طريق إقامة “بازار” لمنصة “شغل العالم” المعنية بتدريب وتوظيف الفتيات، والبازار عبارة عن تجمع لبيع المنتجات، والأشغال، وكانت تذكرة الدخول هي فوطة صحية، من أجل تطبيع المجتمع مع الفكرة.

وعندما تصفحت أنا بعض تعليقات الرجال على موقع فيسبوك وجدتهم يقولون إن مشروع “فوطة تسدّ الخانة” هو لكسر هيبة الرجال في الأقاليم. لم أفهم ما علاقة هيبة الرجال بعدم قدرة النساء على الوصول إلى فوط صحية، بالإضافة إلى السخرية من المبادرة ككل، لكن على الجانب الآخر هناك رجال يساعدون في القوافل التي تنقل الفوط الصحية، وتوصلها إلى الأقاليم السودانية، والحقيقة أننا مازلنا في حاجة إلى القول إن الدورة الشهرية شيء طبيعي.

بالعودة إلى فائز، تقول إن المبادرة لا تهدف لتوفير الفوط الصحية فقط، وإنما إزالة وصمة الدورة الشهرية في السودان، حيث لا يزال هناك حرج في شراء الفوط الصحية، ونظرات غير مريحة للبائعين، ومشاعر التقزز التي تحيط بالفتيات اللواتي يتحدثن عن الدورة الشهرية. وتضيف فائز أنّ “أسعار الفوط الصحية مرتفعة وباهظة جداً ولا يوجد بدائل صحية كما أن الفوط الصحية لا تدخل ضمن مظلة التأمين الصحي”. كما أن هذا الوصم، بحسب فائز، يجعل الفتيات جاهلات بأجسادهن.

تفرض على الفوط الصحية في كثير من الدول ضرائب مبيعات، باعتبار أنها سلعة كمالية، وليست أساسية. وتعرف هذه الضريبة بـ”الضريبة الوردية”، والتي تعد تمييزاً ضد النساء لأنها تتمثل في بيع المنتجات النسائية “وردية” اللون بسعر أعلى من مثيلاتها الرجالية.
تُنفق النساء نحو 1،773 دولاراً كمعدل وسطي على منتجات الدورة الشهرية.
وحلاً لمشكلة ارتباط الفقر والدورة الشهرية، تصرف منتجات الدورة الشهرية بالمجان في كثير من الدول مثل سكوتلاندا. أما في فرنسا فتنفق الحكومة مليون يورو لتوفير الفوط الصحية في المدارس، وقد كانت كينيا أول دولة في العالم تلغي الضرائب على المنتجات الصحية كما قامت جنوب إفريقيا بتقديم المنتجات الصحية بالمجان في المدارس عام 2019، وإلغاء الضرائب على الفوط الصحية، وذلك تبعاً لموقع weforum. هذه التجارب تؤكد أن توفير الدولة للفوط الصحية بالمجان ليس شيئاً غريباً، وإنما تقوم به الكثير من الدول في العالم، من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين، ومن أجل توفير الحقوق البديهية للنساء.

إقرأوا أيضاً: