fbpx

ما لا يقوله توني بلير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قال توني بلير، رئيس الحكومة البريطانيّ السابق والقائد السابق لحزب العمّال، إنّ “استعادة” الحزب من جيريمي كوربن واليسار المتطرّف صارت مسألة صعبة، وإن لم تكن مستحيلة. والحال أنّ هذا التقييم قد يكون بالغ الدقّة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مقابلة أجرتها معه بي بي سي، قال توني بلير، رئيس الحكومة البريطانيّ السابق والقائد السابق لحزب العمّال، إنّ “استعادة” الحزب من جيريمي كوربن واليسار المتطرّف صارت مسألة صعبة، وإن لم تكن مستحيلة. والحال أنّ هذا التقييم قد يكون بالغ الدقّة: يكفي القول إنّ الحزب في ظلّ قيادة بلير ضمّ 405 آلاف عضو في 1997، لكنّه انحسر، عشيّة مغادرة بلير المسرح عام 1997، إلى 198 ألفاً. أمّا كوربن فارتفعت العضويّة الحزبيّة في ظلّ قيادته من 388 ألفاً إلى 540 ألفاً. لقد بات حزب العمّال، مع كوربن، أكبر حزب سياسيّ في أوروبا الغربيّة. وبينما تتراجع في الدول الديمقراطيّة كلّها أعداد المنتسبين الحزبيّين، فإنّ حزب العمّال الكوربنيّ يتوسّع. في المقابل، يتوقع المراقبون أن يسعى بلير إلى تأسيس حزب “وسطيّ” جديد في بريطانيا، حزبٍ لا يُقدّر له، تبعاً للاستقطابات الشعبويّة الراهنة ولكنْ أيضاً بسبب سمعة بلير نفسه، أن يذهب بعيداً.

ما لا شكّ فيه أنّ صعود كوربن، الذي لا يشبه حزب العمّال وتقاليد يسار الوسط واللعبة السياسيّة، هو جزء من صعود شعبويّ، يمينيّ ويساريّ، في سائر البلدان. إنّه من علامات الأزمة لا من علامات حلّها. مع هذا، فما لا يتناوله السيّد بلير هو دوره ودور من يشبهونه من السياسيّين في إيصال كوربن وأمثاله إلى حيث هم الآن.

فبلير، مثله مثل غيرهارد شرودر في ألمانيا وليونيل جوسبان في فرنسا، اهتمّوا بتنظيم ما خلّفته الأحزاب والقرارات المحافظة في بلدانهم، أكثر ممّا اهتمّوا بإحداث إصلاحات عميقة تطال توزيع الثروة. هذا في زمن تولّت العولمة إثراءه بقدر ما تولّى توزيع الثراء توسيع الفجوات الاجتماعيّة والطبقيّة. لقد حدث ذلك باسم الوسطيّة والخطّ الثالث. وبغضّ النظر عن إصلاحات قليلة ربّما كان أهمّها إقرار الحدّ الأدنى للأجور، بقي وصف البليريّة بأنّها “تشذيب الثاتشريّة” أدقّ الأوصاف التي أُسبغت عليها. أمّا لاحقاً، فاعتُبر القائد المحافظ ورئيس الحكومة السابق ديفيد كاميرون “التلميذ الأشدّ وفاء لتعاليم بلير” (وهما بالمناسبة صديقان شخصيّان).

أهمّ من هذا كان دوره (ودور بيل وهيلاري كلينتون في الولايات المتّحدة) في تلويث صورة السياسيّ، وتعزيز الحجج الشعبويّة ضدّ السياسة والسياسيّين و”رداءة النخب”. صحيح أنّ ما وُجّه إلى بلير من اتّهامات بالفساد لم تثبت صحّته، لكنّ الاتّهامات بالكذب – لا سيّما في ما خصّ العراق عام 2003 – ثبتت صحّتها تماماً، وثبت معها أنّ رجلاً كهذا لا يمكن أن يكون موضع ثقة ناخبيه. ما أضاف الملح إلى الجرح أنّه صار، بحسب ما لقّبه خصومه ونقّاده، “جرو” جورج دبليو بوش والحليف الوثيق لعتاة “المحافظين الجدد” الذين حين سئل عن التحاقه بهم أجاب: “لا أفهم حتّى الآن ما معنى محافظون جدد”.

ربّما كانت هناك أشياء كثيرة لم يفهمها توني بلير الذي حكم بريطانيا عشر سنوات (1997 – 2007). لكنّ المؤكّد أنّ ما تظاهر بعدم فهمه لعب دوراً أكبر في إيصال جيريمي كوربن إلى قيادة حزب لم يعد لبلير موقع قدم فيه. الذين تابعوا تلك المرحلة في بريطانيا يذكرون أيّة حماسة أحاطت بوصول بلير إلى قيادة الحزب والدولة بوصفه وريثاً وامتداداً لنهج قائده الشعبيّ والمحبوب جون سميث الذي توفّي فجأة في 1994. إلاّ أنّهم يذكرون أيضاً أيّة فرحة حفّت برحيله عن 10 داوننغ ستريت، بعد الإحباط الواسع به بوصفه “واحداً آخر منهم”. وليس من المبالغة أن يقال إنّ شعبيّة الوداع لبلير هي أكثر ما يفسّر – بعد مرحلة انتقاليّة تولّى الحزب فيها غوردون براون وإيد ميليباند – شعبيّة الاستقبال الذي حظي به كوربن ولا يزال يحظى.