fbpx

“بتكّس بوقت فراغي”: هكذا يواجه عناصر أمن سوريون ولبنانيون الأزمة الاقتصادية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تجمع بين الجنود في سوريا ولبنان نقاط مشتركة من الرواتب التي فقدت قيمتها وصولاً إلى فكرة الفرار، إذ يصبح هذا الخيار مطروحاً في ظل عدم كفاية الرواتب والشروط اللاإنسانية والخطر على حياة الأفراد وبخاصة في سوريا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا بشتغل بالأمن العام وبس ما يكون عندي شغل بطلع بتكّس شوي، يعني بطلّع يوميتي ع الأقل”…
للحظة عجزتْ صديقتي عن فهم كلمة “تكّس”، ثم تداركت أن سائق سيارة الأجرة الذي يعمل في بيروت، يقصد العمل على “التاكسي”. هكذا اشتق كلمة تكّس من طبيعة عمله، وتكّس هنا لا تعني قيادة التاكسي وحسب، إنما لها دلالات ترتبط بحجم العمل ووقته، فهو ليس بالعمل الثابت ويمارسه الشاب إلى جانب عملٍ أساسي، وهو شكل من الأعمال الرديفة، ظهر في سوريا ولبنان بشكل أساسي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلدين.

“سأجوع لو اعتمدتُ على راتبي”


دفعت الأزمة الاقتصادية في كلّ من سوريا ولبنان بكثيرين إلى العمل في أكثر من عمل، في محاولة لدرء شبح الجوع عن عائلاتهم، وهذا ما يعني الاشتغال بمهن لم يتخيلوا يوماً العمل فيها، مثلاً، اتجهت شريحة من رجال الأمن اللبناني إلى أعمال أخرى كالاشتغال في الزراعة، أو على سيارة أجرة، أو في تركيب لوائح الطاقة الشمسية، ومنهم من عمل نادلاً في مطعم أو حارساً. ولا يختلف الوضع كثيراً في الجارة سوريا، إذ يلاحظ اتجاه عناصر في جيش نظام الأسد أو رجال الأمن إلى أعمال رديفة كالعمل على سيارة أجرة.
يبدو أن العاملين في مهمات متصلة بشكل أساسي بحياة وأمان الناس، لا يملكون رفاهية التفرغ لسلامة الناس في هذين البلدين، وهي مفارقة غريبة، أن يتوجه هؤلاء الذين يفترض أن يحموا الناس أو يسيّروا أعمالهم، إلى قيادة سيارات الأجرة كعمل رديف.
يتقاضى الكثير من عناصر القوات المسلحة في لبنان ما لا يتجاوز المليون ونصف المليون ليرة لبنانية أي نحو 46 دولاراً أميركياً (وتطرأ بعض الزيادات والمساعدات التي لا تغير الكثير في واقع الحال)، أما الجندي في جيش النظام السوري فيبلغ راتبه نحو 100 ألف ليرة سورية أي ما يقارب 23 دولاراً أميركياً، بحسب صرف السوق السوداء.
يقول سامر (اسم مستعار) وهو عنصر في الأمن العام اللبناني: “لم نعد نذهب للعمل كل أيام الأسبوع وخلال أيام العطلة أخرج للعمل على سياراتي كما يفعل الكثير من الأصدقاء، سأجوع أنا وعائلتي لو اعتمدت على راتبي”، ما ساعد سامر على العمل في هذه المهنة أنها متاحة بلا قيود ولا تحتاج إلى محل أو بضاعة أو أي تجهيزات لوجستية أو رأسمال، يكفي أن تمتلك سيارةً لتبدأ العمل.

“أنا بشتغل بالأمن العام وبس ما يكون عندي شغل بطلع بتكّس شوي، يعني بطلّع يوميتي ع الأقل”

سائق بزي عسكري


على العكس، في سوريا من الصعب على من يمتلكون سيارات خاصة العمل في قيادة سيارة أجرة، إذ يجب أن تمتلك سيارات الأجرة مواصفات خاصة وأن يكون لونها أصفر، وفي الأصل لا يمتلك الكثير من السوريين سيارات خاصة، لسبب رئيسي وهو ارتفاع أسعارها مقابل الدخل السنوي للموظف.
وبسبب هذه الصعوبات نشأت بدائل عن سيارات الأجرة لم تكن مخصصة سابقاً لنقل الأشخاص، كالشاحنات، وسيارات السوزوكي، فبت تشاهد على الطرق في سوريا، عشرات الأشخاص يقفون في سيارة السوزوكي المفتوحة ينتظرون الوصول إلى منازلهم بعد يوم متعب طويل، وقد يكون بينهم عناصر في الجيش، يرتدون الزي المموه، محاولين الوصول إلى عائلاتهم خلال إجازاتهم القصيرة.
في سوريا يبدو الأمر سريالياً، فالسائق قد يكون عنصراً في فرع أمنيّ، تقول سارة (اسم مستعار) وهي موظفة سوريّة: “ليس من الصعب الاستدلال على العساكر ورجال الأمن خلف مقود سيارات الأجرة، فهم لا يتكلفون عناء تبديل بزاتهم العسكرية حتى، وغالباً ما يكشف السائق عن هويته، وكأنه يسعى إلى بسط سلطته عليك حتى لو كان داخل التكسي”، ولذا فإن سائقي سيارات الأجرة في سوريا متهمون بكونهم مخبرين حتى يثبت العكس. يدفع الفضول بكثيرين إلى استجواب كلّ راكب، تقول سارة: “ماذا لو كان هذا الاستجواب من سائق يعمل في أحد الأفرع الأمنية بهدف معرفة خلفيتك السياسية؟ ماذا لو كنت معارضاً خفياً؟ لذلك لطالما بدأت أحاديث السائقين بشتم الوضع والصعوبات المعيشية، قد يكون تذمراً حقيقياً، لكن ماذا لو كان استجراراً خفيّاً لاعترافات مني؟ لذلك لطالما كان جوابي (الله بعين)”. غالباً ما يستخدم السوريون الاستعانة بالله وسيلة للنجاة والتهرب من الأحاديث السياسية مع أشخاص غير موثوقين.

إقرأوا أيضاً:

الفرار ليس خياراً


تجمع بين الجنود في سوريا ولبنان نقاط مشتركة من الرواتب التي فقدت قيمتها وصولاً إلى فكرة الفرار، إذ يصبح هذا الخيار مطروحاً في ظل عدم كفاية الرواتب والشروط اللاإنسانية والخطر على حياة الأفراد وبخاصة في سوريا، وهكذا يحاول أفراد الأسلاك الأمنية الفرار لكن الأمر ليس بتلك السهولة المتخيلة.
عناصر الأمن والجيش في لبنان مسجونون داخل الوطن ومرغمون على ممارسة عملهم، وإذا فكروا بالفرار سيكون الثمن غالياً، إذ تصدر مذكرة بحثٍ وتحرٍ وتوقف عمل بطاقاتهم العسكرية، وبالتالي يغدو الفرد مسلوب الحرية، إذ تُصادر المؤسسة جواز سفر وهوية عناصرها ويسجن من حاول الفرار ما بين 15 إلى ثلاثين يوماً ويعاد قسراً إلى الخدمة وعلى الرغم من ذلك سجل العامان الأخيران فرار آلاف عناصر الأمن والجيش اللبنانيين.
أما في سوريا فيفر الآلاف من الخدمة الإلزامية لأنهم لا يريدون خسارة سنوات من عمرهم على الجبهات مجبرين على القتل، وسط ظروف من الذل والمهانة تحت قيادة ضباط مستبدين، لذلك يمتنع الشباب عن الالتحاق بالخدمة ويمضون سنواتهم فارين، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان هناك أكثر من 150 ألف فار من الخدمة الإلزامية، منهم خارج البلاد وآخرون داخلها، وهؤلاء لا يستطيعون زيارة بلداتهم ومدنهم، يتحايلون على الحواجز، بسلك طرق فرعية وخرائط مبتكرة ويصل الأمر إلى الهرب عبر الأسطح فيما لو جاءت الشرطة لتسأل عن الفار من الخدمة الإلزامية. عصام (اسم مستعار)، واحد من الشباب الفارين من الخدمة العسكرية، حين علم بقدوم رجال الأمن للبحث عن الفارين من الخدمة فرّ عبر الأسطح المتلاصقة، يقول: “اختبأت في خرابة مظلمة بانتظار أن تتصل أمي وتطمئنني أن رجال الأمن رحلوا”، وحين يُقبضُ على الفار يساق مباشرة إلى الخدمة العسكرية من دون السماح له بجلب أي أغراض أو حاجيات. وهي ممارسات تشير إلى شيء من العبودية والسخرة، لا سيما أن ما يتقاضاه هؤلاء من رواتب، يكاد لا يكفي لتأمين الطعام، إضافة إلى التحديات المفروضة عليهم في ظل الحرب المستمرة بأشكالها كافة.

إقرأوا أيضاً: