fbpx

أبناء “البعث”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

البعث أصلاً لم يكن يوماً أكثر من قشرة خارجية لأمراض جوهرية لطالما عصفت بهذا المشرق، وهو لطالما أنجب مسوخه الإسلامية والقبلية، وهذا ما يعزز افتراض أننا في العراق وفي سوريا عرضة لاحتمالات البعث، أو ما بعد البعث، وما “جبهة النصرة” و”جيش الإسلام” و”داعش” والفصائل العراقية الشيعية المسلحة إلا من أعراض الـ”بوست بعث”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 دفع مقتدى الصدر مناصريه إلى التظاهر واحتلال المقار الحكومية الرسمية في بغداد، ثم عاد وقرعهم على ما أقدموا عليه، وطلب “الرحمة للشهداء” الذين فاق عددهم الثلاثين، سقطوا خلال مواجهات مع فصائل تدعمها وتسلحها إيران!

أقدمت تركيا على “خفض رواتب” أعضاء الائتلاف الوطني السوري من 4 آلاف دولار للعضو إلى ألفي دولار، وذلك تزامناً مع خطوات التقارب مع نظام دمشق!

لا تجمع بين الخبرين علاقة مباشرة، لكن المتأمل بأحوال العراق الذي يحكمه خصوم البعث من الأحزاب الشيعية، وبأحوال “البديل السني” للنظام في سوريا، لن يتمكن من مقاومة استنتاج مفاده أن البعث في البلدين أنجب خصومه، وقتل لدى ورثته أو الساعين إلى وراثته حساسية تحصنهم من السقوط بما سقط هو به من ارتهان وفساد واستبداد. البعث ليس حزباً، إنما هو اسم يتوج خراباً أحدثته الأنظمة العسكرية التي انقضّت على مجتمعاتنا في الخمسينات والستينات من القرن الفائت.

الوعي البعثي وحده ما بلور لدى مقتدى الصدر قدرته على شطب وجوه مناصريه من دون أن يرف له جفن. والوعي نفسه هو من ولد قابلية الارتهان لدى “الائتلاف الوطني السوري”. فقد اكتشفنا ونحن على بعد أكثر من عقد على ولادة المجلس الوطني السوري ومن بعده الائتلاف الوطني أن أعضاءه موظفون لدى الحكومة التركية! الائتلاف الوطني الذي يقدم نفسه بديلاً عن نظام الاستبداد والارتهان، مرتهن لأنقرة بمبالغ وضيعة، مثلما أن النظام في بغداد مرتهن للحرس الثوري الإيراني. وهذه المعادلة المنعقدة في “القطرين البعثيين” لا تشكل مادة سجالية تُشهر في وجه أصحابها بوصفها خيانة للظلامة الأصلية التي ألحقها البعث بالسوريين وبالعراقيين.

نعم، البعث أنجب خصومه في كل من العراق وسوريا، ونشّأهم على فكرة الاستتباع والارتهان. خبر خفض رواتب أعضاء الائتلاف سيق في الإعلام كمؤشر على التطبيع بين أنقرة والنظام في سورية، لا بوصفه قرينة ارتهان سبقت خطوة تطبيع أنقرة علاقاتها مع بشار الأسد. لا بل أن المرارة التي خلفتها خطوة التطبيع لا مبرر لها طالما أننا كنا ضربنا صمتاً على جداول الرواتب. الحكومة التركية بهذا المعنى تملك تفويضاً من الهيئة التي تطرح نفسها بديلاً عن النظام، بأن تقدم على ما تراه مصلحتها. 

وبموازاة إنجاب البعث نموذجيه البديلين في العراق وفي سوريا أنجب أيضاً نماذجه المسلحة التي يفترض أنها قاتلته أو تقاتله اليوم، من “حشد شعبي” وفصائل ولائية في العراق، و”جبهة النصرة” وكتائب “الجيش الحر” في سوريا، فيما اشترك البعثان في أبوة “داعش”، العراقي عبر تزويد التنظيم بضباط الجيش المنحل، والسوري عبر صفقة الإفراج عن الإسلاميين وضخهم في الفصائل الإسلامية التي كانت آخذة بالتشكل في بداية الاحتجاجات. ناهيك عن وراثة “داعش” خبرات البعث في علاقته بالعشائر وبالسجون وبالقتال.

واليوم هي مرحلة القطاف. فصائل سورية موالية لأنقرة تقاتل الأكراد في مناطقهم، وتحتل عفرين برعاية الجيش التركي، وفصائل عراقية ممولة من إيران تشعل حروباً أهلية فتتصدى تارة لثوار تشرين وتارة أخرى للصدريين. أما عراق ما بعد البعث، والبديل السوري عن البعث، فقد ثبت أنهما وهماً، وأن البعث يواصل اشتغاله و”انبعاثه” بقناعي الجماعات الدينية، السنية في سوريا، والشيعية في العراق.

البعث أصلاً لم يكن يوماً أكثر من قشرة خارجية لأمراض جوهرية لطالما عصفت بهذا المشرق، وهو لطالما أنجب مسوخه الإسلامية والقبلية، وهذا ما يعزز افتراض أننا في العراق وفي سوريا عرضة لاحتمالات البعث، أو ما بعد البعث، وما “جبهة النصرة” و”جيش الإسلام” و”داعش” والفصائل العراقية الشيعية المسلحة إلا من أعراض الـ”بوست بعث”. أما الهيئات الأعلى، من “ائتلاف وطني” في سوريا، و”إطار تنسيقي” في العراق، فلنا بفيلم الراحل عمر أميرالي “طوفان في بلاد البعث” معيناً لنا في السعي إلى فهمها.         

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!