fbpx

تهمة “الفن الهابط” من أم كلثوم إلى “شبشب الهنا” وريم السواس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أم كلثوم، فايزة أحمد، صباح، مها عبد الوهاب، ريم السواس، هيفاء وهبي… كل هؤلاء اتّهمن بتقديم الفن الهابط في مراحل معينة من مسيراتهن، وكان عليهنّ مواجهة أحكام شرطة الأخلاق الحميدة… ولكن ما معنى “الفن الهابط”؟ وهل فعلاً علينا منعه؟ ومن يحدد معايير القبول والرفض؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 1926، غنّت أم كلثوم “الخلاعة والدلاعة مذهبي”، يومها اتهمت بتقديم فن هابط وثار الجمهور ضدّها، ما أجبرها على سحب كل الاسطوانات، ودفعت تعويضاً مالياً للشركة المنتجة قبل أن تغير كلمات الأغنية إلى ” الخفافة واللطافة مذهبي”.
تهمة الفن الهابط التي تبثها التيارات المحافظة بقيادة رجال الدين والسلطة والذين يرون في السيطرة على الثقافة والفن، ضرورة لمواصلة سطوتهم على عقول الناس، تهمة قديمة، يصار إلى تعويمها على السطح من حين إلى آخر، لشد العصب الديني و”الأخلاقي”. وتشتدّ الحرب الأخلاقية حين تكون الضحية امرأة، يسهل انتقادها واعتبارها “عاهرة” لأنها قالت كلاماً “بذيئاً” أو ارتدت فستاناً قصيراً أو ضحكت بصوت عال.
ومثل أغنية أم كلثوم، أتت أغنية “يا شبشب الهنا يا ريتني كنت أنا” لتثير جدلاً واسعاً في الصحافة المصرية، في بداية الخمسينات في فيلم “منديل الحلو”، والتي لحنها وغناها عبد العزيز محمود، ورقصت على أنغامها تحية كاريوكا. واعتبرت كلمات الأغنية خارجة عن تقاليد المجتمع ومعايير الأعمال الفنية المقبولة، لا سيما أن المشاهد التصويرية التي ترافق الأغنية، اعتبرت وقتها مثيرة وذات إيحاءات جنسية.
ولم تسلم فايزة أحمد من النقد هي الأخرى، ففي الستينات منعت الجهات الدينية في الأردن إذاعة أغنيتها «ياما القمر على الباب»، بحجة أنها مخلة بالآداب، وتتنافى مع الرسالة الخلقية والمجتمعية التي تتسم بها إذاعة الأردن.

شرطة الأخلاق العربية انتقلت راهناً إلى محاولة تأديب الفنانتين ريم السواس وسارة زكريا، الأولى بسبب أغنية “أكبر غلطة بحياتي علّيت واحد واطي”، والثانية بسبب أغنية “تجي نتجوّز بالسر”…


ولا يمكن المرور على أغاني “الفن الهابط” كما يصفها المنتقدون من دون التطرق إلى مها عبد الوهاب، المطربة السورية التي برزت في ستينات القرن الماضي، وأطلقت على نفسها لقب “مطربة السيكس”… قدمت مها أغنيات أثارت جدلاً واسعاً، على ألحان جميلة، مثل هزّة يا محبوبي، شوب يا قلبي ونار نارة وأي أي. علماً أنها كانت تكتب وتلحّن أغنياتها بنفسها.
وقبل مها عبد الوهاب، برزت أسماء أخرى، مثل بهية المحلاوية التي أثارت ضجة كبيرة حين أدت أغنية “رقصة شفيقة”، بسبب الكلمات التي اعتبرت جريئة وغير أخلاقية.
ولمدى سنوات بقيت أغنية الراحلة الفنانة اللبنانية صباح “بياع الكلام” ممنوعة من البثّ على الإذاعة المصرية، وذلك وفق ما أعلن ملحنها حلمي بكر “لأن حزب البعث العراقي كان يذيعها على إذاعاته بعد خطابات الرئيس المصري جمال عبد الناصر”، فاعتبر النظام المصري ذلك إشارة إلى أن عبد الناصر “بياع كلام”.
واصلت شرطة الأخلاق حربها على “الفن الهابط” ونسائه إلى الزمن المعاصر، فقد أثارت أغنيات وفنانات جدالات واسعة مثل روبي وميريام كلينك وأغنية “بوس الواوا” لهيفاء وهبي، ومنعت بعض الأغاني والفرق كما حصل مع “فرقة مشروع ليلى” ومغني “المهرجانات في مصر”. وبغض النظر عن تقييم هذا المحتوى أو النوع من الفن، الذي يمكن أن يتفاوت ويحتمل آراء متباينة، إلا أن الحملات غالباً ما تتشخصن وتتحول إلى معارك ضد المغنيات والمغنين، ويصار إل تفنيد حياتهم وخياراتهم الشخصية، لا سيما النساء منهم. ولكن إذا كنا نملك حرية عدم الاستماع إلى أغنية ما أو عدم الترويج لها، فمن العدل أن يحصل هؤلاء المغنون والمغنيات على حق تقديم ما يريدونه والتعبير عن أنفسهم وأفكارهم، من دون تهديدهم أو منعهم من الغناء.

إقرأوا أيضاً:


شرطة الأخلاق العربية انتقلت راهناً إلى محاولة تأديب الفنانتين ريم السواس وسارة زكريا، الأولى بسبب أغنية “أكبر غلطة بحياتي علّيت واحد واطي”، والثانية بسبب أغنية “تجي نتجوّز بالسر”…
وقد قررت نقابة الفنانين السوريين منع السواس من الغناء لأنها تقدّم أعمالاً هابطة… هكذا برأي النقابة الناطقة باسم النظام السوري القاتل، يمكن الحفاظ على الأخلاق والقيم، وتمكن حماية الأجيال من الخوف والتفاهة.
وهي محاولة أخرى لتوجيه الذوق العام والسيطرة عليه، فيما بإمكان المنزعجين بكل بساطة الاستماع إلى أغنيات أخرى يعتبرونها “راقية”، علماً أن لريم وسارة جماهير تحبّهما وتستمتع بطاقتيهما وأغانيهما الخارجة عن المألوف والتي قد تكون مساعداً لتغيير المزاج أو التعبير عن حالة معينة وعلاجاً لمشاعر الحزن والكآبة.
يمكن الجزم بأن “الفن الهابط” كان موجوداً في كل العصور والمراحل، ومثله “الأدب الهابط أو الإباحي” الذي لا نعرف سوى بعض نجومه ونجماته، مثل ليلى الأخيلية وولادة بنت المستكفي بالله.
وبطبيعة الحال يسهل رشق هذا النوع من الفن واعتباره خطراً على المجتمعات، فمهاجمة أغنية أسهل بكثير من حماية ضحايا العنف الأسري وتجريم قتل النساء أو التنكيل بالفقراء واللاجئين…
فكما أن الفن الهابط حاضر دائماً، فكذلك برغم كل الانفتاح والتطور الذي لحق بالشعوب، ما زالت شرطة الأخلاق حاضرة دائماً… ولا يبدو أنها ستموت!

إقرأوا أيضاً: