fbpx

فقراء لبنان “أوفلاين”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ظل هذه الأعباء في قطاع الاتصالات تحديداً، فإنّ محدودي الدخل سيبقون مهمشين في حال لم يتم تخفيض الأسعار أو تفعيل باقات مخصصة لهذه الفئة على الأقل. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا مين بيعوّضلي خسارتي إذا طردوني من شغلي؟”، تتساءل سحر(23 سنة) بحرقة بعد توقف الإنترنت مجدداً أثناء عملها ما يعني تأخر انجاز المهام الموكلة إليها وربما تهديد مستقبل وظيفتها. تعمل سحر كخبيرة تحسين محرّكات البحث SEO في إحدى شركات التسويق اللبنانية، وبسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان توصلت إلى اتفاق مع مديرها لتعمل عن بعد في منزلها في منطقة الشيّاح توفيراً لتكاليف النقل ما بين المنزل والمكتب. تشكل كلفة النقل هذه وحدها ما يفوق نصف راتبها، لكن حتى العمل من المنزل بات غير مضمون في ظل الانقطاع المتكرر للإنترنت. 

في لبنان، كما في دول كثيرة في العالم بعد أزمة “كورونا”، نشأت وظائف كثيرة على الإنترنت أو انتقلت لتصبح افتراضية. بات الإنترنت جزءاً أساسيًا من يوميات المواطن اللبناني الذي “ينبّش” في خضم الأزمات التي يعيشها عن أعمال بديلة تؤمن له مدخولاً جزئياً. “كأنّو وقفت حياتنا بالبيت، كل اشغالنا بدها إنترنت”، تقول ناهدة وهي أم لابنتين تعيش معهن في قضاء الشوف. لا يكفي راتب زوج ناهدة، الذي يعمل كموظّف حكومي، لتأمين أدنى مقوّمات الحياة لديهن إذ بات ومع استمرار تدهور قيمة الليرة في مقابل الدولار لا يتخطّى180 دولاراً.

ابنتها البكر، تعمل كمعلّمة في مدرسة خاصّة، وعند انقطاع الإنترنت يتوقّف البرنامج الذي يحضّر مسار التعليم للعام القادم. وشقيقتها هي مؤسسة صفحة لبيع الثياب “أونلاين”، “لا يمكننا أن ننقطع عن الزبائن لوقت طويل، سوف ينفرون منّا”، تقول ناهدة. دفعت الأخيرة ما يقارب مليون ليرة لبنانية(حوالي 30 دولاراً) حيث اشتركت بخدمة “3G” ولا تكفي الباقة التي اشتركت بها العائلة سوى لأيام قليلة.

بالنسبة إليهم يعدّ استمرار انقطاع الانترنت واحتمالات أن يصبح ذلك دائماً هو الأزمة الأصعب حتى الآن في سلسلة أزمات تعصف بهم كما باقي اللبنانيين منذ أعوام. 

من “ألفا” و”تاتش” وصولاً إلى “أوجيرو”

الانقطاعات الاخيرة في الانترنت في لبنان حصلت بعد تكرار إضراب موظفي شركة “أوجيرو” وهي بحسب الموقع الرسمي للمؤسسة “اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات، وتشكل البنية التحتية الأساسية لجميع شبكات الاتصالات بما في ذلك مشغلي شبكات الهاتف المحمول موبايل، ومقدمي خدمات البيانات (DSP)، ومقدمي خدمات الإنترنت (ISP) وغيرها”. الإضراب جاء بعد عدم تلبية مطالبهم المعيشية في ظل التدهور الشامل في الأوضاع في لبنان. تعلم سحر أنّ بطء الإنترنت والانقطاع الدائم للكهرباء سيحولان دون عملها. وهذا ما يضاعف ساعات العمل، فيما لا يزيد راتبها عن 80 دولاراً. عند إعلان الإضراب، حاول الكثير من الناس إيجاد حلول بديلة لتنفيذ المهمات الأساسية التي تقام عبر الانترنت: “فكّرت في إنجاز عملي في أحد المقاهي القريبة، إلا أنّ غالبيّتها من المشتركين في أوجيرو أيضاً، والمنطقة التي أقطن فيها تفتقر أصلاً لجودة الإرسال”. 

في 2016 قرّر مجلس حقوق الإنسان إدراج “الوصول إلى الإنترنت” كحق أساسي من حقوق الإنسان. إذاً، هو حق جديد يُنتهك في لبنان لذوي الطبقة محدودة الدخل والامكانات ليُضاف إلى لائحة تضرب عرض الحائط كل سبل العيش الكريم. 

إقرأوا أيضاً:

ماذا يعني إضراب “أوجيرو”؟

إضراب هيئة “أوجيرو” أتى استكمالاً لإضراب موظفي القطاع العام الذين تتالت إضراباتهم في الفترة الماضية بسبب تدنّي أجورهم أو عدم حصولهم عليها. تمديد “كابل” انترنت “أوجيرو” يحتاج إلى خط هاتف أرضي، وهذا يعني أن توقّف الانترنت هو نتيجة لتوقّف شبكة الاتصالات أيضاً، وبالتالي انقطاع التواصل والإتصال. هذا إلى جانب الحد من قدرة بعض شركات تحويل الأموال من التواصل مع الشركات الخارجية بسبب انقطاع الانترنت. وهذا يعني ان انقطاع الانترنت هو عامل من العوامل التي أدّت إلى ارتفاع الدولار، بحسب خبراء اقتصاديين.

يحمل شهر أيلول تكاليف ضخمة لأنه شهر العودة إلى المدارس والجامعات، التي غالبيتها أصبحت تتقاضى الأقساط بالدولار “الفريش”، هذا إلى الجانب المصاريف الحياتية الأخرى. 

ما يحصل اليوم من زيادة في أسعار الإنترنت، تصل الى 5 أضعاف، تمنع مستخدمين كثر من حق الوصول للإنترنت بشكل جزئي أو كلي، وهذا ما يحد من تعبير المجتمع عن نفسه، بحسب محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سميكس” التي تُعنى بالحقوق الرقمية. في ظل هذه الأعباء في قطاع الاتصالات تحديداً، فإنّ محدودي الدخل سيبقون مهمشين في حال لم يتم تخفيض الأسعار أو تفعيل باقات مخصصة لهذه الفئة على الأقل. 

يعتبر نجم أنّ كل هذه الفوضى هي نتيجة الإهمال وعدم التخطيط المسبق، خصوصاً من وزارة الاتصالات، حيث من حق العمال زيادة رواتبهم بعدما ارتفعت أسعار الاتصالات. سبق وأن أضرب موظفو “ألفا” و”تاتش” مطالبين بحقوقهم المادية، إذ لا تتلاءم رواتبهم مع الواقع الحالي للمتغيرات المادية للشركات مقابل انخفاض القدرة الشرائية لرواتب الموظفين. 

فيما تُعتبر التوظيفات السياسية جزءاً من فساد قطاع الاتصالات التي بلغت نحو 50 في المئة بين عامي 2020 و2021.

بحسب تقرير لديوان المحاسبة حول قطاع الاتصالات، لخّصته منظّمة “سميكس”، لا تتناسب زيادة عدد الموظفين مع واقع الاتصالات بين عامي 2010 و2020. فقد تراجعت الإيرادات بين 2010 و2018 فيما ازداد عدد موظفي “تاتش” نحو 54 في المئة و”ألفا” حوالى 73 في المئة. يظهر لنا ذلك الفساد المستشري في قطاع الاتصالات الذي، كغيره من القطاعات، تتحكم فيه الطبقة السياسية. 

“حزب الله” و”حركة أمل”: غير معتادين على “السواسية” مع اللبنانيين

لم يكن انقطاع الانترنت حدثاً عابراً على سكّان الضاحية الجنوبية الذين تتالي أزمات الكهرباء وانقطاع المياه على كاهلهم، وآخرها إضراب أوجيرو وتوقّف شبكة اتصالات “تاتش” في المنطقة. مستخدمين حوالى 50 دراجة نارية، قطع الأهالي الطريق أمام مبنى سنترال “أوجيرو” في الشيّاح بعد أن باتوا منعزلين تماماً عن الاتصالات منذ مساء الخميس. 

أمّا “حزب الله” و”حركة أمل”، المسيطرين على المنطقة، فقد استخدما نفوذهما للضغط على موظفي “أوجيرو” لفك الإضراب بأسرع وقت. وبعد ثلاث ساعات من المفاوضات الطوعيّة، لم يكن على بعض موظفي “أوجيرو” إلّا أن يرضخوا لعناصر الثنائي والأهالي مطالبين زملاءهم بفكّ الإضراب، بينما ظلّ آخرون على موقفهم. هؤلاء ردّوا الشاحنة المحملة بالمازوت التي أمنها الثنائي لتعبئة السنترال. عقب ذلك، استاء العناصر من رفض أوامرهم، فاقتحموا المبنى لتفريغ الحمولة، وأحضروا مختصين في مجال الإلكترونيات وهندسة الكهرباء لمراقبة وفحص الأسلاك الكهربائية المتوقفة عن العمل.

وبحسب ما ذكر موقع “المدن”، فإنّ تدخل “حزب الله” في فض هذا الإضراب جاء بعد توقّف عدد من مؤسساته الخدماتية عن العمل، ومن بينها مؤسسة “القرض الحسن”.

بعد كل هذه “المعمعة” حقّق العناصر ما يريدونه، حيث عادت شبكة الانترنت للعمل بعد نصف ساعة من تزويد السنترال بالمازوت. لكن بحسب ما ذكر أحد موظفي أوجيرو لـ”المدن” فإنها لن تكفي لأكثر من يومين، وهم مستمرون في الإضراب.

هي حركة انتهازيّة جديدة، يستخدمها “حزب الله” و”حركة أمل” ليثبتا سيطرتهما المحكمة على المنطقة. ويظهر لنا ما حصل أنّه عندما طاولت الأزمة مؤسساتهم الخاصة، لم يرضَ هؤلاء على معايشة الواقع كسائر اللبنانيين. 

سابقاً، في بعض المناطق اللبنانية، كان يتم تشغيل الكهرباء لساعات محدودة خلال إلقاء السياسيين خطاباتهم عبر التلفاز. في الأسبوع الماضي، تكرّرت هذه الظاهرة في مدينة صور الجنوبية، وكان سبب ذلك إحياء “حركة أمل” لمهرجان تغييب الإمام موسى الصدر، حيث عاد الإنترنت للمدينة لساعات محدودة، بمبادرة من موظفي “أوجيرو” في محاباة لحركة “أمل”، وأكد الموظفون أنه “سيعاد القطع بعد انتهاء المهرجان”، وهو ما حصل بالفعل. 

إقرأوا أيضاً: