fbpx

غزة: كيف نحمي هناء وفاطمة وأخريات من “رميهنّ من شاهق”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قصة هناء وفاطمة ليست الأولى للأسف، ولن تكون الأخيرة، ربما جُرأتهما هي الجديدة في مجتمع محافظ، وربما صمت الجهات المختصة ناجم عن خشية من أن يشكل هرب الشقيقتين دافعاً لفتيات أخريات يتعرضن للمعاناة والتعنيف داخل جدران المنازل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تزال قضية هروب هناء المعروفة باسم وسام عماد الطويل (23 سنة)، وشقيقتها فاطمة (20 سنة) من عنف والدهما، تتفاعل في غزة، وتشعل الرأي العام الفلسطيني والعربي، وتحدث انقساماً بين الفلسطينيين.

الفتاتان ناشدتا السلطات الفلسطينية والجمعيات الحقوقية والإنسانية لحمايتهما من والدهما الذي قالتا إنه “هدد صراحةً بقتلهما” و”دفعهما للانتحار” بعد إساءة معاملتهما وتعذيبهما. القضية أخذت منعطفاً سلبياً مع اعلان الأب استلام الفتاتين، فهل نجحت الضغوط المجتمعية والسياسية في إجبار الفتاتين على العودة تحت مظلة أب اتهمتاه بسوء المعاملة؟

الأب لم يسكت طوال الساعات الماضية بل حوّل صفحته على “فيسبوك” إلى مساحة للرد عبر فيديوات وتعليقات، حاول فيها تصوير هروب الفتاتين بوصفه استهدافاً سياسياً، بسبب ما يعتبره “نضاله” الوطني، ولم يتردد في استخدام التهديد والترغيب في رسائله، إذ قال لابنتيه “أنتن عارفات لما أقول أفعل… فأنا في كل مكان… ستعودون لبيتكم غصب عن العالم كله. عدم رجعتكن لا بشر يستطيع تحمل عواقبها”. لكن الفتاتين لم تتراجعا وقالتا إنهما هربتا خوفاً من تهديداته بالقتل وتجويعه لهما وحبسهما المتكرر وتعنيفهما. 

جرأة الفتاتين فاجأت المجتمع المحلي، إذ نادراً ما اقترن هروب فتيات من العنف إن حصل بتسجيلات وفيديوات تعلن فيها الفتيات حقيقة ما يحصل معهن. ورغم التعاطف الكبير مع الفتاتين لكن أصواتاً تقليدية محافظة عديدة هبت لنصرة الأب وإطلاق تعليقات قائمة على لوم الضحية.

المواجهة عبر الفيديوات بين الأب من جهة وبناته من جهته ثانية، فتحت جدالاً بين الفلسطينيين حول كسر حواجز الصمت والعنف المسكوت عنه داخل المنازل.

في المقابل، اعتبر كثيرون أن ما فعلته الفتاتان خروج عن التقاليد، متهمين مؤسسات المجتمع المدني، بخاصة المنظمات النسوية، بأنها تحرّض وسام وفاطمة على السفر خارج غزة وتساعدهما على ذلك.

يتساهل المنادون بعودة الفتاتين الى كنف والدهما مع وقائع العنف المزمن ضد نساء وفتيات بحماية من القانون والتقاليد الاجتماعية. ويروّج هؤلاء لخبر أن وسام وفاطمة خضعتا لعملية “غسيل دماغ وتضليل مبرمجة من جهات مغرضة مع إيهامهما بأنهما مضطهدتان ومقموعتان من مجتمعهما”.

مثل تلك المقولات يتم الترويج لها لقمع أي امرأة أو فتاة تخرج للدفاع عن حقها ونفسها. أحد أصدقاء عائلة الطويل كتب على “فيسبوك” واصفاً ما حصل بأنه “حدث سجال مع بناته، وحتى لو حدث ضرب، وأنا ضده، أرفض أن يؤدي ذلك للهروب من البيت بطريقة هوليوودية، واستخدام السوشيل ميديا من أجل إنكار كل ما فعله الوالد عماد العاصي من أجلهما طيلة سنوات حياته”.

وأضاف: “ما أدعوهما إليه هو العودة لرشدهما وبيتهما، نحن نعرف حِكمة عماد جيداً”.

عنف مزمن

بدأت القصة حين أعلن الأب على “فيسبوك”، “اختطاف بناتي مع سبق الإصرار والترصد، معلوم لدينا ولدى جميع جهات الاختصاص هوية الخاطفين”.

وبعد يوم من إعلانه عن اختطافهما، خرجت وسام (هناء) وإلى جانبها فاطمة عبر فيديو على “فيسبوك”، نافية ادعاء والدها بأنهما مخطوفتان، إنما تمكنتا من الهرب من سجنهما في منزل العائلة بواسطة ستارة شباك التي استعملتاها حبلاً. وعلى رغم   توجههما إلى الشرطة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء لحمايتهما.

لم يتم اتخاذ أي إجراءات من الجهات الحكومية المختصة، في ما خص الشكوى وتعرض الفتاتين للاحتجاز والضرب والتعنيف منذ فترات طويلة.

وكتب الوالد على “فيسبوك”: “تخيل اجتماع طويل عريض من منظمات دولية لطلب الحماية، وينتظرون من وسام أن تعمل فيديو تنفي الخطف وتقول إنها هربت نتيجة العنف الأسري كشرط لتفعيل الموضوع دولياً”.

وأضاف: “أعد من يمارس أي ضغط أو إكراه علي بناتي بأن أرد”.

وعلم “درج”، أن وسام وفاطمة موجدتان في أحد بيوت الإيواء الخاصة بالنساء، اللواتي يتعرضن للعنف، تحت حماية الشرطة لكن يبدو أن الضغط على الفتاتين نجح في تقويض محاولتهما بالتحرر من سطوة والدهما علماً أنهما شابتين بالغتين وليستا قاصرتين لكن يبدو أن هذا الأمر لم يقف دون اجبارهما على العودة.

هناء اضطرت لإخفاء اسمها الحقيقي، وأطلقت على نفسها اسم وسام (اسم مستعار) خوفاً من الملاحقة وحرمانها من حقها في التعبير عن رأيها، ومشاركاتها الأدبية والمجتمعية.

كانت تريد دراسة الأدب لأنها تحب كتابة الشعر، وقد حصلت على منحة دراسية في إحدى الجامعات التركية لدراسة الآداب والآثار، لكنها أُجبرت على دراسة الحقوق (الشريعة والقانون). 

تقول هناء (المعروفة بوسام) في رسالة لصديقتها إن حريتها مقيدة منذ أكثر من عامين، وأنها تعرضت للمضايقة، ووصل الأمر إلى تقييد حركتها وحجزها في المنزل.

وهذا ما روته صديقة أخرى لها على “فيسبوك”، عن أوضاع هناء وشقيقتها فاطمة خلال السنوات الماضية، قائلة إن هناء لا تظهر أبداً بسبب ظروفها العائلية الصعبة، إذ منعها والدها من التواصل مع الناس، وأجبرها على قطع علاقتها مع صديقاتها.

أضافت الصديقة أن الوالد “حبس وسام وأختها فاطمة في غرف منفصلة في الطبقة السادسة في عمارتهم في عام 2019 مدة 35 يوماً، عرّضهما خلالها للتجويع، والمنع من رؤية أي فرد من العائلة”.

وتابعت: “تعرضتا لأساليب عنيفة، وتم حبسهما فترات طويلة، وتعرضتا للضرب والعنف المستمر، وآثار ذلك النفسية والصحية، ومشكلات في المعدة والقولون، وهذا ما عانته شقيقتها فاطمة أيضاً، ما تسبب لها بآلام مستمرة في جسمها، وتأثيره على تحصيل فاطمة  التعليمي في التوجيهي (الثانوية العامة)”.

وعلى رغم هذه المعاناة، لم تنجح جهود بعض أفراد العائلة والجهات رسمية في مساعدتهما أو حمايتهما وتقديم بعض الأمان للفتاتين، حتى تمكنتا من الهرب.

وما زال الموقف الرسمي الحكومي في غزة ضبابياً، إذ لم يصدر أي تصريح رسمي يوضح ما حصل مع الفتاتين، وتهديد الوالد للجهات، التي يدّعي أنها حرّضت وسهلت هروبهما.

ويبدو أن السلطات المختصة وجهات إنفاذ القانون والنيابة العامة، تخشى أو تتردد في اتخاذ موقف صريح لحماية الفتاتين، فيما قسم من الرأي العام يلوم الضحية، ويعزز ثقافة الصمت والتساهل في قضايا العنف ضد النساء.

اليوم عادت الفتاتان الى سطوة والدهما، فهل سيكون هذا مدخلاً لمزيد من العنف يمارس ضدهما؟ وهل لم نتعظ من نماذج سابقة لفتيات حاولن النجاة لكنهن لم يجدن لا دعماً ولا سنداً فانتهين ضحايا!

قصة هناء وفاطمة ليست الأولى للأسف، ولن تكون الأخيرة، ربما جُرأتهما هي الجديدة في مجتمع محافظ، وربما صمت الجهات المختصة ناجم عن خشية من أن يشكل هرب الشقيقتين دافعاً لفتيات أخريات يتعرضن للمعاناة والتعنيف داخل جدران المنازل.

قد تعمل الجهات المختصة على تهدئة الأمور ومحاولة التوصل إلى تسوية بين الفتاتين ووالدهما، وحل القضية ودياً، كما يقول المثل الفلسطيني “ويا دار ما دخلك شرّ”.

لم تنتهِ قصة هناء وفاطمة، والمطلوب أبعد من معالجة قصة من آلاف الحكايات، والحل واضح، وهو ما تطالب به المنظمات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان، المتهمة أيضاً بتخريب المجتمع، المطلوب توفير بيئة آمنة للنساء وتأمين الحماية القانونية والدعم الاجتماعي والإنساني لقضاياهن.

إقرأوا أيضاً: