fbpx

الإمارات تشتري “أصول مصر” وقرارها السياسي: كيف ترد القاهرة ديون أبو ظبي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كل ما يجري الآن كان متوقعاً طوال فترات “الود السياسي” بين القاهرة وأبو ظبي، إذ كانت التحذيرات مستمرة من اللحظة التي سيكون فيها مطلوبًا من النظام المصري “دفع الديون” للإمارات، نتيجة الدعم الاقتصادي والسياسي التي قدمته لها خلال السنوات الماضية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان عام 2022، الذي يدخل في ربعه الأخير، حافلًا بالصفقات الإماراتية المحمومة للاستحواذ على شركات وأصول حكومية مصرية ذات بعد إستراتيجي، رغم التحذيرات السياسية والاقتصادية للنظام المصري بعدم التخلي عن أصوله، إلا أن “استغلال الأزمة” الراهنة كان عنوانًا للاندفاع الإماراتي نحو عقد صفقات شراء بمقابل زهيد، لقاء مساندة القاهرة في أزمتها الاقتصادية الراهنة، ودعم ملفها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
بدأ الاستحواذ بأسهم في شركات مطروحة في البورصة المصرية، مرورًا بأصول حكومية، حتى وصل إلى مناطق سكنية كاملة يتم إخلاؤها الآن بالقوة لتسليمها إلى “مستثمر إماراتي” في أقرب وقت ممكن. واستلزم حسم الملف نهائيًا زيارة من محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لمناقشة الاستثمارات الإماراتية في مصر، التي تعطّل بعضها مؤخرًا لأسباب مختلفة.
بدأت المفاوضات للاستحواذ على حصصٍ حكومية في شركات مصرية كبرى، منذ أشهر، حين اتجهت مؤشرات الاقتصاد المصري إلى الانهيار بوتيرة ملحوظة، لتظهر الإمارات في المشهد كمنقذ يمدّ يديه إلى القاهرة، ولكن من دون “مساعدات مطلقة”.

زمن المساعدات انتهى.. الإمارات تجني الثمار بـ”صفقات محدودة التكلفة”


كانت جميعُ المساعدات مصحوبة بقائمة من الصفقات التي “ترهن” الاقتصاد المصري إلى صناديق سيادية ومستثمرين إماراتيين، حتى أثارت صفقة شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، التي تأسست عام 1959، كشركة قطاع عام كبيرة ورائدة في مجال التطوير العقاري، وتملك الحكومة المصرية، في الوقت الراهن، حصة حاكمة بها، استياءً شديدًا بعدما تقدّمت شركة “الدار” الإماراتية بعرضٍ “ضعيف” للاستحواذ عليها.
وقال العضو المنتدب للشركة عبد الله سلام، في تصريحات صحفية، إن “قيمة محفظة الأراضي غير المطورة لشركة مدينة نصر تساوي 3 أو 4 أضعاف العرض المقدم من سوديك”. وتملك الشركة المصرية نحو 10 ملايين متر مربع من الأراضي، وحقّقت قفزة ملحوظة في الإيرادات خلال الربع الحالي من العام 2022.
وبحسب تقارير، تعطّلت تلك الصفقة وصفقات أخرى، لكون الإمارات تحاول الاستحواذ على أصول إستراتيجية، وهو ما يماطل فيه النظام المصري، الذي يفضّل “الدخول في شراكة”، وذلك استجابةً لأصوات داخل النظام تؤكد أن بيع الأصول المصرية المهمة يضعف مصر، ويجعلها تابعة سياسيًا بشكل كامل، خاصةً أن بعض هذه الأصول تحمل أهمية إستراتيجية قصوى، وبعضها، كأجزاء كبيرة من الأراضي التابعة لشركة مدينة نصر للتعمير والإسكان، مخصصة للاستثمار الزراعي في مناطق تندرج تحت مسمَّى الأمن القومي المصري لوقوعها في مناطق تحركات الجيش المصري في مدينة الإسماعيلية القريبة من شبه جزيرة سيناء.
تقترب دولة الإمارات باستحواذاتها الضخمة من مناطق حسَّاسة بالاقتصاد المصري، فقبل تلك الصفقة، استحوذت على 18.5% من أسهم أكبر البنوك الخاصة في مصر، البنك التجاري الدولي، باسم شركة أبو ظبي القابضة، أحد صناديق الإمارات السيادية، التي عقدت صفقات شراء للأصول المصرية بقيمة ملياري دولار لإنقاذ الموقف الصعب الذي تمرّ به القاهرة، وشملت الصفقات شركات كبرى وتاريخية تحقق أرباحًا، وتعمل في صناعات وصادرات أساسية بقطاعات حيوية بالنسبة إلى مصر كالاستحواذ على حصص في شركات “أبو قير للأسمدة” و”مصر لإنتاج الأسمدة” (موبكو)، و”الإسكندرية لتداول الحاويات”، فضلًا عن البنك التجاري الدولي وشركة “فوري” للمدفوعات الإلكترونية، و”سوديك”، و”آمون” للأدوية.

هدية مقبولة.. 3 شركات أسمدة بنحو مليار دولار!


رغم تحقيق الشركات عوائد، كانت قيمة الصفقة منخفضة إلى حد إعلان بعض المواقع المتخصصة دهشتها من أن تستحوذ الإمارات على 3 شركات أسمدة وشحن مصرية بأقل من مليار دولار، كما نشر موقع “الطاقة” الناطق بالعربية، ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن.
وذلك رغم تحذيرات للحكومة المصرية من خبراء بعدم التفريط في شركات الأسمدة، لما يحمله البيع من تأثيرات محتملة بالغة السوء على قدرات مصر الزراعية، ونقلت تقارير صحفية، أنّ لجنة مكوّنة من خبراء رفعت تقريرًا لوزير قطاع الأعمال المصري تؤكد فيه أن شركة أبو قير للأسمدة – وحدها – تسلم 55% من إنتاجها السنوي للجمعيات الزراعية التابعة للحكومة المصرية بـ”أسعار مدعومة” وتصدّر 35%، ما يجعلها الشركة المصرية الأبرز التي تحمل على عاتقها مسؤولية دعم المزارعين ومساندة الزراعة المصرية، وبتغيير سياساتها – كأحد نتائج الاستحواذ الإماراتي – تفقد الزراعة المصرية لاعبًا مهمًا.

شركات نقل بحري وأغذية وخدمات وقود وأوراق مالية.. الصفقات الإماراتية الجديدة


في أعقاب ذلك، انتهزت الإمارات الوعكة الاقتصادية المصرية، واستحوذت مجموعة موانئ أبو ظبي الإماراتية على 70% من حصص شركتين مصريتين للنقل البحري، وهما “ترانسمار الدولية” و”ترانسكارجو الدولية”، ومقرّهما القاهرة، وبلغت قيمة الصفقة 140 مليون دولار فقط، لتصبح أولى صفقات الاستحواذ في تاريخ المجموعة الإماراتية، التي تبحث عن تعزيز دورها بالشرق الأوسط والبحر الأحمر والساحل الشرقي للقارة الإفريقية، بينما تحقق الشركتان أرباحًا لإنجازهما عددًا كبيرًا من المهام عام 2021، لكن توجّه القاهرة إلى بيع أصولها لإنقاذ الاحتياطي النقدي في خزانة بنكها المركزي – بغضّ النظر عن مدى نجاح شركاتها وحيويتها في الوقت الحالي الذي يعاني فيه العالم من مأزق يتعلق بسلاسل الإمداد والتوريد أكسب قطاع النقل البحري أهمية خاصة – انتهى بالشركتين، مطلع تموز/ يوليو الماضي، إلى المصير نفسه الذي واجهته شركات أخرى دخلت أسطول الشركات والصفقات الإماراتية.
وفي الرابع عشر من تموز/ يوليو، امتدّت الاستحواذات الإماراتية إلى قطاع الغذاء المصري، عبر استحواذ شركة “أغذية” على حصة 60% من شركة “أبو عوف” المصرية الشهيرة للقهوة والوجبات الخفيفة، بعدما شهدت نمواً كبيراً، وأعلنت الشركة الإماراتية أنها تدرس الاستحواذ على شركات أغذية أخرى قريباً، وأبرزها “جهينة” أكبر منتج للألبان والعصائر في مصر، التي بدأ صندوق أبو ظبي السيادي التفاوض لامتلاك حصة فيها بالفعل.
وفي الثامن والعشرين من الشهر نفسه، أعلنت “أدنوك” الإماراتية الاستحواذ على 50% من “توتال إنرجيز” لخدمات الوقود (وهو ما يعادل نصف محطات الوقود في مصر)، بقيمة تقارب 186 مليون دولار، إلى جانب مبلغ إضافي يصل إلى 17.3 مليون دولار إذا تم استيفاء شروط محدّدة، لتفتح الإمارات بابًا في قطاع الوقود، يفتح الطريق أمام الاستحواذ على “الوطنية لخدمات البترول” المالكة لعدد كبير من محطات الوقود بعد طرحها للمستثمرين من جانب صندوق مصر السيادي.
وفي الثالث من أغسطس، اقتنصت شركة “شيميرا للاستثمار” الإماراتية 56% من أسهم “بلتون المالية القابضة”، في صفقة بقيمة 385 مليون جنيه (20 مليون دولار)، وذلك ضمن خطة للاستحواذ على حصة حاكمة في الشركة.

إقرأوا أيضاً:

جزيرة الوراق وقطاع البنوك يدفعان الثمن


لم تُحسم تلك الصفقات، سوى بزيارة رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، إلى مصر، لإجراء قمة ثلاثية جمعته بالسيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت في شرم الشيخ. اجتمع بن زايد بالسيسي طويلًا على هامشها لوضع اللمسات الأخيرة على مستقبل العلاقات “النفعية” بين البلدين، وهي الزيارة التي جرت مرة أخرى في الحادي والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، لحسم حزمة جديدة من الصفقات. كأن زيارة محمد بن زايد الى القاهرة أصبحت “الوصفة السحرية” لتمرير صفقات بيع شركات القطاع العام المصري إلى الإمارات، ومشروعات أخرى، أبرزها، حاليًا، جزيرة الوراق، فبعد الزيارة، بدأ فصل جديد من محاولات إخلاء الجزيرة بالقوة على يد قوات الأمن وهدم منازل أهلها رغمًا عنهم، لتسريع عملية تسليمها إلى مستثمر إماراتي.
إنه التوجّه الذي أكّدته وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية، في أحد تقاريرها، وتنبأت بأن مصر “لديها النية لتسريع بيع أصول إلى مستثمرين خليجيين وصناديق سياسية تابعة لدول خليجية، لمواجهة الأزمة المالية التي تمرّ بها”.
لم تنحصر ملاحظة “بلومبرغ” على تلك الصفقات فقط، إنما تنبأت بمخطط إماراتي لاختراق مصر اقتصاديًا يجري تسريع وتيرته حاليًا، لانتهاز فرصة الأزمة المالية، بناءً على تاريخ من الصفقات، كان أبرزها ما جرى عام 2021، حين وقّع بنك أبو ظبي الأول اتفاقية نهائية مع بنك عودة للاستحواذ على 100% من رأسماله في مصر، تلك الصفقة التي أعقبها عرض للاستحواذ على حصة حاكمة في مجموعة “هيرمس” القابضة. وحال إتمام هذه الصفقة، التي نالت اهتمامًا عالميًا، تمتلك الإمارات تكتلًا مصرفيًا ينافس أكبر البنوك الأجنبية العاملة في مصر، خاصةً أن هناك 4 بنوك إماراتية أخرى تعمل بالسوق المصري.
رغم ما تجنيه مصر من تلك الصفقات المصرفية على المدى القريب، من حيث تغذية خزائنها بالدولارات، والضخّ الاستثماري، فإن ذلك يجرّدها مستقبلًا من الكثير من الأرباح التي سيتم تحويلها إلى الخارج مباشرةً حيث الملاك الجدد للبنوك، ومن ثمّ تفقد السيطرة على قطاعها المصرفي، الذي سيصبح – في هذه الحالة – يُدار مباشرةً من دولة الإمارات، رغم كونه المتحكّم الأول في أقدار “أموال” المصريين.
يوضح محمد كامل، أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية، لـ”درج”، أن الاستحواذ على البنوك يُعد أحد أخطر الخطوات التي تُقدم دولة على القبول بها، وذلك لأنها بذلك تنقل الكثير من البيانات إلى دولة أو جهة أخرى، كما أنها تفرّط في الكثير من العملة الصعبة، لأن ذلك يزعزع تحكمها بقطاعها المصرفي، فالبنوك الأجنبية تملك حرية أكبر في إدارة أمورها.
ويقول: “بيع الأصول الحكومية له أضرار كبرى على أي حكومة، ربما لا تشعر بها اليوم نتيجة للانتعاش المالي، لكن خلال سنوات تشعر بها، لأنه يحرمها من الأرباح التي كانت تجنيها الشركات التي باعتها، خاصة إذا كانت ناجحة، وهو أحد شروط صندوق النقد الدولي المعتادة، التي استجاب لها الرئيس الذي رحل بثورة شعبية في 2011، حسني مبارك، خلال عقد التسعينيات، ليبدأ الخصخصة، التي كانت إحدى المشكلات الكبرى خلال حكمه، ولذلك فهذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها الخصخصة أو بيع أصول حكومية، والناتج في المرة الأولى لم يكن مربحاً أو له جدوى اقتصادية”.

المعارضة المصرية تصرخ: بيع أصول مصر الرابحة إلى الخليج بسرعة الصاروخ


يبدو من رصد أسماء الشركات التي تستحوذ عليها الإمارات حاليًا، أنّ تركيزها ينحصر في أصول مصرية ناجحة وتحقق أرباحًا، بعدما هبطت أسعار أسهمها نتيجة لهبوط سعر الجنيه المصري، فضلًا عن الأزمة المالية التي تمرّ بها القاهرة، وهي الأصول التي تدرّ على الخزانة المصرية ثروات وأموالاً طائلة سنوياً، تساهم في دخلها القومي، وكأن اتفاقاً ضمنياً بين البلدين لـ”تأجيل الإفلاس”، وليس المساهمة في إنقاذ الاقتصاد المصري، أو تحسين الأوضاع. وهو ما دفع شركة “الدار” الإماراتية، التي استحوذت على “سوديك” وتتفاوض لإنهاء صفقة شراء شركة مدينة نصر للتعمير والإسكان، إلى الإعلان عن تخطيطها الاستحواذ على المزيد من الصفقات العقارية في مصر.
وبينما تحوّل استحواذ الإمارات على مساحات زراعية ومعمارية إلى جدل سياسي، أعلنت القاهرة خططًا لطرح 7 موانئ كبرى في البورصة، وهو ما أثار الكثير من المخاوف. فالموانئ المصرية، بالفعل، تثير شهية المستثمرين والشركات الأجنبية والصناديق السيادية الخليجية، وذلك بسبب موقع مصر وإطلالتها المميزة على عدة سواحل، ما يجعل موانئ مصر كنزًا ثمينًا تسعى لامتلاكه أو امتلاك حصة به عدة جهات ومؤسسات إقليمية. وبحسب ترجيحات، لن يكون ذلك في صالح مصر تمامًا. وفي هذه الحالة ستكون الإمارات المشتري الأول، لرغبتها في السيطرة على أكبر عدد من الأعمال داخل مصر، وتدير “موانئ دبي” الإماراتية فعليًا ميناء العين السخنة المصرية منذ العام 2008، وهو الأمر الذي حرمها من أن تكون ميناء إقليمية كبرى، بسبب كثرة الأزمات والإهمال، الذي يشكّك البعض في كونه متعمّدًا من الجانب الإماراتي كي لا تبرز ميناء العين السخنة كمنافس لميناء جبل علي في دبي.
بالمنطق نفسه، يشكّك كثيرون بأن الإمارات تستحوذ على حصص كبرى بشركات مصرية كي تعيد تنفيذه، وأبرز المشكّكين حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري، الذي أصدر بيانًا اعتبر فيه “بيع أصول الشركات المصرية للأجانب تهديداً للأمن القومي”، وأكّد أن “الإمارات والسعودية تستحوذان على أصول مصر الرابحة”. وقال الحزب، في بيانه: “بهذا تسير الخصخصة ونقل الأصول المصرية الرابحة للأجانب وتحديدا الخليجيين بسرعة الصاروخ، وفى ظل أزمة مالية أدت لها سياساتها، تبيع الحكومة المصرية كل الدجاج الذى كان يبيض ذهبا”.
وحسب البيان، استحوذت شركة أبو ظبى القابضة منذ 4 شهور على 21% من أسهم شركة أبو قير للأسمدة بقيمة 392 مليون دولار، أى حوالى 6 مليارات جنيه مصري، وبعد أربع أشهر فقط حققت “أبو قير للأسمدة” أرباحا قدرها 9 مليارات جنيه، نصيب أبو ظبى فيها 1.8 مليار جنيه ، أي إنها استردت أكثر من ربع ما دفعته فى أربع أشهر فقط، وسيكون على الاقتصاد المصرى تحمل التزام تحويل كل أرباح المستثمر الإماراتى للخارج بالعملة الصعبة سنويًا.
ونتيجة لذلك التوجّه الاقتصادي، ووفقا لآخر بيانات البنك المركزى، “ميزان دخل الاستثمار قد زاد عجزه إلى 11.3 مليار دولار فى التسعة أشهر الأولى من السنة المالية الأخيرة، مقابل 8.9 مليارات فى الفترة المناظرة من العام السابق، أى أن العجز فى زيادة مطردة رغم تدفق الأموال الخليجية المشار إليها”.

22 مليار دولار من الخليج للقاهرة.. استثمارات أم “استرداد الديون” بالقوة؟
وردت جملة في بيان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري، تقول إن “الحديث عن دعم السعودية والإمارات وقطر

لمصر بـ22 مليار دولار حقيقته الاستحواذ على أصول مصر الرابحة”.. فما القصة؟


أعلنت الإمارات والسعودية وقطر، سابقًا، تخصيص 22 مليار دولار استثمارات وتمويلات لمصر، وتعني كلمة “استثمارات وتمويلات”، في الأجندة الخليجية الجديدة خلال تداخلها مع الشأن المصري “الاستحواذ على الأصول”، وليس التمويل المباشر، كما كان يحدث في أعقاب 30 يونيو 2013، إذ توزّعت تلك المليارات كالتالي: 5 مليارات دولار أودعتها السعودية في البنك المركزي المصري، و10 مليارات أخرى يتم بها الصندوق السيادي السعودي صفقات جديدة، و5 مليارات دولار تنوي قطر استثمارها في القاهرة، و2 مليار دولار من صندوق أبو ظبي السيادي لشراء حصص في شركات مدرجة بالبورصة.
ترفع الدول الخليجية شعار دعم مصر لتدارك الآثار الناتجة عن الحرب الأوكرانية الروسية، من وراء المليارات المُجهزة للاستثمار والتمويل، بينما توحي تحركاتها بالمسارعة إلى “شراء أصول مصر” قبل نهاية الأزمة، مستغلةً وصول الدين الخارجي لمصر إلى نحو 158 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مسجلًا ارتفاعًا بنحو 13 مليار دولار خلال 3 أشهر.
وتحتاج مصر إلى نحو 35 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري وتسديد فوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الجاري 2022/ 2023، بحسب تصريحات رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، لبي بي سي.
تتعجّل الإمارات الحصول على امتيازات غير مسبوقة لدولة داخل دولة أخرى مقابل الأموال، رهانًا على تردي الوضع الاقتصادي المصري. ويرى محمد مصطفى، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أنه “في ظل السياسة الإماراتية الجديدة في التعامل مع الشأن المصري، بعد توقفها عن تقديم مساعدات نقدية مباشرة أو منح لمصر، كما كان يجري خلال السنوات التي أعقبت 30 حزيران/ يونيو 2013، تضطرُ القاهرة إلى تسديد الديون المستحقة وفوائدها ببيع أصول شركات القطاع العام لصناديق سيادية خليجية، وفي مقدمتها الصندوق الإماراتي”.
ويضيف لـ”درج”: “عدم تنويع جهات الاستحواذ هو الخطأ الكبير الذي سندفع ثمنه على المدى البعيد، وربما القريب، لأن اقتصار الاستحواذات الكبرى على الإمارات، يضع مصر في قبضة أبو ظبي، ويحجّم قدرة مصر على استقلالية القرار، فلن تكون مستقلة بالكامل، بل ستكون الإمارات شريكاً في القرار”.

كل ما يجري الآن كان متوقعاً طوال فترات “الود السياسي” بين القاهرة وأبو ظبي، إذ كانت التحذيرات مستمرة من اللحظة التي سيكون فيها مطلوبًا من النظام المصري “دفع الديون” للإمارات، نتيجة الدعم الاقتصادي والسياسي التي قدمته لها خلال السنوات الماضية، وكذلك “النفحات” المالية التي سماها السيسي – في تسريب سابق – “الأرز”، بينما استمرت الأمور كما هي، دون وضع أسس قوية لاقتصاد قوي، حتى تدهور الاقتصاد المصري من دون أن يجدَ مُعيناً هذه المرة، بينما يكشّر الصديق القديم عن أنيابه، ويطالب بحقوقه مهما كان الثمن أو العاقبة على مصر الواقعة في مأزق.

إقرأوا أيضاً: