fbpx

“كل يوم أفكر بالانتحار”:
الصحة النفسية في لبنان للأغنياء فقط!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ارتفعت نسب الإصابة بالاضطرابات النفسيّة لدى الأطفال والمراهقين في لبنان، تحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت. ووفق دراسة علمية حول الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت يسجّل الاكتئاب نسبة 30 في المئة، والقلق 65 في المئة، واضطرابات الكرب ما بعد الصدمة نسبة 52 في المئة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أعاني من ثنائي القطب وأتلقى العلاج منذ سنوات وكانت حالتي بدأت تستقر نسبياً، لكن في السنتين الأخيرتين تحولت حياتي إلى جحيم حقيقي. كل شهر أواجه أزمة تأمين أدويتي، ولولا بعض المستوصفات التي تؤمن الدواء البديل، لكنت قتلت نفسي بالفعل، مع العلم أنني حاولت إنهاء حياتي أكثر من مرة، ولسوء حظي لم أمُت بعد”، هكذا تروي ليلى معاناتها في ظل الأزمة الصحية التي يواجهها لبنان من ضمن أزمات كثيرة.

تضيف ليلى، “كل يوم تقريباً أفكر بالانتحار للتخلص من هذا العذاب، ذلك أنني لم أعد أستطيع زيارة طبيبي بشكل دوري لمتابعة الجلسات الأسبوعية لأنني لا أستطيع تحمّل كلفتها، أكتفي بالدواء البديل وأحرم نفسي من جلسات العلاج، وهذا يصيبني بتعب واضطراب وخوف ولا أستطيع السيطرة على نفسي. أحياناً أبكي لساعات في غرفتي. وزاد الأمر سوءاً أنني خسرت عملي في الأزمة”.

ليلى والكثير من المرضى النفسيين يواجهون تبعات الأزمات اللبنانية المتلاحقة التي تنعكس على استقرارهم النفسي وتضعهم في قلق حقيقي، لا سيما أن العلاج النفسي أصبح بمثابة رفاهية لا يملكها الجميع، فالجلسات النفسية تتراوح تكلفتها بين 15 و50 دولاراً وأحياناً أكثر، ومعظم المختصين أصبحوا يتقاضون بدل أتعابهم بالدولار أو ما يعادله بالليرة وفق سعر صرف السوق السوداء.

ففي ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها اللبنانيون، منذ أزمة “كورونا” مروراً بمأساة مرفأ بيروت وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وخسارة كثيرين مصادر دخلهم، زادت الاضطرابات النفسية، فمن العادي أن تسمع بين أصدقائك أو عائلتك تعابير مثل “عايشين من قلة الموت”، “جهنّم أحلى من هالعيشة”، “يا ريت بموت وبرتاح”. ويزداد الأمر قتامة مع المرضى النفسيين الذين باتوا عاجزين عن تأمين أدويتهم أو متابعة جلسات العلاج النفسي، نظراً إلى تكاليفها الباهظة، مقارنة بمداخيلهم. وهو أمر يزيد أوضاعهم سوءاً، لا سيما أن الكثير من الأدوية النفسية مقطوعة أو ارتفعت أسعارها بشكل كبير بعد رفع الدعم عنها.

في لبنان، هناك 1.5 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة، ومعظم هؤلاء الأطباء يعملون في عيادات خاصة أو منظمات غير حكومية. ويتركز هؤلاء غالباً في بيروت وضواحيها، فيما تتراجع ثقافة زيارة الطبيب النفسي في الأرياف النائية

الطبقية حتى في الدواء…

توضح الصيدلانية أميرة شعيب لمعدة التحقيق أنه “قبل رفع الدعم، بدأت المأساة، إذ كنا نتسلم علبة دواء واحدة من كل صنف مثلاً، فيما هناك بين 5 إلى 10 أشخاص يحتاجونه. هذا قبل رفع الدعم، أي حين كان السعر على حاله لكن الأدوية النفسية كالكثير من الأدوية الأخرى، كانت مقطوعة وتوزع بكميات غير كافية، وكنا نحاول نحن الصيادلة المساعدة في تأمين الأدوية لكن بالفعل كان الأمر صعباً”.

وتوضح شعيب أن “الأدوية التي كانت مقطوعة، صارت لها بدائل لأن الدواء الأساسي غالٍ جداً. ونحن ننصح الناس باستخدام البدائل من التركيبة ذاتها لأنها فعالة وأرخص. لكن هناك فئات غير قادرة حتى على تحمّل تكلفة الدواء البديل وهم يضطرون إلى توقيف الدواء. أحياناً يقرر المرضى التقنين في الدواء من دون حتى استشارة الطبيب، ونحن نحذرهم دائماً من هذا الأمر. هناك فروقات حقيقية في الطبقات الاجتماعية وهذا ينسحب إلى موضوع الأدوية وهي مسألة بغاية الخطورة”.

تتابع شعيب: “هناك أدوية مضادة للاكتئاب كالسيبراليكس والزولوفت، في حال توقف المريض عن تناولها حتى ليوم واحد، فمن المرجّح أن يواجه عوارض انسحابية سيئة جداً، كالدخول في اكتئاب عميق والقلق والبكاء، وهذا ما حدث مع كثيرين، بخاصة الذين لم يستطيعوا تأمين دوائهم من خارج لبنان، فاضطروا إلى إيقافه. وكذلك الأدوية المتعلقة بالقلق والنوم مثل الكزاناكس، هذه الأدوية أيضاً لا يمكن توقيفها، لا سيما بطريقة فجائية. كل هذه الأدوية كانت مقطوعة وكذلك أدوية الأمراض العصبية والنفسية، والآن أسعار الكثير من هذه الأدوية مرتفعة جداً”.

وفق الأرقام التي نشرتها “إمبرايس” المعنية بالمساعدة النفسية ومكافحة الانتحار، فقد وردها خلال شهر تموز/ يوليو 988 اتصالاً ، 843 منها كانت من أشخاص في الثامنة والعشرين من عمرهم، ما يعكس الواقع الأليم الذي تعيشها الفئة الشابة في لبنان، بعد تدمير أحلامها وطموحاتها. 64 في المئة من المتصلين تحدثوا عن توترات عاطفية، 27 في المئة كانت لديهم أفكار انتحار، و53 في المئة من المتصلين كانت لديهم في بداية الاتصال أفكار انتحار.

كما ارتفع عدد الاتصالات الواردة من 2239، عام 2019، إلى 6132 اتصالاً، عام 2020، أي بزيادة 170 في المئة. وعام 2021 تم تسجيل 9859 اتصالاً أي بزيادة نسبتها 61 في المئة

كما وصل عدد حوادث الانتحار في لبنان العام الماضي إلى 142 حادثة مقارنة بـ150 حادثة، في عام 2020، في حين سجل عام 2019، 170 حادثة.

في المقابل، يوضح الدكتور سايد جريج وهو طبيب أمراض نفسية ومعالجة إدمان، أن “الغلاء وانقطاع الأدوية يجبران الكثير من المرضى على التوقف عن تناول أدويتهم، وهذا يؤدي إلى تراجع حالاتهم وإلى انعكاسات قوية على المرضى المصابين بالاكتئاب أو ثنائي قطب أو الخوف والقلق وغير ذلك. هناك مرضى يستطيعون تأمين الدواء من سوريا أو تركيا أو من خلال مستوصفات. لكن هناك مرضى يضطرون إلى وقف العلاج، لناحية الدواء أو الجلسات الأسبوعية عند المعالج النفسي، التي تكون كلفتها أكبر من قدراتهم المادية. هناك مرضى يغيرون في الأدوية بلا استشارة طبيب أو يغيرون في عيارات الدواء من أجل التوفير، هذا أمر يؤثر على حالتهم ويزيدها تدهوراً”.

ويشير إلى أن “الأزمة الحالية بحد ذاتها تؤدي إلى مشكلات نفسية واضطرابات لناحية المزاج والنوم والقلق وغير ذلك”.

هذا مع العلم أن في لبنان، هناك 1.5 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة، ومعظم هؤلاء الأطباء يعملون في عيادات خاصة أو منظمات غير حكومية. ويتركز هؤلاء غالباً في بيروت وضواحيها، فيما تتراجع ثقافة زيارة الطبيب النفسي في الأرياف النائية، حتى تنعدم في بعض المناطق، ما يعني أن الأوضاع قد تزداد سوءاً، فكل تأخير في الكشف عن الحالة من قبل مختص قد يؤدي إلى المزيد من التعب أو الانعكاسات النفسية الخطيرة.

إقرأوا أيضاً:

الاكتئاب والأطفال

ارتفعت نسب الإصابة بالاضطرابات النفسيّة لدى الأطفال والمراهقين في لبنان، تحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت. ووفق دراسة علمية حول الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، أعدها باحثون من كليتي العلوم الصحية والطب في الجامعة الأميركية في بيروت، يسجّل الاكتئاب نسبة 30 في المئة، والقلق 65 في المئة، واضطرابات الكرب ما بعد الصدمة نسبة 52 في المئة.

وشملت الدراسة 802 طفل ومراهق من 591 عائلة، تتراوح أعمارهم ما بين 8 و17 سنة، معظمهم من الجنسية اللبنانية بنسب متساوية بين الذكور والإناث. وأُعدّت الدراسة بعد مرور أربعة أشهر على وقوع انفجار بيروت في شهر أغسطس/ آب 2020. وكانت نسبة 82 في المائة من العينة موجودة في مدينة بيروت لحظة وقوع الانفجار.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن نسبة 73 في المئة من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و11 سنة يظهرون عوارض قلق.

إزاء ذلك كلّه، يبدو الالتفات إلى الصحة النفسية حكراً على الطبقات الميسورة، فيما تعيش فئات واسعة اضطراباتها وقلقها من دون أن تستطيع حتى زيارة طبيب أو شراء حبة دواء…

أخبرتنا ليلى أنها في تموز/ يوليو الماضي حاولت الانتحار بالفعل، عبر حرمان نفسها من الأكل، استمر الأمر لأيام، حتى انهارت كلياً واحتاجت إلى مساعدة ملحّة، لكنها لم تستطع دخول المستشفى لأنها لا تملك كلفة ذلك. بمساعدة بعض الأصدقاء تعافى جسدها، لكن وضعها النفسي يواصل التدهور، وأفكار الانتحار ما زالت تراودها يومياً في بعض الأحيان.

تم انتاج هذا التقرير بدعم من مؤسسة مهارات ومنظمة انترنيوز ضمن مشروع RIT

إقرأوا أيضاً: